كيسنجر: الذكاء الصناعيّ يحوّل الحرب إلى لعبة شطرنج..

مدة القراءة 5 د

يتخوّف وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر من تداعيات الذكاء الصناعي لأنّه “أصبح ذا قدرات تدميرية تتجاوز قوة القنبلة النووية”، داعياً القوى الرئيسية إلى إيجاد طرق للحدّ من مدى هذا الذكاء وقدراته، وإلا فـ”سيكون السباق بكلّ بساطة سباقاً مجنوناً نحو الكوارث”.

 

هوس كيسنجر

أن يصبح كيسنجر السياسي الأميركي، والدبلوماسي المخضرم الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي الأميركي في عام 1969 قبل أن يتولّى منصب وزير الخارجية في عام 1973، “مهووساً” وهو في سنّ التاسعة والتسعين بكيفيّة الحدّ من القدرات التدميرية المحتملة للذكاء الصناعي، أمر استدعى اهتمام الصحافي والكاتب الأميركي في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد أغناتيوس.

خصّص أغناتيوس مقاله الأسبوعي في الصحيفة لنقل حديث لكيسنجر في منتدى عُقِد في الكاتدرائية الوطنية في واشنطن خلال الشهر الماضي بعنوان “الإنسان والآلة والله”، عن “القوة التدميرية” لِما سمّاه “آلات التفكير” أثناء تفاعلها مع الأعمال التجارية والتمويل والحرب العالمية. ووصف كيسنجر بأنّه أصبح “مهووساً” بـ”مصدر قلق حديث جدّاً”، ألا وهو كيفيّة الحدّ من قدرات التدمير المحتملة للذكاء الصناعي، “الذي يمكن أن تكون سلطاته أكثر تدميراً بكثير من أكبر قنبلة… وإذا لم تجد القوى الكبرى طريقة للحدّ من نطاق الذكاء الصناعي، فسيكون سباقها ببساطة سباقاً مجنوناً نحو الكارثة”.

تحوّلت “المساكنة الهانئة” إلى حرب باردة، مكبِّدة الدول الغربية وغالبية الدول النامية خسائر فادحة وركوداً وتضخّماً

ردّد صدى مخاوف كيسنجر بشأن الذكاء الصناعي اثنان من المشاركين في المنتدى: إريك شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل ورئيس لجنة الأمن القومي للذكاء الصناعي المعيَّنة من قبل الكونغرس والتي أصدرت تقريرها العام الماضي، وآن نويبرغر، نائبة مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس جو بايدن للتكنولوجيا الإلكترونية والناشئة.

 

الحرب ستصبح كالألعاب التي لا يفكّر فيها الإنسان

حذّر وزير الخارجية الأميركي الأسبق في كلمته في المنتدى من أنّ أنظمة الذكاء الصناعي يمكن أن تحوّل الحرب تماماً مثل لعبة الشطرنج أو غيرها من الألعاب الاستراتيجية “لأنّها قادرة على القيام بحركات لا يفكّر فيها أيّ إنسان، لكنّ لها عواقب وخيمة”.

 وقال: “ما أتحدّث عنه هو أنّه من خلال استكشاف الأسئلة المشروعة التي نطرحها على هذه الأنظمة، فإنّها تتوصّل إلى استنتاجات لن تكون بالضرورة مثل استنتاجاتنا، وعلينا أن نعيش في عالمها”. وتابع: “نحن محاطون بالعديد من الآلات التي قد لا نعرف تفكيرها الحقيقي… كيف تضع قيوداً في الآلات؟ حتى اليوم لدينا طائرات مقاتلة يمكنها خوض معارك جوّية من دون أيّ تدخّل بشري. لكن هذه ليست سوى بدايات هذه العمليّة. إنّه التفصيل الذي بعد 50 عاماً سيكون مذهلاً ومربكاً للعقل البشري”.

 

دعوة لعمالقة التكنولوجية إلى وضع معايير أخلاقيّة

دعا كيسنجر قادة الولايات المتحدة والصين، عملاقَيْ التكنولوجية في العالم، إلى الانخراط في حوار عاجل في كيفية تطبيق الحدود والمعايير الأخلاقية للذكاء الصناعي.

