من الولايات المتحدة، اليابان وبعض دول أوروبا، من بينها ألمانيا، وصولاً إلى الصين وإسرائيل ودول أخرى، استطاعت طهران الحصول على مكوّنات لصنع طائراتها المسيّرة التي باتت السلاح الأمضى لروسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، خارقةً بذلك أحد أكثر أنظمة العقوبات شمولاً في التاريخ الحديث.
فقد كشفت المخابرات الأوكرانية أنّ من بين أكثر من 200 مكوّن تقنيّ تشكّل الأجزاء الداخلية للطائرات المسيّرة الإيرانية التي تستخدمها روسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، تمّ تصنيع نصفها تقريباً بواسطة شركات مقرّها الولايات المتحدة، وحوالي الثلث بواسطة شركات في اليابان، بالإضافة إلى مكوّنات أخرى غربية المنشأ. وهناك أدلّة على أنّ الشركات الصينية ربّما تزوّد إيران بنسخ منها لإنتاج مسيّراتها.
تمّ التوصّل إلى هذه النتائج بعدما أسقط الجيش الأوكراني العديد من الطائرات المسيّرة الذاتية التدمير التي تلعب دوراً رئيسياً في استراتيجية روسيا لضرب المدن والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا، ومن بينها طائرة إيرانية بدون طيار من طراز “مهاجر-6” (Mohajer-6) اخترقها العملاء في منتصف رحلتها وهبطت سليمة.
تمّ تفتيش الطائرة والتحقّق من المكوّنات التي حدّدتها المخابرات العسكرية الأوكرانية، وقامت بهذا العمل اللجنة المستقلّة لمكافحة الفساد، أوNAKO ، وهي منظمة غير ربحية مقرّها كييف تشمل خبرتها تقويم العقود العسكرية والأسلحة، ثمّ رفعت تقريراً نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال”.
كشفت المخابرات الأوكرانية أنّ من بين أكثر من 200 مكوّن تقنيّ تشكّل الأجزاء الداخلية للطائرات المسيّرة الإيرانية التي تستخدمها روسيا في حربها ضدّ أوكرانيا
وول ستريت جورنال
وفقاً لكاتب التقرير في “وول ستريت جورنال”، إيان تالي، المتخصّص بقضايا العقوبات وتمويل الإرهاب وشبكات التمويل غير المشروعة العالمية الأخرى، نقلاً عن محقّقين أوكرانيين، تُظهر المعلومات الجديدة التي تمّ جمعها من المسيَّرة السليمة، بالإضافة إلى المعلومات التي سبق جمعها من مسيَّرات إيرانية تمّ إسقاطها في أوكرانيا، أنّ غالبية أجزاء هذه المسيَّرات يتمّ تصنيعها من قبل شركات في الولايات المتحدة وأوروبا والدول الحليفة الأخرى، وهذا يثير مخاوف بين المسؤولين والمحلّلين الغربيين ويوجب إجراء تحقيق من قبل الحكومة الأميركية للكشف عن كيفية تطوير طهران وحلفائها أسلحة جديدة قوية، على الرغم من العقوبات الأميركية المفروضة على إيران لمنعها من الاستفادة من التمويل والتجارة الدوليَّين اللازمين لتطوير جيشها وأسلحته، ومن بينها الطائرات دون طيّار.
في رأي الصحيفة أنّ وجود المكوّنات الغربية الصنع، التي يبدو أنّها توجِّه الطائرات بدون طيار، يؤكّد الصعوبة التي تواجهها السلطات الغربية في محاولة وقف تصنيع وانتشار المسيّرات الإيرانية، ويمثّل مشكلة مزعجة لزعماء العالم الذين يحاولون احتواء تطوير الأسلحة الإيرانية وانتشارها، إذ ينظر المسؤولون الأمنيّون الغربيون الآن إلى أسطول الطائرات العسكرية الإيرانية غير المأهولة، إلى جانب الصواريخ الموجّهة بدقّة التي يمكن أن تحملها، على أنّها تهديد مباشر أكبر من برنامج إيران النووي.
رفضت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة الردّ على أسئلة الكاتب عن استخدام إيران للمكوّنات الغربية في تصنيع مسيّراتها، لكنّها ذكرت أنّ طهران “مستعدّة لمواجهة أوكرانيا على مستوى الخبراء التقنيين ضمن تحقيق في هذه المزاعم عن ملكيّتها الطائرات بدون طيّار أو أجزاء منها”.
“لا يخضع العديد من الأجزاء لضوابط التصدير ويمكن شراؤها بسهولة على الإنترنت وشحنها إلى إيران عبر دول أخرى تجذب اهتماماً أقلّ”. هذا ما يقوله بعض مسؤولي الصناعة والأمن الغربيين للصحيفة: “مثل عمليّات الشحن العابر هذه تمثّل انتهاكاً للقانون، لكن من الصعب منعها”.
تمّ تصنيع المحرّكات المؤازرة في “مهاجر 6″، التي تسمح للمشغّلين بتشغيل الآلة بدون طيّار عبر الهواء، من قبل شركة Tonegawa-Seiko اليابانية، وفقاً لوثائق المخابرات الأوكرانية وتقرير NAKO. لكن لم تردّ الشركة على طلب للتعليق. وكانت وزارة التجارة في اليابان قد اتّهمت الشركة العام الماضي بتصدير محرّكات مؤازرة إلى الصين من دون تصريح بعدما وجد محقّقو الأمم المتحدة أحد الأجزاء في طائرة إيرانية بدون طيار. وقالت الشركة لوسائل إعلام محليّة إنّها لا تعلم أنّ هذه الأجزاء ستُستخدم في طائرات عسكرية بدون طيار.
