صراع الأعوان على مكسور الصولجان!

مدة القراءة 7 د

الصراع على الرئاسة بين الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل وبين المرشّح سليمان فرنجية مهلكٌ للبنان واللبنانيين عموماً. هو مهلكٌ أوّلاً لِما يوحي به من تبعيّةٍ كاملةٍ للحزب المسلَّح وزعيمه من جانب عددٍ من المرشّحين. فقد أوحى الحزب لِمَن يريد السماع ومن لا يريده أنّه يدعم سليمان فرنجية للرئاسة. وذلك لسببين:

الأوّل: أنّ “المقاومة” معه ستكون آمنةً من “الغدر والخيانة” كما كانت أيام عون العظيم.

والثاني: أنّه يدين لسليمان فرنجية بوعدٍ منذ عام 2016 عندما تنازل تحت إلحاح الحزب لعون على أن يكون مرشّحه المقبل.

ما انتبه الزعيم المسلّح إلى ما يريده اللبنانيون الآخرون وهم كثرة كاثرة. في حالة عون يستطيع القول إنّ أكثريّة السياسيين المسيحيين كانوا أو صاروا مع عون، إنّما هذه المرّة أصبحت أكثرية السياسيين المسيحيين ضدّ سليمان فرنجية. المشكلة أنّه خضع لمطلب التنازل عام 2016، في حين يُظهر جبران باسيل تأبّياً ورفضاً. وقد بدأ فلاسفة الحزب ينذرونه أنّه لم يفهم معنى كلام الزعيم عندما قابله، فإنْ ظلَّ على عناده فهو سائرٌ نحو الهلاك أو الموت السريري كما حصل مع آخرين كانت ارتكاباتهم أصغر بكثيرٍ من ارتكابه. يحتار خصوم باسيل وأنصاره بشأن موقفه وتعليلات ذلك الموقف، ومن أين تأتيه تلك القوّة. أما يزال يطمح إلى أن يخلف عون في الرئاسة أم هو يساوم من أجل الحصول على حصص في العهد المقبل، وبالستر بحيث لا تنكشف ملفّاته التي عيَّره هو وعمّه بها سليمان فرنجية؟

لبنان محتاج إلى رئيس معقول ومقبول الآن، لكي تتشكّل حكومة على نهج الإصلاح أيضاً، وتكون هناك بداية لشيءٍ آخر جديد

الحزب يعِد ويضمن، وقد يذهب بالوعد إلى ما بعد السنوات الستّ. لكنّ عوناً والباسل والحزب وعدوا سعد الحريري (وفي رقبتهم دم والده) برئاسة الحكومة لستّ سنوات، وتنكّروا له جميعاً خلال أشهر، وصارت حكوماته حكومات عذاب وتعذيب، فلماذا يصدّق باسيل الوعود التي تُقطعُ له وهو نفسه لم يفِ بأيّ وعد أو عقد؟! ولماذا يكون سليمان فرنجية أكثر وفاءً منه، وبخاصةٍ أنّ باسيل شخصية مكروهة بالفعل، وأنّ مطالبه غير معقولة.

باسيل يريد “ثمار” الترسيم

لنلتفت إلى المسألة الأولى أو فرضيّة قوّة باسيل. لا شكّ أنّ الأميركيّين همسوا له ولعمّه ولبو صعب، وكذلك لأنصاف وأرباع المستشارين خلال مفاوضات الحدود البحرية، ولا يمكن أن يكون عون قد تنكّر للخطّ 29 لصالح خطّ بري، وللحكومات اللبنانية (الـ 23) لصالح التسريع في إنجاز العقد، لِما في ذلك من مصلحة وطنية تأخّرت سنوات وسنوات وأدركها عون فجأة!.

المشهور عن الأميركيين سرعة النسيان، وهناك صمتٌ مطبقٌ الآن، على الرغم من تعظيم بوصعب لهوكستين والقول إنّ الاتفاق اتفاقه (!). ولأنّ باسيل فاقد الصبر فقد اتّجه إلى الفرنسيين. والفرنسيون يزعمون أنّهم مكلّفون من الأميركيين بالملفّ اللبناني، ولهم نصف اتصالات بالحزب المسلّح وبإيران. والفرنسيون لا يستطيعون وعده بشيءٍ جازم، لكنّهم يستطيعون التحدّث إلى الحزب وإلى الإيرانيين. وفي الغالب أنّ الفرنسيين، مثل الأميركيين، يريدون إبعاد باسيل بكلّ سبيل.

ولو كان في البلد وفي علاقاته الدولية والعربية بعض السلامة الباقية، لأعادوا إلى فرنسا أو أيسلند عوناً وصهره لحمايتهما من اللبنانيين وحماية اللبنانيين من شرورهما!

فما هي شرور العونيين؟ وأما تزال مستمرّة؟

لو تجاهلنا اللهجة فإنّ كلّ ما قاله فرنجية خلال مؤتمره الصحافي الأخير في شهر أيّار الماضي: الحروب المتكاثرة في البلاد وعليها. وديون الكهرباء الهائلة من أجل معمل سلعاتا. وقصص البواخر التي لا تنتهي. وتعذّر استخراج الغاز. ويقومون بهذا التخريب كلّه بحجّة مصلحة المسيحيين، ولا مصلحة للمسيحيين في تخريب الاقتصاد والبنوك وفرض البؤس على اللبنانيين، بل كلّ ذلك مصالح شخصية تسبّبت في المآزق الهائلة التي يقبع فيها الوطن ومواطنوه، بحسب فرنجية وبحسب الواقع.

