ماذا تعني نتائج الانتخابات التشريعية لمجلسَيْ الشيوخ والنواب الأميركيَّين؟
وماذا تعني بالضبط لقوى عديدة في المنطقة والعالم؟
الأهمّ في النظام الأميركي هو مجلس الشيوخ الذي يضمّ مئة شيخ، وصلاحيّاته واضحة بموجب المادّة الأولى من الدستور، ومدّة العضو هي ستّ سنوات يتم التجديد فيها كلّ أربع سنوات لـ35 عضواً، والأغلبية البسيطة فيه لـ50 صوتاً زائدة واحداً.
منذ الانتصار أو الحسم الأميركي العسكري في نهاية الحرب العالمية الثانية والطفرة الاقتصادية التي حقّقها الاقتصاد الأميركي، أصبحت واشنطن هي عاصمة التأثير السياسي والاقتصادي في العالم، وأصبحت نيويورك هي بورصة بورصات أسواق المال، وأصبحت كاليفورنيا هي مركز صناعة الفنّ السينمائي والترفيه التلفزيوني والإنتاج التلفزيوني، وتحوّل “وادي السيليكون” في “بالو ألتو” و”سياتل” بولاية واشنطن إلى مركزَيْ التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في العالم.
يضمّ مجلس الشيوخ مئة شيخ، وصلاحيّاته واضحة بموجب المادّة الأولى من الدستور، ومدّة العضو هي ستّ سنوات يتم التجديد فيها كلّ أربع سنوات لـ35 عضواً، والأغلبية البسيطة فيه لـ50 صوتاً زائدة واحداً
واشنطن هي عاصمة القوّة المتكاملة: أكبر إنفاق عسكري، عضو دائم في مجلس الأمن، الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي، الدولة التي تمتلك أكبر عدد من حاملات الطائرات، الدولار الأميركي هو أكبر مكوّن نقدي في الكتلة النقدية في العالم.
لذلك كلّه وأكثر، لم يعُد كلّ ما يحدث في الولايات المتحدة حدثاً محلياً للأميركيين فحسب، بل أصبح حدثاً شديد التأثير على مجريات الأمور في العالم.
اليوم معادلات القوّة تغيّرت، وبدأنا نتعايش مع عالم شديد السيولة في حالة إعادة تشكيل لموازين القوى ومليء بالفوضى والاضطرابات وأبعد ما يكون عن حالة الاستقرار.
من هنا ليست نتائج الانتخابات التشريعية هذه المرّة نتائج أميركية محضة، بل ذات تأثيرات عابرة للشأن الأميركي، ويمكن وصفها بأنّها تأثيرات كونية مباشرة وغير مباشرة على حاضر ومستقبل السياسة والاقتصاد والأمن في العالم.
روسيا والصين وإيران
كانت هذه الانتخابات تُتابَع لحظة بلحظة من قوى عديدة في العالم.
كانت محلّ اهتمام عظيم من قبل موسكو وكييف لمعرفة هل هذا الكونغرس قادر، إذا صار ذا أغلبية ديمقراطية، أن يمرّر اعتماد قائمة من الأسلحة الأميركية لأوكرانيا بـ40 مليار دولار تضمّ أفضل ما في الترسانة الأميركية الحديثة؟
وكانت محلّ مراقبة الصين التي تدخل في صراع تجاري محوره الإجراءات التجارية الأميركية ضدّ بضائعها، وتدخل في توتّر عالٍ مع واشنطن بخصوص “تايوان” عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لها بشكل استفزازي.
وكانت محلّ المراقبة الدقيقة من طهران التي تريد أن تعرف هل يمكن لبايدن أن ينفّذ تعهّداته في المفاوضات الأخيرة بإنجاز الاتفاق النووي مع إيران؟
وتريد أن تعرف إجابة على سؤال المليار دولار: هل توجد لدى بايدن حظوظ قوية بأن يفوز بولاية ثانية؟
يقول المنطق الإيراني: لماذا نعقد اتفاقاً مع رئيس لن تتجدّد رئاسته أو رئيس مشلول غير قادر على تحديد قرارات إدارته؟
الرئيس الأميركي الأفضل من منظور إيراني هو رئيس من الحزب الديمقراطي ذو أغلبية مريحة في مجلس الشيوخ.
كما يتابع “التركي” الانتخابات الرئاسية ليعرف من سيكون الرئيس الأميركي حينما يدخل رجب طيب إردوغان انتخاباته الرئاسية الأهمّ والأكثر مصيريّة عام 2024، ولكي يعرف ماذا سيكون موقف واشنطن من سياسات تركيا المتورطة في العراق وسوريا وليبيا؟ وهل تكون هناك إدارة متفهّمة وداعمة لمشاركة الحكم التركي في الاتحاد الأوروبي منذ 52 عاماً.
