تحت سقف شغورٍ رئاسي وتصريف أعمال قد يمتدّان لأشهر طويلة يتفاعل الحديث عن الشغور في الأسلاك الأمنيّة والعسكرية.
هو واقعٌ قد يفتح المجال أمام احتمال فقدان المجلس العسكري في قيادة الجيش نصابه، فيعيد تكرار تجربة قائد الجيش السابق جان قهوجي عبر تفرّد “القائد” بالقرار وممارسته صلاحيّات المجلس العسكري لتعذّر التئام الأخير بهيئته غير المكتملة.
ثمّة فريق يتّهم قائد الجيش العماد جوزف عون بالوقوف ضدّ التمديد لضبّاط المجلس العسكري، إن من خلال قرارٍ صادر عن وزير الدفاع بتأجيل تسريحهم بعد موافقة المجلس العسكري، أو من خلال إقرار قانون في مجلس النواب يتيح التمديد للضبّاط بشكل عامّ من دون حصر تأجيل التسريح بفئة محدّدة.
في المقابل، يلتقي الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر ووليد جنبلاط على عدم منح قائد الجيش هذه الورقة، وكلّ طرف بالاستناد إلى حساباته الخاصّة.
مع العلم أنّ في حزيران 2021 وقبل إحالته إلى التقاعد بساعات قليلة، وقّعت وزيرة الدفاع السابقة زينة عكر قرار تأجيل تسريح عضو المجلس العسكري اللواء إلياس شامية لمدّة ستّة أشهر قابلة للتجديد مرّة واحدة، وذلك بسبب رفض رئيس الحكومة آنذاك حسان دياب انعقاد مجلس الوزراء في ظل حكومة تصريف الأعمال.
ثمّة فريق يتّهم قائد الجيش العماد جوزف عون بالوقوف ضدّ التمديد لضبّاط المجلس العسكري، إن من خلال قرارٍ صادر عن وزير الدفاع بتأجيل تسريحهم
جنبلاط وماراتون التمديد في الأسلاك العسكريّة
دشّن رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط ماراتون التمديد في الأسلاك العسكرية و”المدنية” من خلال الإيعاز إلى كتلته السياسية تقديم اقتراح قانون في هذا السياق. وقد اتُّهِم جنبلاط مباشرة بالسعي إلى التمديد لـ “جاره وصديقه” رئيس الأركان اللواء أمين العرم لعدم توافر البديل الذي يرضي المختارة حاليّاً. لكن الاتجاه حالياً هو لإصدار وزير الدفاع قرار تأجيل تسريح العرم لمدة ستة أشهر مع قرب إحالته إلى التقاعد في 24 كانون الاول.
هكذا وضع النائبان بلال عبدالله وهادي أبو الحسن على مرحلتين توقيعَيْهما على اقتراحَيْ قانون:
– الأوّل مرتبط بتعديل نظام الموظّفين (المادّة 68 من المرسوم الاشتراعي 112) ويمدّد للمديرين العامّين وكلّ الموظفين أربع سنوات بدلاً من الإحالة إلى التقاعد عند سنّ الـ 64. هذا القانون موجود حالياً على طاولة هيئة مكتب المجلس، وقد أُدرج مرّتين على جدول أعمال الهيئة العامّة ولم “يصل الدور له” لإقراره، وفي الجلسة الأخيرة التي تضمّنت خمسة بنود فقط لم يتمّ إدراجه على الجدول. يقول أحد النوّاب “هذا القانون في الثلّاجة حاليّاً، والرئيس برّي فقط يقرّر متى يضعه في المايكروويف”.
– الثاني اقتراح قانون بالتمديد سنتين لكلّ الضبّاط (من يرغب منهم) من خلال تأجيل تسريحهم. سقطت صفة المعجّل المكرّر عن هذا القانون بعدما عارضه قائد الجيش رافضاً السير به. وبحكم الأمر الواقع يربط برّي إقرار القانون الذي لا يزال في أدراج هيئة مكتب المجلس برأي وزير الدفاع وقائد الجيش.
حتى الآن لا جديد في هذا الموضوع في ظلّ خلافٍ كبيرٍ على قانونيّة انعقاد الهيئة العامة لمجلس النواب من أجل التشريع “حتى لو للضرورة”، فيما يرى فريق قانونيّ ودستوري وسياسي أنّ الوظيفة الحصرية لمجلس النواب اليوم هي انتخاب رئيس الجمهورية.
عبدالله: اقتراحاتنا بعهدة برّي
يَجزم أحد معدّي القانون النائب بلال عبدالله لـ “أساس” أنّ “اقتراحاتنا هي في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وهيئة مكتب المجلس”.
يضيف عبدالله: “في ظلّ هذا الظرف الاستثنائي، حيث لا رئيس جمهورية ولا حكومة أصيلة، هل المطلوب تعطيل كلّ البلد بالاستسلام للشغور ومنع مجلس النواب من القيام بمهامّه؟”، معتبراً أنّ “هناك أموراً طارئة لا يمكن التغاضي عنها في وقت لا يوجد نصّ دستوريّ واضح يمنع التشريع في هذا الظرف”.
