يجلس الأفندي، كما يُحبّ أنصاره أن يُطلقوا على القابض على زعامة آل كرامي، خلف مكتبه في شارع الميناء. دائم الابتسامة، يُقبّل فيصل كرامي زائريه الصغير منهم والكبير. المناسبة هي فوزه بالطعن أمام المجلس الدستوري وعودته عضواً في البرلمان اللبناني نائباً عن طرابلس.
تشعر وأنت ترى الناس أفواجاً أفواجاً تحجّ إلى مكتب فيصل كرامي للتهنئة، أنّ شيئاً جديداً حصل للمدينة. إنّه التوازن السياسي بعدما كادت المدينة أن تنسى رموزها بانتهاء الانتخابات النيابية وقد انهزم البعض منهم فيما انكفأ أو انسحب البعض الآخر.
القرب من الناس ميزة يمتلكها فيصل كرامي وقد ورثها عن والده الراحل الرئيس عمر كرامي. تتلمّس ذلك من سيطرة الحديث عن المونديال على الحوار بينه وبين زائريه: “انتصار المنتخب السعودي شكّل فرحة للأمّة العربية جمعاء، أمّتنا بحاجة إلى الانتصار والفرح”. ولأنّه طرابلسيّ حتى العظم لا ينسى طرابلس في كلامه فيقول: “لكنّ ما حصل من مسيرات واحتفالات في طرابلس بعد فوز البرازيل غير معقول وغير مقبول، المدينة الحزينة المصابة بكلّ شيء تحتفل لفوز منتخب البرازيل، هذا شيء لا يمكن تفسيره”.
ويسأله شابّ من أنصاره: “أنت مع مين بالمونديال يا أفندي؟”، فيقول له: “أنا مع اللعبة الحلوة”.
كرامي: “المرحلة المقبلة تتطلّب السير في خطّين متوازيَيْن. الخطّ الأوّل هو إقرار استراتيجية دفاعية، والسيّد حسن نصر الله تحدّث عن ذلك. أمّا الخطّ الثاني فهو خطّ الإصلاح ومحاربة الفساد، لبناء دولة القانون والمؤسّسات والقضاء المستقلّ”
مؤامرة على الأفندي
يرى ابن عمر كرامي أنّ ما حصل في الانتخابات حتى صدور نتيجة الطعن مؤامرةٌ محبوكةٌ ضدّه، ويقول لـ”أساس”: “قدّمنا الطعن، كنّا واثقين من الأرقام التي بين أيدينا، ولو لم تكن هذه الثقة موجودة ما كنّا تقدّمنا بالطعن. كانت تمنّياتنا عدم تدخّل السياسة في عمل القضاء كما تدخّلت السياسة في الفرز. رئيس المجلس الدستوري رجل يُحترَم على مناقبيّته وشفافيّته، وما كان أحد بقادر على الحصول منه على معلومة تتّصل بنتيجة الطعن، وقد قال إنّ ما حصل خطأ بشريّ نتيجة التعب، لكنّ ذلك يتناقض مع ما أحصيناه من تراكمات استهدفتني شخصياً منذ بداية ما سُمّي بالانتفاضة أو الثورة، ثمّ الحملة التي واجهتها في الانتخابات، ثمّ خروج أحدهم في ليلة الانتخابات ليقول إنّ سيّارة بيضاء لفيصل كرامي دخلت السراي حتى تغيِّر النتائج إلخ… ومثلما يقول المثل “أخوت يحكي وعاقل يفهم”. السراي أصلاً لا يمكنك إدخال صندوق إليه من الخارج، ولكلّ الأطراف ممثّلون ومندوبون هناك يراقبون العملية، فكيف يمكن أن يحصل ذلك؟! ثمّ كانت المفاجأة إضافة أصوات في صناديق مختلفة، وإذا أعدنا العدّ نحصل على الحاصل الثالث. الأمر الخطير الذي مرّ عليه مرور الكرام رئيس المجلس ونحن قدّمنا طعناً به هو الصندوق رقم 176 بمنطقة الحديد. أنا حصلت فيه على 51 صوتاً ولم يتمّ احتساب هذا الصندوق مطلقاً، وبالتالي لم يعد الأمر خطأ بشرياً”.
ويضيف: “هناك استهداف من جهة سياسية لا تعجبها مواقفي ولا مَن أمثّل في طرابلس. لقد أرادوا إفراغ الساحة السنّيّة من رموزها، وهنا علينا عدم إسقاط موضوع رئاسة الحكومة من الحسبان”. وعند سؤاله عن دور ابن مدينته وزير الداخلية بسام المولوي في هذه المؤامرة وعن إمكان مشاركته فيها: “أعتقد ذلك، لكن لا أملك معطيات، وإذا لم يكن شريكاً فلِمَ لم يمنع الظلم عنّي؟”.
هذا ما قاله ميقاتي
كان الرئيس نجيب ميقاتي أوّل المتّصلين لتهنئة فيصل كرامي، لكن بماذا ألمح إليه؟ يقول كرامي: “صحيح أنّ الرئيس ميقاتي كان أوّل المهنئين، لكن اقتصر الأمر على التهنئة، وتمنّى لنا الخير في المستقبل (يضحك فيصل كرامي)، وقال لي: إن شاء الله إلى مناصب أعلى، وأنا شايفها جايي. فقلت له آمين”.