كذلك تمّ تصنيع مجموعة من المكوّنات الإلكترونية الأخرى من قبل وحدات Infineon Technologies AG المملوكة لألمانيا وشركة Microchip Technology Inc التي مقرّها أريزونا، وهما من أكبر الشركات المصنّعة للرقائق في العالم، وفقاً للتقرير نفسه.
هناك أدلّة على أنّ الشركات الصينية ربّما تزوّد إيران بنسخ منها لإنتاج مسيّراتها
مكوّنات إسرائيليّة
وفقاً لتقرير وول ستريت، يبدو أنّ عدسة الأشعّة تحت الحمراء التلسكوبية العالية الدقّة المستخدمة في مسيّرة “مهاجر 6” للمراقبة والاستهداف، مطابقة لنموذج صنعته شركة إسرائيلية، Ophir Optronics Solutions Ltd. ، كما أظهرت صور الجهاز في الطائرة وكتيّبات الشركات التي استعرضتها المجلّة.
رفضت الشركة التعليق على هذه المعلومات. بينما قالت شركةMKS Instruments Inc.، الشركة الأمّ لشركة Ophir، إنّها لا تبيع لإيران وتلتزم بالقوانين الأميركية وغيرها من القوانين المعمول بها، ومن بينها ضوابط التصدير والعقوبات.
وقالت مايان لازاروفيتش المتحدّثة باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية لـ”وول ستريت جورنال” إنّ الحكومة الإسرائيلية تراجع النتائج، وأشارت إلى أنّ “المراجعة الأوّلية لأنظمة الرقابة الدولية على الصادرات ذات الصلة تشير إلى أنّ العدسة ليست مادّة دفاعية خاضعة للرقابة ولا مادّة مزدوجة الاستخدام، وفقاً للقانون الإسرائيلي القائم على الاتفاقيات الدولية”.
قد يكون تحديد أصول مكوّن معيّن أمراً صعباً، حتى بالنسبة إلى الشركات التي تنتجها. على سبيل المثال، اشتبهت المخابرات الأوكرانية في أنّ الكاميرا التي تعمل بالأشعة تحت الحمراء تمّ تصنيعها بواسطة شركة Sierra-Olympic Technologies Inc. ، وهي شركة مقرّها أوريغون تستخدم عدسات Ophir ، وفقاً للتقرير. لكنّ كريس جونستون، مؤسّس شركة Sierra-Olympic ورئيسها التنفيذي، قال بعد مراجعة الصور إنّ بعض أجزاء الكاميرا متشابهة، لكنّ بعضها الآخر مختلف، وهو ما يشير إلى أنّها لم تنشأ من شركته.
وأوضح أنّ الشركة قامت بالمتابعة مع كلّ عميل اشترى إحدى الكاميرات، وكلّ من له صلة، مشيراً إلى أنّ شركته رفضت طلبات الشراء التي قدّمها مواطن إيراني منذ عدّة سنوات وأبلغت السلطات الاتحادية بذلك. لكنّه أضاف أنّه كان بإمكان الإيرانيين الحصول على أجزاء من طائرات عسكرية غربية أُسقطت في العراق وأفغانستان أو من وسطاء.
ماذا عن “تورّط” الصين؟
وفقاً لديفيد أولبرايت، مؤسّس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، الذي نشر تحليله الخاص للطائرات الإيرانية بدون طيار الشهر الماضي، “هناك أدلّة على أنّ الشركات الصينية ربّما تزوّد إيران بنسخ من المنتجات الغربية لإنتاج المسيّرات القتالية”.
غير أنّ ليو بينغيو، المتحدّث باسم السفارة الصينية في الولايات المتحدة، قال ردّاً على طلب الصحيفة بالتعليق إنّه ليس على علم بأيّ تفاصيل في هذا الشأن، وإنّ بكين تشجّع محادثات السلام في هذا الصراع.
كذلك اكتفى كينتا كاوامورا، المتحدّث باسم السفارة اليابانية في واشنطن، بالقول للصحيفة إنّ “طوكيو ستواصل ممارسة رقابة صارمة على الصادرات وفق قانون الصرف الأجنبي والتجارة الخارجية الذي يمنع تحويل المنتجات والتقنيات اليابانية إلى الاستخدام العسكري”.
وفقاً لمسؤولي الصناعة المطّلعين على الأمر، بدأت الوكالة الفدرالية الأميركية المسؤولة عن فرض ضوابط التصدير، ومكتب الصناعة والأمن بوزارة التجارة، تحقيقاً في الأجزاء الغربية المنشأ.
إقرأ أيضاً: بوتين وخامنئي شريكان طبيعيان في سوريا وأوكرانيا؟
لكنّ مسؤولاً كبيراً بوزارة التجارة رفض طلب المجلّة التعليق على أيّ موقف معيّن، وقال إنّ “وصول الأسلحة إلى أوكرانيا لاستخدامها ضدّ الشعب الأوكراني أولوية قصوى بالنسبة إلينا، وسنحقّق في أيّ صادرات غير قانونية قد تكون مرتبطة بهذا الجهد”.
“هذه مشكلة عالمية وتتطلّب حلّاً عالمياً”، قال جيمس روجرز، الأستاذ المشارك في دراسات الحرب بجامعة جنوب الدنمارك، مؤكّداً أنّ الوقت قد حان لأن تضع الأمم المتحدة قواعد جديدة لمنع وصول تكنولوجيا الطائرات بدون طيار إلى جهات معادية في جميع أنحاء العالم.
لقراءة النصّ الأصلي: إضغط هنا