السعودية تكرّس طائف العروبة بالسياسة والعِلم…

مدة القراءة 7 د

ثلاث حقائق أرساها “منتدى الطائف-33” الذي نظّمته سفارة المملكة العربية السعودية نهار السبت الفائت في قصر الأونيسكو، لا يمكن لأحد تجاهلها وعدم التعاطي معها بجدّية في المسارات والاستحقاقات السياسية الراهنة والمقبلة:

1- استعادت المملكة العربية السعودية بفعّالية دورها السياسي المرجعيّ في لبنان بعد انكماش منذ عام 2017.

2- لا تعديل ولا مخادعة ولا تغيير لاتّفاق الطائف بإقرار غربي، وتحديداً فرنسيّاً.

3- تَشكّلت عصبة نخبوية من كلّ الطوائف والمناطق اللبنانية حول الطائف ودور المملكة في لبنان، بفعل مبادرة “جسور” التي أطلقها السفير وليد البخاري والعمل التراكمي الذي أنجزته المبادرة خلال الأشهر السابقة.

منتدى “الطائف-33″، تتجلّى أهمّيته الاستراتيجية والوطنية في أنّه وضع عنواناً وحيداً للبحث ودعوة صريحة للخلاص ووصفة سحريّة للإنقاذ مختصرة بكلمتين “طبّقوا الطائف”

سفير التواصل

أثبت سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري أنّه استثنائي بالقدرة على التواصل مع الجميع وتجسيد رؤية المملكة العربية السعودية وقيادتها على كلّ الصعد الفكرية والاستراتيجية والسياسية. أجاد العمل التراكمي فصنع الفرق في ظروف قاسية. نقل الدور السعودي في لبنان من مرحلة الرعاية إلى مرحلة صناعة الفكر والرأي العامّ وفق صورة الحداثة والتطوّر التي باتت المملكة تسير عليها بخطى ثابتة عبر رؤية 2030. وهذا ما تجسّد في مداخلة السفير البخاري في المنتدى، إذ اختصر ولم يسقط في التحليل، بل ذهب إلى المعلومة والقرار، فكان حاسماً جازماً حين أكّد أنّ الفرنسيين أكّدوا بما لا يقبل الشكّ ولا المجادلة أن لا رغبة ولا قرار بالمسّ باتفاق الطائف. مختتماً كلامه: “اطمئنّوا، اتفاق الطائف لا بديل عنه”.

لم تكن حركة السفير وليد البخاري حاضرة فقط على المنصّة وفي استقبال الضيوف، بل كانت موجودة أيضاً في ملامح وجوه النخب الفكرية والثقافية والاجتماعية الحاضرة بفعل العمل التراكمي لمبادرة “جسور” التي عملت وكأنّها تيّار “الطائف والدستور”. بدت “جسور البخاري” واضحة بجودة بنيانها وبصلابة قناعاتها، وببريق عيون من شارك فيها وجاء يؤكّد قناعاته في المنتدى.

 

حوار لا مهرجان

حضر المشاركون إلى منتدى الطائف حاملين صورة الموروث السياسي المعتاد، معتقدين أنّ اللقاء مهرجان خطابي، فاستعدّ الجمهور لسماع الخطابات، وتهيّأ المتكلّمون لإلقاء خطاباتهم حاملين أوراقهم المطبوعة والمحرَّكة حروفها بعلامات الإعراب، فإذا بالمنتدى بمنصّته وشكله التنظيمي يدفع الجميع إلى طيّ أوراقه ووضعها في جيبه. فالمنتدى حواره ونقاشه تمهيديَّين ليس للدفاع عن الطائف والميثاق الوطني بل للبحث والتنوّر في سبل تطبيقه بما هو خشبة للإنقاذ ووقف الأزمة الوطنية التي يعيشها اللبنانيون.

البعد الأوّل: نعم ولكن..

رسم النقاش صورة ثلاثية الأبعاد. في البعد الأول “نعم للطائف ولكن” مسيحية باستثناء  حكيم من حكماء لبنان اسمه أنطوان مسرّة، وفي البعد الثاني تذكير وقلق درزي وفوقيّة  وليد جنبلاط التي لا تنتهي. وأمّا البعد الثالث ففيه تأكيد على الموروث السياسي السنّيّ بحنكته وحكمته.

مداخلات وكلمات القيادات المسيحية الروحيّة والسياسية والعلميّة شكّلت ما يزيد على نصف ما جاء في نقاشات منتدى “الطائف-33″، راسمةً صورة الرؤية المسيحية للطائف وظروفه ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، مع خرق علمي واحد للمرجع الدستوري الدكتور أنطوان مسرّة الذي وضع خطّاً ذهبيّاً ما بين الهواجس والعلم الدستوريّ.