وقال إنّ مثل هذه المحادثة يمكن أن تبدأ بتوجّه الرئيس بايدن إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ بتصريح يقول فيه: كلانا لديه الكثير من المشاكل لمناقشتها، لكنّ هناك مشكلة واحدة مهيمنة. أنت وأنا الوحيدان في التاريخ اللذان يمكنهما تدمير العالم بقراراتنا المتعلّقة بـ”حرب بواسطة الذكاء الصناعي”، وإنّ من المستحيل الحصول على ميزة أحاديّة الجانب في هذا المجال، “لذلك يجب أن نبدأ بالمبدأ الأوّل المتمثّل في أنّه لن يخوض أحدنا حرباً عالية التقنية ضدّ الآخر”.

واقترح كيسنجر أن يتّفق القادة الأميركيون والصينيون على “إنشاء مؤسّسات صغيرة نسبيّاً في البداية تتمثّل مهمّتها إبلاغ القادة الوطنيين بالمخاطر”.

أنظمة الذكاء الصناعي يمكن أن تحوّل الحرب تماماً مثل لعبة الشطرنج أو غيرها من الألعاب الاستراتيجية لأنّها قادرة على القيام بحركات لا يفكّر فيها أيّ إنسان، لكنّ لها عواقب وخيمة

القلق من الموقف الصينيّ

لطالما قاومت الصين مفاوضات الحدّ من الأسلحة النووية من النوع الذي أجراه كيسنجر مع الاتحاد السوفييتي خلال سنوات عمله مستشاراً للأمن القومي ووزيراً للخارجية، حسب توضيح أغناتيوس، الذي اعتبر أنّ المسؤولين الأميركيين يعتقدون اليوم أنّ الصينيين لن يناقشوا الحدّ من الأسلحة النووية حتى يحقّقوا التكافؤ مع الولايات المتحدة وروسيا، اللتين تمّ تقييد أسلحتهما بسلسلة من الاتفاقيات بدءاً من معاهدة سالت SALT  عام 1972 (معاهدة الحدّ من الصواريخ النووية، وكانت بين ليونيد بريجنيف وريتشارد نيكسون)، التي فاوض كيسنجر على بنودها.

أصبحت قوّة الذكاء الصناعي التي تغيّر العالم مصدر قلق رئيسي لكيسنجر في أواخر التسعينيات من عمره، كما أوضح أغناتيوس مشيراً إلى أنّ شميدت شارك كيسنجر والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دانيال هاتنلوشير العام الماضي في تأليف كتاب بعنوان “عصر الذكاء الصناعي: ومستقبلنا الإنساني”، وصف فرص التكنولوجيا الجديدة ومخاطرها.

أوضح أغناتيوس أيضاً أنّ أوّل تعليق علنيّ قويّ لكيسنجر على الذكاء الصناعي كان في مقال نُشر عام 2018 في مجلة “أتلانتيك” بعنوان “كيف ينتهي التنوير”. ولخّص العنوان الفرعي له رسالته المخيفة والقائلة إنّ “المجتمع البشري فلسفياً وفكرياً، بكلّ الطرق، غير مستعدّ لظهور الذكاء الصناعي”.

إقرأ أيضاً: مقال تاريخي لكيسنجر: حذّر من الحرب.. وشرح كيف تنتهي

أخبر كيسنجر الحاضرين في المنتدى أنّه على الرغم من الدمار الذي تسبّبه الأسلحة النووية فـ”ليس لديها قدرة “الذكاء الصناعي” لبناء تفكيرها الخاصّ وتصوّرها الخاصّ للخطر أو اختيار الأهداف.”

وعندما سئل عن تفاؤله بشأن قدرة البشرية على الحدّ من القدرات التدميرية للذكاء الصناعي عندما يتمّ استخدامه في شنّ الحرب، أجاب كيسنجر: “إذا لم نحلّ المشكلة، فسوف يدمّرنا فعليّاً وليس لدينا أيّ خيار.”

 

لقراءة المقال من المصدر: إضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

تريليون دولار لعمالقة “وول ستريت”.. بين الرّياض وأبو ظبي

بعدما كان من بين الشخصيات الرئيسية في المؤتمر السنوي لـ”مبادرة مستقبل الاستثمار” في نسخته الثامنة الذي عقد في الرياض في 29 تشرين الأول الفائت، ظهر…

فريدمان لترامب: كانت المرة الأولى أكثر سهولة

العالم هو دائماً أكثر تعقيداً مما يبدو خلال الحملات الانتخابية، وهو اليوم أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.. وإذا كان قد تمّ تجاوز الكثير من…

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…