السعودية والإمارات ولبنان
في كلّ العواصم في الخليج، وتحديداً الرياض وأبوظبي، يتابعون للإجابة على ثلاثة أسئلة:
1- أيّ إدارة ستتعامل مع سياسات الإنتاج والتسعير في “أوبك بلاس”؟
2- أيّ موقف يتبلور في شؤون أمن المنطقة القومي والتسليح والاتفاق النووي؟ هل يكون اتفاق على الإفراج عن أرصدة إيرانية؟ أم يستمرّ الخلاف وتستمرّ العقوبات؟
في الحالتين تعرف دول الخليج أنّها سوف تدفع ثمناً مكلفاً لهذا الاتفاق، سواء تمّ أو لم يتمّ.
في مصر يتابعون هذه النتائج ليعرفوا هل نحن أمام إدارة أميركية ذات مشروع أحمق يريد فرض تغييرات في المنطقة عبر جمعيّات المجتمع المدني وتطوير سياسات الربيع العربي؟ وهل تستمرّ المساعدات الأميركية الاقتصادية والعسكرية لمصر؟ وما هو موقف الإدارة من السلوك الإثيوبي الأحمق في مسألة سدّ النهضة؟
في لبنان يتابعون كي تأتي الإجابة على السؤال الكبير: هل هناك عودة للاهتمام الأميركي بالشأن اللبناني؟ أم يبقى متروكاً بالكامل لإيران ضمن تسوية إقليمية مع طهران تعقب الاتفاق النووي؟
اليوم معادلات القوّة تغيّرت، وبدأنا نتعايش مع عالم شديد السيولة في حالة إعادة تشكيل لموازين القوى ومليء بالفوضى والاضطرابات وأبعد ما يكون عن حالة الاستقرار
العقوبات والمساعدات
العقوبات الأميركية الآن على روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوبا والدعم لكلّ من أوكرانيا وتايوان و80 دولة تقريباً في العالم.
يبقى السؤال: ما مصير العقوبات؟ وما هو مصير الدعم والمساعدات؟
نتائج الانتخابات، حتى كتابة هذه السطور، مربكة ومعقّدة ومتشابكة ويمكن رصدها على النحو التالي:
1- النتيجة الأولى أنّ حاصل ما حدث هو أفضل مما توقّع الحزب الديمقراطي من خسائر، وأقلّ ممّا توقّع الحزب الجمهوري من انتصارات.
هذه عبارة دقيقة لا بدّ من فهمها.
كانت أحلام الجمهوريين هي الفوز بأغلبية مريحة في مجلسَيْ النواب والشيوخ.
وكانت مخاوف الديمقراطيين أن تحدث خسارة مهينة تُضعف مركز الحزب وتؤثّر على مستقبل الولاية الرئاسية الثانية في انتخابات 2024.
لكنّ ما حدث هو أفضل مما توقّعت الماكينة الانتخابية الديمقراطية.
2- الحقيقة الثانية المؤلمة للحزب الجمهوري هي أنّ رهانه على دور دونالد ترامب في قيادة التسويق والترويج قبل وأثناء المعركة الانتخابية جاء بنتائج مُخيّبة للآمال.
دلّت استطلاعات الرأي أنّ درجة التأييد لترامب ضعيفة وشعبيّته أضعف.
ودلّت الاستطلاعات على أنّ الناخب كان يختار أشخاصاً وليس أحزاباً.
3- مزاج الناخب الأميركي يتعدّى بايدن في الحزب الديمقراطي، ويتعدّى ترامب في الحزب الجمهوري.
4- خوف قيادة الحزب الجمهوري أن يطلق ترامب تصريحاً علنيّاً بالترشّح للرئاسة خلال الأسبوع المقبل، وهو ما قد يُحدث انقساماً في القيادة بين اليمين الشعبوي الذي يريد ترامب وبين الوسط المحافظ الذي يميل وفق استطلاعات الرأي نحو ترشيح حاكم ولاية فلوريدا الذي يحظى بإعجاب وتقدير كبيرين.
في حين ينتظر مجلس الشيوخ الحسم بعد الإعادة في ولايتَيْ أريزونا وميتشيغن.
5- إنّ عنصرَيْ حمل السلاح وإباحة الإجهاض يؤثّران بقوّة في اتجاه التصويت الأميركي بشكل لا يقلّ أهميّة عن تأثير ازدياد التضخّم وارتفاع أسعار السلع والخدمات.
6- إنّ حجم الرشى الاجتماعية غير المسبوقة التي تدفعها إدارة بايدن للطبقات الفقيرة والمتوسطة كان لها مفعولها في اتجاهات التصويت.
إقرأ أيضاً: “تشرين الثاني” أسوأ شهورنا لعام مجنون وكارثيّ!
الخلاصة أنّها شبكة نتائج معقّدة ومتناقضة تؤكّد أنّ السياسة الأميركية سوف تعيش بانتظار أربعة مواعيد مهمّة:
1- الأسبوع المقبل موعد إعلان ترشيح ترامب.
2- يوم 6 كانون الأول لمعرفة نتائج انتخابات الإعادة.
3- كانون الثاني موعد اجتماع قيادة الحزب الجمهوري لاختيار مرشّح الحزب المقبل.
4- معدّل نتائج شعبيّة بايدن ورضاء الجماهير عليه في الانتخابات الجديدة.
وليس علينا وليس على العالم كلّه إلا الانتظار والاستعداد.
لمتابعة الكاتب على تويتر: Adeeb_Emad@