قاعدة مسيّرات إيرانية شرق سوريا لمواجهة التحالف الدولي..

مدة القراءة 7 د

تسعى إيران جاهدة إلى التكيّف مع حالة “المقت” التي تواجهها حيثما حلّت، ويبدو أيضاً أنّها تحاول التكيّف مع جرعة الضربات الجوية الإسرائيلية التي تضرب ميليشياتها في سوريا، فعلى الرغم من خسائرها المادية والمعنوية، ما تزال تسعى إلى مدّ يدها إلى مناطق جديدة، مستخدمة أساليبها وأدواتها القديمة.

كشفت مصادر خاصة لـ”أساس ميديا” أنّ ميليشيا “سرايا الخراساني” العراقية، المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، بدأت تجهيز عدد من المقرّات الجديدة في مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، وأنّها تنوي فتح باب التطويع، وتسعى إلى جذب مئات الشبّان من مناطق شمال شرق سوريا وضمّهم إلى صفوفها.

أكّدت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويّتها لضرورات أمنية، أنّ اجتماعات مكثّفة تجري حاليّاً في مدينتَيْ دمشق والحسكة لتجهيز المقرّات الجديدة، والتنسيق لنقل الأسلحة والمعدّات اللوجستية عبر مطار القامشلي في الأيام المقبلة، وذلك بتنسيق مع “الحاج مهدي” القيادي في ميليشيا “حزب الله”، والمشرف على مقرّات الحزب في الشرق السوريّ.

كشفت مصادر خاصة لـ”أساس ميديا” أنّ ميليشيا “سرايا الخراساني” العراقية، المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، بدأت تجهيز عدد من المقرّات الجديدة في مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا

وكانت ميليشيا “سرايا الخرساني” قد افتتحت أوّل مقرّ لها وسط مدينة الحسكة، مطلع الصيف الماضي، بعد تنسيق مع قائد ميليشيات “الدفاع الوطني” التابعة للنظام في المدينة، المدعوّ عبد القادر حمو، علماً أنّ المشرف على نشاط المقرّ هو قياديّ عراقيّ يُدعى أحمد الكناني.

هذه التحرّكات تشي بتوجّهٍ إيراني جديد، في سياق زيادة فاعليّة الميليشيات التي تدعمها إيران في مناطق الشرق السوري، بعد تعرّض مواقع ميليشياتها في محيط العاصمة السورية لعشرات الاستهدافات الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية، وتشير إلى محاولة إيران تهديد قواعد قوات التحالف الدولي في المنطقة.

محاولة تهديد قوّات التحالف عبر المسيّرات في الشرق السوريّ

كشفت مصادر خاصّة في مطار القامشلي أنّ حزب الله أرسل، قبل أسابيع، عدداً من الشبّان المتطوّعين، للتدرّب على استخدام الطائرات المسيّرة في منطقة الديماس بريف دمشق، ورجّحت المصادر أن يكون هناك تعاون بين الحزب وميليشيات “سرايا الخراساني”، بهذا الخصوص، وأشارت عدّة مصادر إلى أنّ ميليشيا السرايا تختصّ بسلاح الطائرات المسيّرة، وتُتّهم بالمسؤولية عن هجمات المسيّرات على المنطقة الخضراء في العراق.

 تُعرف ميليشيا “سرايا الخراساني” بأنّها فصيل عراقي شيعي، أشرف على تأسيسه الحرس الثوري الإيراني، وكان له فاعليّة ونفوذ في العراق، وتُعدّ من أهمّ ميليشيات إيران في العراق، إلى جانب “عصائب أهل الحقّ” و”كتائب أبو الفضل العبّاس”، وتُتّهم بأنّها متورّطة بقمع تظاهرات تشرين عام 2019 في بغداد، وتنشط في سوريا في منطقة السيّدة زينب في ريف دمشق، وفي ريف حلب الجنوبي، ويشرف عليها قادة من الحرس الثوري بشكل مباشر.

من جهته، رأى مصطفى النعيمي، الباحث المشارك في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، في حديث مع “أساس ميديا”، أنّ محاولة توسّع “سرايا الخراساني” باتجاه مناطق شرق سوريا غايتها بناء مراكز لتجميع الطائرات المسيّرة التي تمكّن إيران من تهديد مصالح قوات التحالف الدولي، وتجنّبها خطر الطائرات الإسرائيلية، بعدما تكرّر استهداف قوات التحالف في حقل العمر ومعمل كونيكو في الفترة الماضية.

وتوقّع النعيمي أن تضطرّ القوات الأميركية إلى جلب منظومات الدفاع الجوي “سي رام” (CRAM) الأميركية القصيرة المدى والخاصّة بالتعامل مع المسيّرات المنخفضة والصواريخ المجنّحة التي تحلّق على علوّ منخفض، كما فعلت في محيط المنطقة الخضراء في بغداد.

