ربّما كان ما قاله خصوم كبار لتيّار الإسلام السياسي من أنّ “الإخوان المسلمين” في الكويت أكثر ذكاء وقدرة على استغلال الفرص من “إخوان” مصر، صحيحاً إلى حدّ كبير، لأنّهم تمكّنوا من النهوض مراراً بعد تعثّر وحافظوا على هيكلهم السياسي المعروف بـ”الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس) ومظلّتهم الخيرية المالية الضخمة المعروفة بـ”جمعية الإصلاح”، وأعادوا سريعاً وصل ما انقطع مع حكم الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد على الرغم من مشاركتهم الرئيسية في حراك “الربيع العربي” الكويتي الذي سمّوه “كرامة وطن”، من خلال تصدير مَن يسمّونهم “الحمائم” وتواري الصقور، ثمّ عادوا بقوّة إلى المشهد السياسي الكويتي في الانتخابات الأخيرة التي جرت في أيلول 2022 عبر مجموعة نيابية يمكن أن تصل إلى 8 (من أصل 50) بين مُلتزم ونصير ومؤيّد لخطّهم، وعبر دعم وصول آخرين من التيار السلفي أو المحافظ عموماً.
كان موقف الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد واضحاً بأنّ الكويت آخر دولة تُطبّع مع إسرائيل، وهو موقف حازم وعلنيّ لا لبس فيه
كان الأمير الراحل صباح الأحمد يقول لمسؤولين خليجيين يحذّرونه من نشاط “إخوان الكويت” إنّ النظام يستوعبهم، وبينه وبينهم القانون، وإنّهم أبدوا نيّة الالتزام بالمزيد من الاعتدال والبعد عن الارتباط بالتنظيم الدولي، وإنّ إجراءات اتُّخذت ضدّ من يتجاوز منهم، بدليل إبعاد نشطاء مصريين من جماعة “الإخوان” كانوا يساهمون من الكويت في تمويل أفراد التنظيم في مصر.
لكنّ ما كان مقبولاً خليجياً تحوّل إلى توجّس اليوم في ظلّ معطيَيْن رئيسيَّين يتناقضان بقوّة. فدول خليجية تسير في خطّ عقد اتفاقات مع إسرائيل من أجل ما تُسمّيه التطبيع الإيجابي لخدمة قضيّة وصلت إلى طريق مسدود بفعل صراعات قياداتها من جهة وغياب آفاق الحلّ بسبب جمود المواقف وتوسّع إسرائيل في سياسات الإغلاق والاستيطان من جهة ثانية. وعلى الرغم من أنّ تبريرات الاتفاقات لم تحظَ بقبول عند الإسلاميين والقوميين والراديكاليين اليساريين، وعلى الرغم من توصيف بعضهم لِما جرى بأنّه ردّ على تهديدات إيران المستمرّة لدول الجوار، إلا أنّ مسار الاتفاقات يتعبّد والتعاون يسجّل نقاطاً جديدة.
أمّا المعطى الثاني فهو الانقلاب على التشدّد الديني والتطرّف والانغلاق من خلال سياسة انفتاح غير مسبوقة قادتها المملكة العربية السعودية.
المعطيان السابقان هما النقطتان المعاكستان تماماً لفكر وسياسة “الإخوان المسلمين” في الكويت، ومعهم منظومة ما يُعرف بالتيار الإسلامي من سلف ومحافظين وقبليين. ففي الكويت اليوم جهد غير مسبوق أيضاً للتشدّد في فرض القِيَم المحافظة، من رفض الاختلاط بين الجنسين في المدارس والجامعات ومسابح الفنادق والحفلات الغنائية، ووصل الأمر إلى رفض الماراثونات المختلطة التي تجري ورفض رياضة “اليوغا” والدعوة إلى فرض منهج القرآن الكريم في رياض الأطفال. والمقبل الذي يلوّح به النواب المحافظون، وفي قلبهم “الإخوان”، أكبر بكثير من هذه الاقتراحات.
