رغم نجاح نتياهو في تجاوز أزمة النظام السياسي في إسرائيل، التي استغرقت أكثر من ثلاث سنوات وشهدت أربع انتخابات عامة. غير أنّ نتياهو يواجه عقبات في تشكيل حكومته الجديدة، بعد تكليف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ له رسمياً بتشكيل حكومته. ويبدو أنّ الإدارة الأميركية أدخلت بنيامين نتنياهو، إلى أزمة تتعلّق بتشكيل الحكومة الجديدة، عندما حذرت من أنّ الولايات المتحدة لن تعمل مع وزارات يتولاها رئيس الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، الذي يطالب بحقيبة الأمن، ورئيس حزب “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير، الذي يطالب بحقيبة الأمن الداخلي.
لا نستطيع الحديث عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وما طرأ على بنية السياسة والمجتمع الإسرائيليَّين، من دون التوقّف عند ظاهرة بنيامين نتانياهو. فوفقاً للكاتب الفلسطيني حسن خضر، “لا يمكن تشخيص الصعود الظافر لليمين المتطرّف في إسرائيل من دون الكلام عن نتانياهو بوصفه أبرز مهندسي هذا الصعود وصنّاعه، بالمعنى السياسي والتنظيمي والأيديولوجي. وإذا كان يمكن القول إنّ بن غوريون مؤسّس إسرائيل الأولى، فثمّة ما يكفي من الوقائع لتسويغ الكلام عن نتانياهو مؤسّساً لإسرائيل الثانية”.
رغم نجاح نتياهو في تجاوز أزمة النظام السياسي في إسرائيل، التي استغرقت أكثر من ثلاث سنوات وشهدت أربع انتخابات عامة
دولة شرق أوسطية
غير أنّ إسرائيل الثانية لا تمثّل، بالضرورة، قطيعة مع إسرائيل الأولى، بل تبدو النسخة المتطوّرة منها بشكل طبيعي، بحيث تتناسق وتتّسق مع وسط ومحيط الشرق الأوسط، وإرثه التسلّطي، وهي تتشابه مع وضع ومناخ الإقليم في الوقت الحالي، خلافاً للمناخات الأوروبية التي سادت في العقود الأولى التي تلت خروج إسرائيل إلى حيّز الوجود في القرن الماضي.
هكذا يمكن النظر إلى إسرائيل الأولى القادمة من أوروبا مجتمعاً وسياسةً وتصوّراً وذاكرةً جماعيةً، والمضطرّة إلى مراعاة ثقافات وحساسيّات أوروبا الخارجة لتوّها من حرب عالمية، والتي عانت من ويلات الفاشيّة. فحينذاك كان على إسرائيل التناغم ومحاكاة الديمقراطيّات في أوروبا. أما اسرائيل الثانية الشرق أوسطية، فصاحبة ترسانة نووية، واتفاقيّات سلام وتطبيع مع المحيط العربي شبه المنهار، ومتماهية مع مدّ الموجة اليمينية والفاشيّة الصاعدة في العالم حتى في أميركا معقل الديمقراطية.
هذا ما حذّر منه إيهود أولمرت حين أشار إلى أنّ نتيجة الانتخابات كارثية على إسرائيل، فهي تنتقل بها إلى الفاشيّة، التي لن تكتفي بالعداء والعنف ضدّ الفلسطينيين، بل ستطول كلّ مواطني الدولة من يساريين وعلمانيين وليبراليين، وستدفع إسرائيل ضريبة فوز نتانياهو.
من جهتهم، حذّر الخبراء من أنّ تنامي الدِين في إسرائيل سيصنع أزمة أكبر في اليهوديّة نفسها عندما يستولي التيار الديني على مكامن القوّة في الدولة. وهذا ما يفسّر جزئيّاً التباعد المستمرّ عن يهود الولايات المتحدة. ففي إسرائيل تتقدّم يهودية أرثوذكسية، فيما يهود الولايات المتحدة ينتمون إلى اليهودية المحافظة. وهذا ما يفسر أيضاً معارضة الإدارة الأميركية لتوّلي الأحزاب الفاشية، لوزارات سيادية في حكومة نتنياهو المقبلة.
قالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنّه قد لا يكون أمام رئيس حزب “الليكود” بنيامين نتانياهو سوى خيار إعطاء عضو الكنيست عن حزب “الصهيونية المتديّنة” إيتمار بن غفير وزارة الأمن العامّ
الدفاع والأمن
سيسعى التحالف الجديد الذي يتكوّن من حزب “الصهيونية الدينية” بقيادة بتسلئيل سموتريتش والحزب الكاهاني “القوّة اليهودية” بقيادة إيتمار بن غفير، في حال دخولهما حكومة نتنياهو، إلى إضفاء الطابع الديني على دولة الاحتلال، ومحاربة الوجود الفلسطيني في أراضي العام 1948، ورفض قيام دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، والمطالبة بحقيبتَيْ الدفاع والأمن.
وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنّه قد لا يكون أمام رئيس حزب “الليكود” بنيامين نتانياهو سوى خيار إعطاء عضو الكنيست عن حزب “الصهيونية المتديّنة” إيتمار بن غفير وزارة الأمن العامّ… ولفتت إلى أنّ قرار زعماء الصهيونية الدينية وعوتسما يهوديت، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، هو التفاوض كتلةً موحّدةً، ما يعني أنّ نتانياهو لن يكون أمامه على الأرجح سوى خيار منحهما حقيبتين وزاريّتين: الخزانة إلى سموتريتش ووزارة الأمن العامّ إلى بِنْ غفير.
فاشية أصيلة
على وقع نجاح اليمين الديني والقومي في إسرائيل، أُقيم في القدس احتفال لإحياء الذكرى الثانية والثلاثين لاغتيال مائير كاهانا، ملهم الكهانيّين في إسرائيل، وملهم بن غفير، ومؤسّس حزب كاخ العنصري، وشارك فيه بن غفير، وعُلِّقت لافتة في هذه الذكرى: “كاهانا كان على حقّ”، ويعني هذا الشعار أنّه كان على حقّ لأنّه طالب بترحيل الفلسطينيين عن أرضهم، على الرغم من أنّ كاهانا وُلد في مدينة نيويورك. وهو صاحب كتاب “يجب أن يرحلوا”، الذي لخّص فيه خطّته في تخيير الفلسطينيين بين البقاء في إسرائيل مع عدم منحهم الجنسية الإسرائيلية، كما هو الحال اليوم عند الأغلبية الفلسطينية، أو أن يرحلوا باختيارهم عن بيوتهم وممتلكاتِهم مقابل منحهم مكافأة مالية، وأمّا الحلّ الثالث فهو طردهم بالقوّة من دون تعويض.
إقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية لن تتراجع: المحكمة الدولية لمقاضاة إسرائيل..
يفتقر إلى الدقّة الحديثُ عن “صعود الفاشية” في إسرائيل بإفراط، إذ يشي أنّ الفاشية أمرٌ خارج الخليّة الأصليّة التي أسّست دولة الاحتلال، وفي ذلك تزوير لصورة الدولة التي أُسّست على ارتكابات عصابات الهاغانا وعلى حقل واسع من المجازر والقتل والترويع والقرى المدمّرة، وعلى طرد السكّان الأصليين.
يقول الكاتب الفلسطيني غسان زقطان إنّ “دولة قادرة على الصعود فوق كلّ هذه المقابر الجماعية لضحاياها والتحوُّل إلى صيغة ديمقراطية، ويتحوّل فيها القتلة إلى سياسيين موزّعين بين اليسار واليمين، والجريمة إلى برنامج ليبرالي، وضحاياها إلى إرهابيين معادين للمدنية وإسرائيل، ليست بحاجة إلى أشخاص مثل “إيتمار بن غفير ليؤكّدوا فاشيّتها”.
*كاتبة فلسطينية