يتمسّك عبدالله بـ”الأسباب الموجبة” للقوانين التي اقترحها إلى جانب زميله هادي أبو الحسن، مذكّراً بأنّه “في الصيغة الأولى للقانون كنّا نتوقّع الوصول إلى مرحلة الشغور في ظلّ الاستعصاء السياسي الحاصل وكنّا نحاول تفادي الشغور في السلكين العسكري والمدني، إضافة إلى مواجهة الضائقة الاقتصادية التي تضرب الجميع، فالتعويضات بعد تسريح الضبّاط من أعلى رتب إلى أدناها لا قيمة لها اليوم، ويتزامن ذلك مع قرار منع التطويع في المؤسّسات العسكرية. وإذا أُقرّ القانون المتعلّق بالسلك العسكري يستفيد منه الجميع لا عدد معيّن من الضبّاط كما في حال صدور قرارات تأجيل تسريح من قبل وزير الدفاع”.
ويرى عبدالله أنّ “التمديد للمديرين العامّين في الإدارات أمر ضروري بسبب تجميد التعيينات والشغور الهائل في معظم الإدارات والمؤسّسات الرسمية في الفئات الأولى والثانية والثالثة التي تُسيّر الأعمال بمعظمها بالتكليف”، مشدّداً على أنّ “القانونَيْن غير مفصّلين على قياس أحد”.
يَجزم أحد معدّي القانون النائب بلال عبدالله لـ “أساس” أنّ “اقتراحاتنا هي في عهدة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وهيئة مكتب المجلس”
أزمة البدلاء
فيما لا يزال مسار القانونَيْن غامضاً ثمّة فريق يُذكّر بأنّ تركيبة الأجهزة الأمنيّة والعسكرية والإدارية لا تسمح بالشغور، لكن واقعياً التركيبة الطائفية والسياسية هي التي تدير دفّة الإدارات.
يعطي هذا الفريق مثالاً على ذلك إحالة قائد وحدة الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي العميد ماهر الحلبي إلى التقاعد قبل أيام وتعيين مكانه بالوكالة بمذكّرة داخلية العقيد زياد قائد بيه لتعذّر صدور مرسوم تعيين قائد وحدة أصيل.
أزمة المجلس العسكريّ
مع ذلك، هناك مشكلة فعليّة في المجلس العسكري. ففي تواريخ متقاربة يُحال إلى التقاعد ثلاثة من أعضاء المجلس: رئيس أركان الجيش اللواء أمين العرم في 24 كانون الأول المقبل، والمفتش العامّ اللواء ميلاد إسحق في الشهر نفسه، والمدير العامّ للإدارة اللواء مالك شمص في شباط 2023.
وفي حال عدم تعيين بدلاء يفقد المجلس العسكري نصابه، لكن لا يتأثّر “الموقع” بحدّ ذاته، إذ يتسلّم ضبّاط المواقع الشاغرة بالوكالة. لكنّ هؤلاء لا يحقّ لهم المشاركة في اجتماعات المجلس العسكري، فتنتقل الإمرة بالكامل إلى قائد الجيش.
حتى الآن لا تزال المعلومات متضاربة في شأن قرار التمديد لهؤلاء من داخل السلك وماهيّة توجّه وزير الدفاع في حال لم يُبَتّ قانون تأجيل التسريح في مجلس النواب، في ظلّ معلومات مؤكّدة عن علاقة “ناشفة ومتوتّرة” بين وزير الدفاع وقائد الجيش.
يُذكر أنّ المرجعية السياسية لوزير الدفاع موريس سليم، أي الرئيس ميشال عون، ترفض أيّ آليّة تمديد من خلال المؤسّسة العسكرية، وهو الأمر الذي رفضه عون خلال ولاية قائد الجيش السابق جان قهوجي، وفي الوقت نفسه يخشى النائب جبران باسيل من انتقال الإمرة والقرار إلى قائد الجيش الحالي وحده.
تركيبة المجلس العسكريّ
يُذكر أنّ المديرية العامة للإدارة والمفتشيّة العامة مؤسّستان مستقلّتان لا إمرة لقائد الجيش عليهما، بعكس رئاسة الأركان (موقع درزي) والعضو المتفرّغ (موقع كاثوليكي). فوزارة الدفاع تتألّف من مؤسّسات قيادة الجيش (ماروني) والمفتشيّة العامّة (أرثوذكسي) والمديرية العامّة للإدارة (شيعي).
إقرأ أيضاً: “خطاب اليرزة”: قائد الجيش في صلب المعركة الرئاسيّة!
لذلك تضاربت الآراء في ما يتّصل بآليّة طرح طلب التمديد وإذا ما كان يصدر أوّلاً عن قائد الجيش أو وزير الدفاع أو المجلس العسكري مجتمعاً بعد التصويت. مع العلم أنّ أيّ اقتراح بالتمديد، بمطلق الأحوال، يجب أن يمرّ عبر المجلس العسكري (قبل أن يفقد نصابه)، فيما يكون التوقيع الأخير لوزير الدفاع.