تنتشر القوات الروسية في مطار مدينة القامشلي، وفي عدّة نقاط أخرى في المنطقة، فيما تسيطر قوات النظام على وسط مدينة الحسكة، وريف مدينة القامشلي الجنوبي، ومطار القامشلي

رفض شعبيّ ومنشورات تحذّر من خطر تمدّد الميليشيات

تأتي هذه المحاولات الإيرانية لتوسيع نفوذها شرق سوريا، على الرغم من الرفض الشعبي الذي تواجهه وتجلّى في توزيع منشورات عدّة مرّات، في الحسكة ودير الزور، ترفض التمدّد الإيراني، وتندّد بوجود إيران، وتحذّر أبناء العشائر هناك من مشروعات إيران ومن التعاون معها. وقد كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان مطلع الأسبوع الجاري أنّ مجموعة محلّية قامت بإلصاق عشرات المنشورات ضدّ الميليشيات الإيرانية، تحت عنوان “شايفينكم”، التي تحذّر من نشاطات القيادي الإيراني المدعوّ “الحاج عسكر” في المنطقة.

وكانت مدينة الحسكة قد شهدت أيضاً، قبل أسابيع، توزيع منشورات في سوق المدينة تحذّر من خطر تمدّد ميليشيات “حزب الله”، وتفضح أنشطة الحاج مهدي التي تهدف إلى كسب ولاء عشائر المنطقة، وتدعو العشائر إلى مواجهتهم والانتفاض ضدّهم، ورفض كلّ الإغراءات التي يعرضونها.

محاولة كسب العشائر واستغلال الأزمة الاقتصاديّة

الحاج مهدي، وهو قيادي لبناني في ميليشيا “حزب الله”، تمكّن بالتواصل مع أبناء العشائر في منتصف العام الماضي من افتتاح مقرّ جنوب المدينة، يُدعى “مكتب النقل”، يقع على طريق إم 4، إضافة إلى إنشاء عدّة مستودعات ومراكز تدريب جنوب المدينة. وتضمّ مدينة الحسكة مقرّين على الأقلّ، يدعمهما الحاج مهدي، يتبعان لحزب الله بشكل مباشر، إضافة إلى مقرّ ميليشيا “سرايا الخراساني” العراقية، الذي افتُتح مطلع الصيف الماضي.

 وتمكّن “الحاج مهدي” من تجنيد مئات من أبناء القبائل هناك، مستغلّاً علاقاته مع بعض الوجهاء، ومن خلال تقديم عروض دعم ماليّة، وتنظيم زيارات متكرّرة لإيران، كانت آخِرتها زيارة شيخ قبيلة طيّ ووجهاء من عشائر أخرى لمدينة قُم الإيرانية الشهر الماضي. ويكرّر الحاجّ مهدي أنّ الهدف من تقاربه مع العشائر هو إطلاق مقاومة شعبية ضدّ القوات الأميركية في سوريا.

تحاول هذه الميليشيات أيضاً استقطاب مئات الشبّان، مستغلّة الأوضاع الاقتصادية المتردّية في سوريا بشكل عامّ، وخصوصاً في المحافظات الشرقية التي تضمّ معظم حقول النفط السورية، إضافة إلى غناها الزراعي، لكنّ تهاوي سعر العملة السورية وخسارة الموسم الزراعي بشكل كبير دفعا عدداً كبيراً من الشبّان إلى الالتحاق بهذه الميليشيات، أو إلى الهجرة التي تكلّف آلاف الدولارات.

إيران تريد تفعيل دورها في منطقة تشهد صراعاً دوليّاً

تشهد منطقة الشرق السوريّ صراعات دولية متداخلة على النفوذ هناك، وتوجد فيها عدّة قواعد لقوات التحالف الدولي، التي تدعم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتسيطر على معظم مناطق شرق نهر الفرات، فيما تسيطر قوات الجيش الوطني المدعومة من تركيا على منطقةٍ تمتدّ من شرق مدينة رأس العين إلى غرب مدينة تل أبيض قرب الحدود السورية التركية، وتُعرف بمنطقة “نبع السلام”.

تنتشر القوات الروسية في مطار مدينة القامشلي، وفي عدّة نقاط أخرى في المنطقة، فيما تسيطر قوات النظام على وسط مدينة الحسكة، وريف مدينة القامشلي الجنوبي، ومطار القامشلي.

إقرأ أيضاً: السيّد في الترسيم كالأسد في عاصفة الصحراء؟

فأنّ إيران التفتت إلى أهميّة شرق سوريا الذي تحوّل إلى مركز صراع دولي وإقليمي، وتريد حجز مكان لها هناك. من جهته، أشار مصطفى النعيمي إلى أنّ “الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، منذ تدخّلها فيها، لم تتغيّر، وإنّما هنالك بعض التغيّرات التكتيكية التي من شأنها أن تعزّز نفوذها فيها، وكلّ المتغيّرات العسكرية الجارية في سوريا تندرج ضمن إطار إعادة التموضع والانتشار التي تعزّز نفوذها وبقاءها مهيمنةً على الواقع السوري إلى أطول فترة ممكنة، من خلال ركيزتها الصلبة والمتمثّلة بالأذرع الولائية”، وأضاف أنّ “إيران تريد من خلال ذلك تحقيق مزيد من الضغط على الدول المعنيّة بمسارات التفاوض، ولا سيّما الملف النووي، وفي الوقت نفسه تدافع عن مصالحها الاستراتيجية بتأمين الطرق الدولية المؤدّية إلى مياه البحر الأبيض المتوسط”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…