فيصل وصداقة فرنجيّة
تربط فيصل كرامي بسليمان فرنجيّة صداقةٌ عميقةٌ لا ينكرها: “سليمان فرنجية صديق، وصديق plus”. ولدى سؤاله عن لعبه دوراً مع صديقه لفتح قنوات مع المملكة العربية السعودية من أجل الانتخابات الرئاسية، يجيب: “سليمان فرنجية ليس بحاجة إلى قناة، فأنا أعتقد أنّ بيت سليمان فرنجية كان تاريخياً أقرب إلى المملكة العربية السعودية، وخصوصاً بيت الملك سلمان، ونحن مع الجمع لا التفرقة. سليمان فرنجية أحد الأسماء الجدّية المطروحة لرئاسة الجمهورية، لكنّه حتى اللحظة غير مرشّح، ونحن أينما نجلس ومع كلّ من نجلس نتحدّث بأصلنا تجاه هذا الرجل الذي نعرف عنه أنّه ذو صفات قيادية وحكيمة، ولا أعتقد أنّه بحاجة إلى قناة، وسعادة السفير وليد البخاري فيه كلّ خير، فهو فاتح للقنوات بكلّ الاتّجاهات”.
وعن كيفيّة جمعه بين علاقته بقوى 8 آذار وبين علاقته الجيّدة مع المملكة العربية السعودية، يقول: “أنا صديق للمملكة وصديق للمقاومة، وذلك أنّ من يريد ممارسة العمل الوطني يجب أن يتحدّث مع الجميع، وهنا أعود إلى نهج الرئيس رشيد كرامي وقوله الشهير: “لو بدنا نضل نتحاور مئة سنة بدنا نضل نتحاور لأن هذا بلد مبني على توازنات دقيقة واللعب بهذه التوازنات يفجّر البلد، والبديل عن الحوار هو الحرب، فأنا مع الحوار”. لا يمكننا أن ننكر وجود وحجم تمثيل المقاومة في لبنان، ولا يمكننا أيضاً أن ننكر ثقل المملكة العربية السعودية وتأثيرها، وأنا لا أرى أيّ تعارض بالمبادئ التي أؤمن بها. أنا مع المقاومة، لكن أختلف معها في قضايا كثيرة، وأنا مع المملكة العربية السعودية في موقفها من إسرائيل والقضية الفلسطينية ومسألة القدس. قالت المملكة إنّها مع ما يتّفق عليه الفلسطينيون. ولا ننسى قمّة بيروت والمبادرة العربية للسلام. لكنها في لبنان تقول: “أنا إلى جانبكم ولا نريد منكم إلا الإصلاح ومحاربة الفساد وعدم تحويل لبنان إلى منصّة تؤذي المملكة وجيرانها. نحن نريد أن نتعاطى مع الطائفة السنّيّة برمّتها لا مع شخص واحد”، أي لا وجود لحصريّة، فهل أقول لقادة المملكة: كلّا، لا أريد ذلك. تتقاطع مواقف المملكة وتتطابق معنا فلماذا نؤذيها؟ حتى عندما تلقّت الأذى لم تردّ بالمثل بل قالت لنا: “دبّروا حالكم”.
يضيف فيصل كرامي: “المرحلة المقبلة تتطلّب السير في خطّين متوازيَيْن. الخطّ الأوّل هو إقرار استراتيجية دفاعية، والسيّد حسن نصر الله تحدّث عن ذلك. أمّا الخطّ الثاني فهو خطّ الإصلاح ومحاربة الفساد، لبناء دولة القانون والمؤسّسات والقضاء المستقلّ”.
مفتي الجمهوريّة مرجعنا السنّيّ
لا تغيب الساحة السنّيّة عن هموم الأفندي، إذ يقول: “مفتي الجمهورية اللبنانية هو مرجعنا السنّيّ، وهو من نلجأ إليه، ومطلبنا منذ البداية أن نكون على مسافة واحدة من الجميع، وهذا ما يقوم به سماحة المفتي دريان الآن، وهو عين العقل. وفي ملفّ انتخابات الإفتاء سنقف على رأي المفتي دريان في هذا الموضوع، وهذا ما يجب أن تفعله كلّ الهيئة الناخبة. حتى هذه اللحظة المفتي لم يسمِّ أحداً ويقول لنا اختاروا الأنسب والأصلح”.
إقرأ أيضاً: كرامي “رِجِع”: 8 آذار… أو للسعوديّة حصّة فيه؟
ويختم قائلاً لـ”أساس”: “سأعمل بالتشاور مع الحلفاء والأصدقاء على إطلاق جبهة سياسية خارج كل التموضعات. جبهة لا تشبه تجربة اللقاء التشاوري. بل هي منفتحة على الجميع وهدفها تقريب وجهات النظر والعمل على تحصين الساحة وطنيّاً. أنا ميّال إلى جبهة وطنية لم أتحدّث عنها مع أحد بعد، لكنّ هذه رغبتي. هذه الجبهة ستسير على منهج فؤاد شهاب لأنّني أراه المنهج الوحيد الذي ينقذ لبنان. وهو منهج عمّي الرئيس الشهيد رشيد كرامي الذي يُعتبر مثالاً في بناء دولة القانون والمؤسّسات والعدالة”.