أمّا في ما يتعلّق بالمعطى المتّصل بالسلام مع إسرائيل فقد كان موقف الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد واضحاً بأنّ الكويت آخر دولة تُطبّع مع إسرائيل، وهو موقف حازم وعلنيّ لا لبس فيه. واليوم، تسير القيادة الجديدة على النهج نفسه، لكنّ “الإخوان” والتيار المحافظ يريدون أكثر من ذلك.
يبقى أنّ في الكويت قيادة تزن الأمور بميزان الذهب، وهذا ما جعلها مدرسة في الدبلوماسية والسياسة الخارجية
في أيار 2021، وافق مجلس الأمّة السابق بالإجماع على اقتراح قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 21 لسنة 1964 بشأن القانون الموحّد لمقاطعة إسرائيل، فيما يتّجه مجلس الأمّة الجديد إلى إقرار تعديلات واسعة على القانون.
يقود الحراك في هذا الاتجاه بشكل أساسي نواب “الإخوان”، بدعم من النواب الشيعة وتيارات إسلامية أخرى، وقوى ليبرالية وتقدّمية، تحت شعار “مكافحة الأنماط الجديدة للتطبيع”، كما أعلن النائب عن “الإخوان” أسامة الشاهين في ندوة عُقدت مطلع الشهر الحالي لمناسبة الذكرى الـ105 لوعد بلفور.
تشير المعطيات إلى أنّ التعديلات تهدف إلى تغليظ العقوبات في اتجاهين أساسيَّين:
الأول يتمثّل بالجانب الإعلامي، فمع تطوّر دور وسائل التواصل الاجتماعي، يرى أنصار هذا التوجّه أنّ هناك ضرورة لـ”سدّ الثغرات” من خلال تعديل بعض الموادّ المتعلّقة بالجانب الإعلامي، مثل الدعوة إلى التطبيع أو تأييده أو الترويج له.
الثاني، وضع نصوص تضمن عدم دخول بضائع من شركات إسرائيلية إلى السوق الكويتي، تحت ستار شركات من دول أخرى.
وهذا الأمر قد يضع الكويت في موقف تصادميّ مع شقيقاتها الخليجيّات، على اعتبار أنّ الشركات المقصودة، بعضها خليجيّ.
ويعكس هذا التوجّه ما عبّر عنه صراحة الداعية الإسلامي طارق السويدان، أحد أبرز وجوه جماعة “الإخوان” في الخليج، عندما دعا في عام 2020 إلى مقاطعة الشركات العربية التي تتعامل مع إسرائيل، “لأنّه من خلال خسارتهم القوّة الشرائية لـ300 مليون عربي، نُثبت لهم أنّ التطبيع سيتسبّب في تدميرهم”.
وعلى الرغم من أنّ “إخوان الكويت” مُنسجمون مع أنفسهم ومشروعهم ظاهر في طروحاتهم، لكنّ “إخوان مصر”، إبّان تولّيهم السلطة، حافظوا على كلّ الاتفاقيات والعلاقات مع إسرائيل، لا بل إنّ الرئيس الأسبق محمد مرسي خاطب الرئيس الإسرائيلي بعبارة “عزيزي شيمون بيريز”، في الرسالة الرسمية التي وجّهها في تشرين الأول من عام 2012 لاعتماد السفير المصري الجديد في تل أبيب.
إقرأ أيضاً: جنان في الكويت… و”نائبة” في لبنان
في لبنان الذي يُعتبر “رمزاً للعمل المقاوم”، رسّمت الحكومة بوثيقة رسمية دولية الحدود البحرية مع “دولة إسرائيل”، فيما ضغط إسلاميّو الكويت على الكثير من المسؤولين ووسائل الإعلام لإحلال مصطلح “الكيان الصهيوني” مكان إسرائيل.
يبقى أنّ في الكويت قيادة تزن الأمور بميزان الذهب، وهذا ما جعلها مدرسة في الدبلوماسية والسياسة الخارجية.