لم يكد يجفّ حبر المقال الذي نشره “أساس” عن توجّه للتشدّد في فرض القِيَم المحافظة في الكويت، يوم الأحد 13 تشرين الثاني الحالي، حتى قال الأمين العامّ لتجمّع “ثوابت الأمّة” النائب محمد هايف بوضوح من على منبر مجلس الأمّة بعد يومين: غالبيّة النواب تؤيّد “أسلمة” القوانين.
في ذلك اليوم، أعلن هايف أنّ “أكثر من 20 نائباً” وقّعوا طلباً لتعديل المادة 79 من الدستور، بحيث يصبح نصّها: “لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير، وكان موافقاً للشريعة الإسلامية”، بدلاً من نصّها الحالي: “لا يصدر قانون إلا إذا أقرّه مجلس الأمّة وصدّق عليه الأمير”.
توجّه نحو الصعوبات والعقبات
بعد 3 أيام من تصريحه في مجلس الأمّة، كشف هايف، يوم الجمعة الفائت، أنّ 27 نائباً وقّعوا طلب التعديل، أي أكثر من نصف النواب البالغ عددهم 50، وهو ما يعني أنّ غالبيةً تؤيّد هذا التوجّه المليء بالصعوبات والعقبات، إذ ليس تعديل الدستور في الكويت سهلاً، بل تتطلّب مناقشته “موافقة الأمير وثلثَيْ الأعضاء الذين يتألّف منهم المجلس”، ولا يكون نافذاً إلا “بعد مصادقة الأمير عليه وإصداره”. وإذا رُفض الاقتراح من حيث المبدأ أو الموضوع، “فلا يُمكن إعادة طرحه إلا بعد سنة”.
هي ليست المرّة الأولى التي تُطرح فيها “أسْلَمَة القوانين”، لكنّها المرّة الأولى التي يوضع فيها التعديل على بساط البحث في خلال “شهر عسل” بين السلطتين التشريعية والتنفيذية
يرى أنصار التعديل أنّه يصبّ في إطار “حماية الهويّة الإسلامية” والمجتمع من “الثقافات الدخيلة والظواهر السلبية”، مثل “تقليد الشباب لعادات الغربيين” و”استجلاب الخمور” و”إعطاء حقوق للمثليين”، ويعتقدون أنّ الفرصة سانحة اليوم لأنّ العدد الأكبر من النواب ينتمون إلى التيار المحافظ.
ويُقرّ هؤلاء، في الوقت نفسه، بقوّة المادّة الثانية من الدستور التي تنصّ على أنّ “دين الدولة الإسلام، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع”، بيْدَ أنّهم يحتاطون للمستقبل “لأنّه لا أحد يعلم ماذا سيكون وضع المجتمع بعد 30 أو 40 أو 50 سنة”، فحينذاك قد لا توجد غالبيّة نيابية مؤيّدة كما هو الحال اليوم، على حدّ قول هايف، الذي يُلقّبه أنصاره بـ”أسد السُنّة”.
في المقابل، ينقسم معارضو التعديلات إلى قسمين:
القسم الأوّل يتألّف من القوى الليبرالية والتقدّمية التي ترى في تعديل المادة 79 مساساً بمدنية الدولة وتحويلاً لها إلى دينيّة واعتداءً على الحرّيات وفرضاً للوصاية على المجتمع، ومنها “الحركة التقدّمية” التي انتقدت مَن وصفتهم بـ”العابثين الجدد بالدستور” ودعت إلى “التصدّي لمحاولات تغيير الطابع المدني للدولة عبر قيام سلطة دينية تشريعية غير مُنتخبة”، محذّرة من أنّ تنصيب مثل هذه السلطة “يهدم الأسس الديمقراطية لنظام الحكم… وهذا عبثٌ بالدستور ومُتاجرة سياسية وانتخابية بالشريعة الإسلامية”.
الموقف نفسه عبّرت عنه 19 جمعيّة ورابطة في بيان مشترك حذرّت فيه من “هدم ما بقي من الأسس الدستورية المدنية الديمقراطية للدولة… وتأسيس قواعد بديلة لدولة دينية مُتزمّتة يتمّ فيها التضييق أكثر فأكثر على الحرّيات”.
