بعض اليائسين من النجاح في ضبط المناخ في العالم، بدأوا يتحدّثون عن حتمية الانهيار البيئي، وأنّ ذلك من علامات يوم القيامة.
وبينما يحاول الجادّون في العراق وسوريا إيجاد حلّ لانحسار المياه في دجلة والفرات، تزداد قناعة اليائسين بأنّ جفاف النهرَيْن في المستقبل، والذي يؤكّده مركز المناخ والأمن في واشنطن، هو علامة رئيسية من علامات الساعة.
لا أحد يعرف موعد يوم القيامة ونهاية العالم، ولذلك يحاول العلماء ومعهم بعض الساسة إيجاد حلّ لتلك المعضلة التي تهدِّد مستقبل الكوكب. إنّها معضلة مركّبة سيكون فيها ذوبان أنهار واختفاء أخرى، وغرق مساحات كبيرة بسبب الفيضانات، وتشقّق مساحات أكبر بسبب الجفاف، وفيها أيضاً موجات حرّ قاتلة، وموجات رياح وأعاصير لا عهد للعالم بها. إنّها ببساطة فوضى مناخيّة لا سابق لها.
بعض اليائسين من النجاح في ضبط المناخ في العالم، بدأوا يتحدّثون عن حتمية الانهيار البيئي، وأنّ ذلك من علامات يوم القيامة
غرينلاند والهيمالايا.. الخطر الكبير
يعاني العالم من ذوبان الجليد في القارّتين القطبيّتين الشمالية والجنوبية، لكنّه يعاني أكثر في منطقتين مهمّتين في جغرافيا العالم هما غرينلاند والهيمالايا.
وحسب دراسات علمية في عام 2022 فإنّ ما يزيد على 100 تريليون طن من الجليد سوف يذوب في غرينلاند بسبب تغيّر المناخ. وفي حال ذاب كلّ الجليد في هذه المنطقة فإنّ الفيضانات والعواصف سوف تكون أضعاف المستوى الحالي، وقد يرتفع سطح البحر لعدّة أمتار، وهو ما يعني غرق “الدول الجَزَريّة” وغرق مدن ساحلية عديدة في العالم. من الأرقام المخيفة في هذا الصدد ما ذكره علماء مناخ في جامعة كولومبيا من أنّ الغطاء الجليدي في غرينلاند قد فَقَد نحو 9 مليارات طن جليد في 24 ساعة فقط!
خلال العام الحالي عانت باكستان من أكبر موجة فيضانات تمكّنت من إغراق مساحة تعادل مساحة بلجيكا 7 مرّات، فكان تدمير 2 مليون منزل، وتشريد 30 مليون شخص، وبالتوازي انهارت البنية الأساسية، وانتشرت الأمراض، وتمّ تدمير أكثر من موسم زراعي. وقد قدّرت إسلام آباد خسائر تلك الفيضانات بنحو 33 مليار دولار.
ليست هذه الفيضانات الكارثية أسوأ ما يمكن أن يحدث في باكستان، فالأسوأ هو ذوبان الثلج في مرتفعات الهيمالايا، ثالث أكبر موطن للأنهار الجليدية بعد المنطقتين القطبيّتين. وما لم يتمّ اتخاذ إجراءات قويّة وفعّالة، فإنّ أطفال اليوم لن يصلوا إلى السبعين من عمرهم في أمان، ذلك أنّه في هذا التوقيت ستكون ثلث الأنهار الجليدية في الهيمالايا قد ذابت، وتمّ إغراق باكستان بأكملها.
قام رئيس الوزراء السابق عمران خان بالضغط على الدول الغنيّة لتحمّل مسؤوليّاتها، ذلك أنّها تنتج الكربون في عواصمها، بينما تغرق باكستان التي لا تساهم فيه بنصيب يُذكر، وحاول خان إنجاز مبادرة لزراعة 10 مليارات شجرة في ربوع البلاد، في إطار خطّة للمواجهة.
حين تصل درجة الحرارة إلى 60 درجة
تُصنَّف نصف الدول العربية في عِداد الدول الأفقر مائيّاً في العالم، ويُهدِّد ارتفاع مستوى المياه في البحر المتوسّط العديد من مدنها وسواحلها. وربّما كانت المنطقة الأكثر عرضة لحروب المياه في المستقبل.
