كشف مصدر وزاري عن أنّ حكومة تصريف الأعمال ستعقد أولى جلساتها الأسبوع المقبل، مبرّراً القرار بـ “الضرورات تبيح المحظورات”، وذلك على الرغم من أنّ ذلك لو حصل قد يفتح سجالات دستورية وسياسية، وبعضها قد يكون من طبيعة طائفية مذهبية.
قال المصدر لـ “أساس” إنّ عدداً من القرارات يتعلّق بشؤون الناس يجب اتّخاذه، وتوقّع أن يستجيب جميع الوزراء لدعوة رئيس الحكومة ويلتزموا حضور الجلسة، مؤكّداً أنّ “المعطيات إيجابية” في هذا الصدد.
تستند المعطيات الإيجابية التي بحوزة المصدر الوزاري إلى طبيعة المواضيع التي ستُبحث، إذ قال إنّ “معظم القرارات تسييرية تسهيلية ولا تتّصل بأمور استراتيجية أو بتعيينات وما شابه ولا يلزمها تصويت”.
على الرغم من كونها جلسة لتسيير الأمور المتّصلة بحياة الناس لم يستبعد المصدر الوزاري أن تكون في حال انعقادها رسالةً تهدف إلى تفعيل العمل الحكومي، “لكنّها مؤشّر إلى أنّ الانتخابات الرئاسية لن تكون قريبة”.
بحسب مصدر سياسي آخر لـ “أساس”، “قد لا تبلغ هذا الحدّ من الحدّة استناداً إلى الاتصالات الجارية والمباركة السياسية التي حظي بها ويسير على هديها”
ميقاتي يُحوّل أمانيه إلى واقع
يرمي توجُّه الرئيس ميقاتي إلى عقد مثل هذه الجلسة إلى تحويل رغبته الدفينة من أمنية إلى واقع. فلو آلت إليه الأمور لعقد جلسة حكومية كلّ أسبوع. في الأساس يوم قطع ميقاتي وعداً للثنائي الشيعي بعدم الدعوة إلى جلسة حكومية لم يكن واضحاً له القول “إلا في حالات الضرورة القصوى”. وعلى أيّ حال فاتفاقه معهما لم يكن موقّعاً أو ملزماً قانونياً.
في حال عقد الجلسة المقرّرة مبدئياً الأسبوع المقبل وفق ما يكشف المصدر الوزاري فإنّ “ميقاتي سيفتتح معركة صلاحيّاته الدستورية وسيستظلّ الدستور ويستعدّ لفتح باب المواجهة على مصراعيه مع من يتصدّى له”.
لكنّ التطوّرات بشأن الجلسة الحكومية، وبحسب مصدر سياسي آخر لـ “أساس”، “قد لا تبلغ هذا الحدّ من الحدّة استناداً إلى الاتصالات الجارية والمباركة السياسية التي حظي بها ويسير على هديها”.
تحسم المعطيات السياسية العمليّة أنّ فكرة عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال تعود إلى وقت طويل مضى، وتحديداً بعد مرور أسابيع قليلة على استقالة الحكومة، ومبرّراتها شديدة الصلة بتراكم المعاملات ذات الطابع المالي وإدارة مؤسسات الدولة وتسيير أمور الناس. وهي ملفّات متراكمة يبرزها ميقاتي لزائريه دلالة على حسن النوايا، فيتحدّث مع من يلتقيهم “عن أدوية السرطان وأموال المستشفيات الخاصّة وملف الكهرباء”.
عرف ميقاتي كيف يحوّل جلسته الى أمر واقع يستحيل تجاوزه. أجّل إعلان رغبته بعقد الجلسة قدر الإمكان وراكم ملفّاته على أمل أن يفرض نفسه قريباً على المسرح السياسي. فكان له ما أراد. فهو وفق مقرّبين منه “يعتبر أنّ مسؤوليّاته الوطنية تفرض عليه التعاطي بجدّية وعقد جلسة تتّصل بنطاق مسؤوليّاته وصلاحيّاته وبحاجات الناس”.
البداية من عند برّي
بدأ ميقاتي التمهيد لنيل موافقة القوى السياسية باتفاق مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فيما عمل في الوقت عينه على بلورة اتفاق مع حزب الله مضمونه “عدم الدعوة إلى جلسة إلا بعد التفاهم مع المكوّن المسيحي في الحكومة”، وهو ما يسعى إلى تحصيله وحصوله.