القسم الثاني يتكوّن من ثلّة من الدستوريين والقانونيين الذين يحذّرون من “فوضى قانونية”، في حال إقرار مثل هذا التعديل، لأنّه سيؤدّي إلى تناقض بين المادّتين 79 و2 من الدستور، ويفتح الباب أمام “نسف” غالبية القوانين الحالية باعتبارها غير دستورية وتخالف النصّ الجديد، خصوصاً أنّ المادّة الثانية تنصّ على أنّ الشريعة مصدر رئيسي لا مصدر وحيد للتشريع. إلى ذلك يتعارض التعديل مع الإجراءات المنصوص عليها في الدستور لجهة أن يكون التعديل نحو مزيد من الحرّيات لا إلى تقليصها.
“أسلمة القوانين” ليست جديدة
هي ليست المرّة الأولى التي تُطرح فيها “أسْلَمَة القوانين”، لكنّها المرّة الأولى التي يوضع فيها التعديل على بساط البحث في خلال “شهر عسل” بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ تُحاذر الحكومة، منذ تشكيلها، إغضاب النواب وتعمل على تلبية (أو الوعد بتلبية) السواد الأعظم من طلباتهم، في ظلّ ما أفرزته الانتخابات الأخيرة من مراكز قوى جديدة.
يرى الكثير من معارضي التعديل أو المُحايدين أنّ ما أورده الأمير الراحل صباح الأحمد في مذكّرة صادرة في عام 2012 عندما طُرح التعديل نفسه هو الكلمة الفصل والخيار الأسلم.
اتّفق أن يكون رئيس مجلس الأمّة الحالي أحمد السعدون هو رئيس المجلس في ذلك العام، وقد نَقَل إليه رئيس الوزراء الأسبق جابر المبارك المذكّرة التي حذّر فيها الأمير من أنّ التعديل سيؤدّي إلى “إثارة الخلافات السياسية والفتن الطائفية والمذهبية”، ونبّه إلى أنّ إقرار التعديل يفتح الباب أمام أتباع كلّ مذهب لتطبيق أصول مذهبهم التي تختلف عن غيرها، وهو ما من شأنه أن يثير الشقاق والاختلاف، وذكّر بأنّ أحكام الشريعة في صلب الدستور، فالمادّة الثانية واضحة، والمادّة السادسة تشترط أن يكون وليّ العهد “والأمير بالتالي” مُسلماً من أبوين مسلمين، إضافة إلى موادّ أخرى والكثير من الألفاظ الإسلامية التي تصبغ كثيراً من الموادّ، كافتتاح الدستور بالبسملة وتضمّنه مصطلحات كالشورى والمُبايعة، ولفت الأمير إلى أنّ الشريعة “بحرٌ واسع تتعدّد فيه الاجتهادات وتتباعد فيه الآراء، وتختلف فيه المرجعيات الفقهية، ممّا لا يمكن فيه مع كلّ ذلك عمليّاً اعتبار التشريع متّفقاً أو متعارضاً مع أيّ من تلك الاتجاهات الفقهية (ما عدا الأحكام القطعيّة التي لا خلاف عليها، وهذا الأمر الأخير هو ما يحقّقه نصّ المادّة الثانية من الدستور)”. وبعد تساؤله: “ما الذي يدعو للأخذ بمثل هذا الاقتراح، ولا سيّما أنّه مرّ أكثر من نصف قرن على تطبيق المادّة 79 بنصّها الحالي، في سلاسة ويسر؟”، خلص الأمير، في مذكّرته “الوافية”، إلى أنّ الاقتراح غير مناسب، لافتاً نظر النواب إلى أنّ “مجلس الأمّة يملك دستوريّاً إقرار القانون الذي يرى اتّفاقه مع الشريعة الإسلامية، وعدم إقرار ما لا يراه متّفقاً معها، بل يملك أن يتخطّى أيّ اعتراض من الأمير على مشروع قانون ما بالأغلبيّة الخاصّة التي يقرّرها الدستور”.
إقرأ أيضاً: “إخوان الكويت”: حرب على “التطبيع” و”الاختلاط”
هكذا كان المشهد قبل 10 سنوات، فهل يتكرّر مجدّداً الآن أم الضرورات السياسية والمواءمات الاضطراريّة قد تدفع إلى تمرير التعديل، فتُصبح قوانين الكويت شبيهة بقوانين أفغانستان، حيث أصدر زعيم “طالبان” الملّا هبة الله آخوند زاده، الأسبوع الماضي، أوامره للقضاة بتطبيق عقوبات الشريعة الإسلامية؟