حسب الأمم المتحدة فإنّ العقد الفائت من عام 2010 إلى 2020 هو الأشدّ حرارة في التاريخ، وفي العقد الحالي ارتفعت درجات الحرارة في المشرق العربي وفي أوروبا على نحو مقلق، فقد تجاوزت درجة الحرارة في بغداد 51 درجة مئوية. وتشير دراسة في مجلّة “نيتشر” إلى أنّ هناك احتمالاً كبيراً لأن تبلغ درجة الحرارة في بعض مدن المنطقة 60 درجة عام 2050، وهو ما يجعل الحياة فيها مستحيلة. وستمتدّ هذه التغيّرات المناخية إلى مناطق عديدة في العالم. وحسب الدراسة قد يصبح مناخ الإسكندرية مثل مناخ كراتشي، وضباب لندن سيصبح مثل شمس برشلونة!
6 مليارات جهاز تكييف
وضع العلماء مقياساً لصعود الحرارة والرطوبة معاً سمّوه “المصباح الرَّطب” يقيس ارتفاعهما في وقت واحد، إذ يمكن أن يعجز الجسم البشري عن تبريد نفسه عن طريق العرق بسبب ارتفاع الرطوبة، فيصبح الجسم مهدّداً بالتوقّف وفقدان الحياة خلال ساعات.
سيزيد لجوء مليارات البشر في العالم إلى أجهزة التكييف لمواجهة ذلك الخطر. وحسب الوكالة الدولية للطاقة فإنّ أجهزة التكييف سيزيد عددها من 1.6 مليار جهاز تكييف في عام 2018 إلى 5.6 مليارات جهاز عام 2050.
تفسير مناخيّ للثورة السوريّة
من الدراسات المهمّة في هذا الصدد، تلك التي تربط بين ارتفاع الحرارة واتّساع مساحة الجفاف، وبين الآثار السياسية والاستراتيجية الناجمة عن ذلك. وحسب دراسة لمركز المناخ والأرض في واشنطن، كان تغيّر المناخ في العالم العربي سبباً من أسباب الثورات العربية عام 2011.
ففي سوريا، مثلاً، أدّت موجة الجفاف من عام 2006 إلى عام 2011، التي أسفرت عن تدمير المحاصيل ونفوق الماشية، وهجرة المزارعين، إلى تجاوز عدد النازحين من الريف إلى المدن الكبرى في سوريا أكثر من 1.5 مليون شخص، وقد أسّس هؤلاء حزاماً سكّانياً بائساً، أصبح في عام 2011 من أهمّ أسباب الثورة.
القاهرة – أبوظبي.. مؤتمران عالميّان
قبل 30 عاماً طرحت الدول النامية فكرة “تعويضات المناخ”، وقبل 15 عاماً جاءت أول فكرة لتأسيس صندوق ماليّ لدعم الدول الفقيرة المتضرّرة من تغيّر المناخ الذي تتسبّب به الدول الغنيّة، فالخسائر التي لحقت بهذه الدول هي خسائر ملياريّة. وحسب إحصاء أمميّ تجاوزت هذه الخسائر في 50 دولة خلال 20 عاماً نصف تريليون دولار، وسترتفع نصف تريليون آخر حتى عام 2030.
لا تريد الدول الغنيّة وصف التزاماتها تجاه الدول الأكثر تضرّراً بأنّها “تعويضات” لأنّ ذلك سيجعلها مُلزمة به، وقد اختارت هذه الدول وصف “الدعم” لا “التعويض” لتفادي المسؤولية الدائمة.
في مؤتمر المناخ في شرم الشيخ “كوب 27” تحقّق نجاح كبير في هذا الصدد، فقد وافقت 196 دولة على إنشاء “صندوق الخسائر”، وهي نتيجة جيّدة للغاية، وصفتها منظمات دولية بأنّها “إنجاز تاريخيّ”.
إقرأ أيضاً: صداقة لا تبعيّة.. بايدن يدشّن 100 عام ثانية مع مصر
تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة انعقاد المؤتمر العالمي للمناخ “كوب 28” في أبوظبي، وهكذا يبقى المؤتمر العالمي في العالم العربي لعامَيْن متتاليَيْن، في مرحلة حاسمة من التاريخ البيئي للعالم.
يتطلّع العالم بكلّ أمل إلى قمّة أبوظبي بعد قمّة شرم الشيخ، وعلى الرغم من كلّ الأخبار السيّئة في هذا الملفّ الأخطر في العالم، لا يزال التفاؤل ممكناً.
في أزمة المناخ العالمي، العلماء يتقدّمون واليائسون يمتنعون.
* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.
له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.