يريدنا السيّد حسن نصر الله أن نُصدّق أنّه قادر على هزيمة أميركا ومعها إسرائيل، واحتلال سوريا واليمن وفرض إرادته على العراقيين.
يريدنا أن نقتنع أنّه قادر على التدخّل في القارّة السوداء بطولها وعرضها وخوض البحار والمحيطات، ويمتلك القدرة على هزيمتنا ساعة يشاء ضارباً لذلك المواعيد، وفي الوقت عينه وفوق كلّ ذلك يريدنا أن نقتنع أنّه غير قادر على زحزحة جبران باسيل.
عام 2006 وقف بكلّ جسارة طالباً منّا الخروج من الملاجئ لمشاهدة كيف تلتهم نيران الحريق البارجة الإسرائيلية في البحر، لكنّه في سنة 2022 يطلب من نوّابه الاختباء خلف الورقة البيضاء في صندوق انتخاب الرئيس كي لا يغضب الحليف.
يقدر السيّد كما فعل معنا عام 2016، أو كما قال رئيس كتلته البرلمانية محمد رعد في تصريحه الأخير، أن يختار رئيس جمهوريّتنا، ويشكّل حكوماتنا، ويجعل الصغير كبيراً، إن أراد، لكنّه في الوقت عينه عاجز عن أن يفرض على جبران باسيل أيّ رئيس.
يريدنا السيّد حسن نصر الله أن نُصدّق أنّه قادر على هزيمة أميركا ومعها إسرائيل، واحتلال سوريا واليمن وفرض إرادته على العراقيين
هل فقد السيّد عناصر قوّته، أم هو ضعيف أمام حبّه لحليفه البرتقالي الصغير؟
انفصام الصورة هو ما يريد منّا السيّد أن نقتنع به في هذا الزمن العصيب:
المشهد الأول: باعث الرعب في العالم بحراً وبرّاً وفوق كثبان رمال الصحراء وتحت قساوة لهيب شمسها.
المشهد الثاني: مرتبك متردّد أمام باسيل. يقول لنا إنّه يريد رئيساً يحمي المقاومة لا يطعن ظهرها بسكّين، فيما الحقيقة أنّه إمّا يريد رئيساً لا يُغضب جبران أو يريد أن يكون جبران هو الرئيس.
يرفع إصبعه عند كلّ إطلالة مهدّداً مطلقاً سيلاً من الوعيد، بوجهنا وبوجه بايدن، وبوجه كلّ الشعوب العربية في بلاد الشام ودول الخليج، في حين أنّه يمسح على رأس صهر الرئيس السابق على قاعدة أنّ المسح على رأس اليتيم صدقة عند المؤمنين.
قد يكون الأمر ليس انفصاماً ولا التباساً، فحاشا للسيّد الذي يقاتل بتكليف من الله أن يكون الرجل المرعب في الخارج والقويّ علينا في الداخل، ثمّ يكون أمام جبران رجلاً ضعيفاً. من حقّنا أن نتساءل بعد كلّ ذلك، هل انتصاراته في الخارج وهمٌ، أم هو بحقّ مرعب الكون، لكنّه يوهمنا أنّه عاجز أمام جبران كي يُخفي علينا الشيء الكثير؟
تكمن الحقيقة في أنّه يرى اتفاق مار مخايل الإنجاز العظيم الذي يفوق بعظمته ما حقّقه في يوم 7 أيار 2008 الذي وصفه باليوم المجيد، ويفوق أيضاً عظمة ما حصل في عام 2000 عندما انسحبت إسرائيل من الجنوب وتحقّق التحرير. هو حريص على إنجازاته، فكيف يكون موقفه إذا كان أهمّ تلك الإنجازات التحالف مع باسيل؟
إقرأ أيضاً: هكذا اعتدت إيران على السعوديّة(2): فضائيات على مدّ النظر
ليس صحيحاً أنّ السيّد تائه بين رغبات وخصومات حلفائه من عين التينة إلى الرابية، وصولاً إلى بنشعي، حيث يقبع سليمان فرنجية المرشّح. تبرّأ السيّد يوماً من الشريط المسجّل الذي وُصف فيه سعد الحريري بالكاذب على لسان الرئيس، ثمّ تجاهل الشريط المسرّب الذي وُصِف فيه الرئيس نبيه بري “بالبلطجي”، واليوم يتجاهل ما سُرّب من شريط يهين فيه باسيل رئيس تيار المردة سليمان فرنجية مجدّداً. الحقيقة أنّ السيّد يُدخلنا نحن وحلفاءه في متاهته الخاصّة. يقنعنا بداية بالاختلاف والورقة البيضاء في كلّ يوم خميس، ثمّ تطيير النصاب بعد مسرحيّة جلسة الانتخاب، حتى بات سؤالنا اليومي: مَن سيكون الرئيس؟ فيما هو ينتظرنا عند نهاية المتاهة ليقول لنا: “مرشّحي الوحيد والأوحد هو جبران باسيل”.
قد يتشكّك الكثيرون في هذه السرديّة، وهذا شأنهم. لكنّ التجارب مع السيّد واضحة، ومن يتتبّعها لا يختلط عليه من الأمر الشيء الكثير. المتاهة التي وضعنا فيها السيّد ستؤول إلى استكمال الطريق إلى جهنّم، ولا يسعنا إلا القول: كان الله بعون شعب لبنان العظيم.