هل انتهى ذلك كلّه بانتقال عون من بعبدا إلى الرابية؟

بالطبع لا. فقد منع تشكيل حكومة هي ضرورية من أجل الإصلاحات ومن أجل مساعدات صندوق النقد، بل ومن أجل مباشرة أعمال الكشف عن الغاز البحري. في أوساط رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قصص عن تعطيل وزير الطاقة العونيّ الاتّفاقيات مع الجزائر ومصر حتى الآن، كما أخبره المسؤولون الجزائريون والمصريون، فيما يعتبر ميقاتي وزير الطاقة العظيم مهرِّجاً عند باسيل لا أكثر.

هذا الصراع على الرئاسة بين الرئيس السابق ميشال عون وصهره جبران باسيل وبين المرشّح سليمان فرنجية مهلكٌ للبنان واللبنانيين عموماً

الحزب والقتل والاستسلام

لنعُد إلى أصل المشكلة: الحزب المسلَّح هو حامي المصالح الإيرانية. والذين صمدوا من أجل استقلال لبنان وسيادته إمّا قُتلوا أو ذهبوا إلى المنافي أو استسلموا واعتزلوا. والحزب قاتَل ثورة الأرز و14 آذار بكلّ سبيل، وفعل الشيء نفسه مع ثورة عام 2019. واختار عوناً للتحالف معه تحت شعار تحالف الأقليّات والزعيم المسيحي القويّ. وفي النهاية لاذت الغالبية العظمى من السياسيين بالحزب وبعون حفظاً للحياة والمصالح، بل وانصرفوا مثل الحزب والعونيين إلى السلب والنهب من المال العامّ، ومن هيبة الدولة، ومن العلائق بالعرب والعالم. ومع ذلك (وباستثناء أربعة أو خمسة) ما نجا أحدٌ من هؤلاء المنغمسين من اتّهامٍ بالخيانة أو الغدر أو التآمر مع العرب والدوليين ضدّ المقاومة العظيمة! وفجأةً وبعد صراعاتٍ داميةٍ شارك فيها الحزب على مدى المشرق العربي، وكلّ ذلك بحجّة مناضلة أميركا وإسرائيل، التقى الحزب إيّاه مع أميركا وإسرائيل دفعةً واحدةً من أجل المصالح الوطنية اللبنانية، كما قالوا، فرسّموا الحدود البحرية مع العدوّ خلال بضعة أسابيع، لكأنّما كانوا متّفقين من قبل على قواعد الاتفاق، مثل اتّفاقهم من قبل على قواعد الاشتباك.

قد تكون في الترسيم مصلحة وطنية، لكنّنا نعلم أنّ النظام السوري كان وما يزال أشدّ امتناعاً من إسرائيل لجهتَيْ الحدود البرّية (في الجنوب)، والحدود البحرية في الشمال. فالحزب وحليفه السوري ووليّ أمره الإيراني هم الذين يعطّلون المصالح الوطنية منذ ثلاثين عاماً وأكثر.

لكنّ المصلحة الوطنية الأكبر، التي يجري تجاهلها الآن للمرّة الثانية أو الثالثة، هي رئاسة الجمهورية اللبنانية. هناك أجيالٌ جديدةٌ من اللبنانيين المسيحيين والمسلمين، الذين لا يحترمون ولا يريدون جبران باسيل ولا سليمان فرنجية. والأهمُّ من ذلك أنّهم يريدون دولةً ودستوراً وقوانين، وقرارات دولية، أسقطها كلّها الحزب المسلَّح. وعندما انفضحت كلّ مسائل نهب المال العامّ وحدثت الكارثة التي أنذر بحدوثها الفوري انفجار المرفأ، قال الحزب إنّ عنده “حلّاً خاصّاً” بالشيعة في القرض الحسن (بديل النظام المصرفي)، وفي استجلاب المحروقات من إيران، وفي افتتاح محلّات شعبية للسلع، وهو سيستمرّ في إعطاء محازبيه مرتّباتهم بالدولار (!). طيّب، أنتم بداخل النظام اللبناني وليس عندكم 27 نائباً وحسب، بل ما يقارب الـ61 نائباً بين تابع وحليف. وهذا يعني أنّكم مسؤولون باعتباركم تملكون الأكثريّة في تشكيل الحكومات، وفي إصلاح الأحوال الماليّة والمعيشية. فحتى الشيعة لم تنصلح أحوالهم. ولن تنصلح بالطبع باتفاق الحدود البحرية. والآن تقولون لنا إنّكم تريدون سليمان فرنجية!

قد لا يملك فرنجيّة نفس السجلّات والخطط الإجرامية مثل باسيل وصحبه. لكنّها طبقة واحدةٌ شاركت بمقادير مختلفة في الانهيار الذي نعاني منه. وقد قبِلتم بمنطق عون الذي يقول إنّ الرئيس المسيحي ينبغي أن يكونَ الأقوى في طائفته، فدعوا النواب المسيحيين يحدّدون من يريدون ولو بالأكثرية باعتبار أنّ الإجماع متعذر. فإن جاء مسيحي تريده الأكثرية باعتبار كفاءته ونزاهته، فنكون قد بدأنا الإصلاح من رأس الهرم.

إقرأ أيضاً: يا محلى الترويكا

لبنان محتاج إلى رئيس معقول ومقبول الآن، لكي تتشكّل حكومة على نهج الإصلاح أيضاً، وتكون هناك بداية لشيءٍ آخر جديد. إذا لم تستحوا بوصل ما انقطع بينكم وبين الأميركيين والإسرائيليين، فينبغي أن لا تستحوا بتجديد علائقكم باللبنانيين الآخرين المختلفين معكم.

فيا جماعة أنتم تعلمون أنّ صولجان الرئاسة مكسور، فلا ينبغي الإصرار على تحطيم الصولجان نهائياً! ولله في خلقه شؤون.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…