رأى رئيس حكومة تصريف الأعمال أنّ رفع سقف مواقفه بمواجهة “التيار الوطني الحر” لن تحول دون موافقة جبران باسيل على جلسة حكومية بسبب “اضطرار الجميع إلى التعاطي بموضوعية مع حاجات الناس الملحّة”، على ما يقول المصدر الحكومي الذي شدّد على أنّ “ميقاتي لا يرغب بتجاوز الاتفاق السياسي المسبق على جلسة حكومته مع العلم أنّه سيخوض معركة شرسة دفاعاً عن صلاحيّاته الدستورية في حال لم يُظهر التيار مرونة في هذا السياق”.
لم يأتِ قرار ميقاتي بعقد الجلسة الحكومية من عبث، فقد ذهب في هذه الوجهة بحسب المصدر الوزاري مُستنداً إلى أمرين يعتبرهما عنصرَيْ قوّة:
ـ الأوّل هو الاستقواء بالرئيس برّي “الذي أبلغه السير معه إلى الآخر”.
ـ الثاني هو نجاحه على المستوى الشخصي في خلخلة العلاقات بين وزراء التيار وتفريق شملهم بعدما نجح في اختراقه.
قال المصدر لـ “أساس” إنّ عدداً من القرارات يتعلّق بشؤون الناس يجب اتّخاذه، وتوقّع أن يستجيب جميع الوزراء لدعوة رئيس الحكومة ويلتزموا حضور الجلسة
المشكلة سياسيّة وتعبيرها في الدستور
تبدّى هذا المشهد بالتباساته السياسية المتعدّدة في “تمنّي” أحد وزراء التيار العوني أن “يصادف موعد انعقاد جلسة الحكومة وهو خارج البلاد كي يتجنّب عناء المواجهة والاختيار بين حضور الجلسة تلبية لطلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أو التزام وعد سبق أن أعطاه لرئيس فريقه السياسي بعدم حضور جلسات الحكومة في ظلّ الفراع الرئاسي”.
في المقابل توقّع وزير آخر عقد الجلسة الأسبوع المقبل و”أن نكون أمام خلاف دستوري على آليّة صدور القرارات في الجلسة: هل تكون على أساس تصويت الوزراء مجتمعين كما يشترط التيار الوطني الحر أو غالبيّة الثلثين كما يرى ميقاتي؟”.
يثير واقعٌ كهذا التساؤلات حول مسألتين:
أ ـ حدود تصريف الأعمال ومن يحدّد طبيعتها ومضمونها، مُضافاً إليها موضوع المادة 62 من الدستور التي تتحدّث عن صلاحيّات رئيس الجمهورية وكيفية انتقالها إلى الحكومة مجتمعة.
ب ـ آليّة التصويت على القرارات.
ميقاتي .. يحقّ للشاعر ما لا يحقّ لغيره
كان الرئيس ميقاتي في عداد رؤساء الحكومات السابقين الذين تداعوا الى اجتماع طارئ خرج ببيان يتصدّى لمحاولات الرئيس حسان دياب الدعوة إلى عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال. آنذاك تصدّى مجلس النواب لهذه المحاولة، فتراجع دياب وأحجم عن الدعوة. اليوم ميقاتي نفسه وهو رئيس حكومة تصريف الأعمال يلمح إلى عزمه عقد “جلسة حكومية لتسيير الأمور الملحّة”، متصرّفاً كما يتصرّف الشعراء: ما يحقّ للشاعر لا يحقّ لغيره.
إقرأ أيضاً: “جمهوريّة وديع الشيخ”: الأمن لم “يَسكع” بعد!
قديم اللبنانيين جديدهم
النقاش الراهن هو قديم يتجدّد. في زمن حكومة الرئيس تمّام سلام كان المخرج هو تصويت الوزراء مجتمعين على أيّ قرار قبل إقراره. ومع حكومة حسان دياب أُثيرت الأزمة وتسبّبت بسجال عقيم وجفاء، خاصة بين دياب وبرّي الذي أعطى لميقاتي ما لم يعطِه لدياب. في حينه رفض رئيس المجلس النيابي طلب دياب تغطيته لعقد جلسات حكومية بغرض تصريف الأعمال، بينما أعطى لميقاتي هذا الغطاء حين ردّ أخيراً على رسالة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون وحدّد صلاحيات حكومة تصريف الأعمال، وهو ما اعتُبر تجديداً للثقة بميقاتي.