رأى المطران بولس مطر أنّ الطائف هو واقع على الرغم من الطموح نحو الأسمى، مُقِرّاً أنّه الفرصة الأخيرة للعبور إلى الوطن. روى حكاية مباركة البطريركية المارونية لاتفاق الطائف أيّام الراحل الكبير البطريرك مار نصر الله بطرس صفير: “كان البطريرك الصفير في روما واتّصل به الفرنسيون والطليان، وقالوا إنّ اتفاق الطائف فرصة للجميع ولعودة لبنان إلى ذاته. اقتنع البطريرك بذلك، والطائف واقع. ربّما نطمح نحو الأسمى لكن نبقى في الواقع. فإذا انطلقنا من الطائف فحرام على لبنان أن يضيع هذه الفرصة، وعودتنا إلى الطائف هي فرصة حقيقية للبنان، وليس لنا فرصة إلا مروراً بها”.

لم تغادر القوات اللبنانية التحفّظ على لسان النائب غسان حاصباني، داعيةً إلى تطبيق الطائف أوّلاً، ثمّ البحث في تعديله: “فلتُطبّق الوثيقة أوّلاً، وبناء عليه يمكن إجراء نقاش بشأنها. فمن شبه المستحيل أن يتمّ تحديد ثغرات وإشكاليّات أيّ نصّ ما لم يتمّ تطبيقه بنوايا حسنة وبأفضل الطرق وبشكل كامل من كلّ الأطراف التي وضعته. من المهمّ أن نبقى في إطار الوفاق الوطني الذي حصل وتُرجم دستوراً”.

كذلك فعل النائب بطرس حرب حين قال: “ليس اتفاق الطائف قرآناً منزلاً وليس إنجيلاً مقدّساً لا يجوز مسّه، الطائف قابل للتعديل إنّما ضمن إطار المبادئ الوطنية التي قام عليها لبنان، وهي وحدة لبنان وعروبة لبنان ولا توطين في لبنان”.

ثمّ خرج فارس، المعلّم الدستوري أنطوان مسرّة بعد كلام السياسيين، فشرح معاكساً تيّار بني جلدته كيف أعطى الطائف رئيس الجمهورية ما لم يكن له، وخلص إلى قرار العلم والدستور قائلاً: “لا خيار لنا إلا تطبيق اتفاق الطائف”.

البعد الثاني: جنبلاط يذكّر المؤمنين

بنجوميّته المنبريّة المعهودة، ولأنّ الذكرى تنفع المؤمنين ذكّر وليد جنبلاط الحاضرين من زاويته بمجلس الشيوخ، وأنّ بوّابة الطائف كانت معركة سوق الغرب، كاشفاً ما يعرفه الجميع ولا يجرؤون على البوح به. هذه المعركة وإن لم تحقّق أهدافها الميدانية، كما قال جنبلاط، إلا أنّها حقّقت أهدافها السياسية دافعة الجميع إلى وقف إطلاق النار والبحث عن الحوار

البعد الثالث: الموروث السنّيّ لا يُحرق ولا يُغرق

السُنّة بحضورهم الكبير في “مواكب جسور البخاري” والراقي بتراثهم السياسي الموروث، إن عبر اختصار السنيورة لكلمته، وحسنٌ أنّه فعل ما لم يعتَد عليه، أو عبر الإطلالة الراقية الدستورية السياسية لعضو لجنة صياغة الطائف النائب السابق طلال المرعبي الذي أجاد الموقف والكلام مذكّراً الجميع بالقماشة السنّيّة السياسية التي لا يمكن استبدالها ولا تجاهلها بطارئ من هنا ومحظوظ من هناك.حاضر كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري في كلمات الأخضر الابراهيمي ووليد جنبلاط وفي الفيلم المصوّر القصير الذي أعدته السفارة السعودية، حيث تصدّرت صورته مع الملك فهد كل الصور. فيما كان لافتاً غيابه عن باقي كلمات المشاركين بخاصة عن كلمة أحد أبرز المقرّبين منه الرئيس فؤاد السنيورة. كما حضر جمهور رفيق الحريري بعقله وقلبه ونُخَبه، وغابت السيّدة بهيّة، وحضر عنها شقيقها شفيق.

 أمّا الغياب الشيعي الرسمي فلم يقلق المنظمين، لأنّهم يعلمون بالرغبة الحزبية المربكة للجميع. ولأنهم يعلمون أكثر أنّ في عين التينة رجل يُعدّ المرجع الأول والأخير للحكمة والتوازن حاضر في وطنيته إلى حدّ الإمساك بثنايا الطائف دستوراً وتطبيقاً.

الأخضر القادم من الحنين

ربّ صدفة خيرٌ من ألف ميعاد. ففيما كانت الجزائر تختتم القمّة العربية كان جزائري آخر يحلّ ضيفاً على منتدى “الطائف-33”. نقلنا الأخضر الإبراهيمي ونقل الجميع إلى باحة الحنين في وقفة وفاء مع صنّاع الطائف الراحلين، شهيد الاتّفاق رينيه معوّض، وكلمة سرّ وثيقة الوفاق رفيق الحريري، وصانع المستحيل الراحل الكبير الأمير سعود الفيصل.

إقرأ أيضاً: اتفاق الطائف وُجِدَ ليبقى

.. منتدى “الطائف-33″، الذي استضافه قصر الأونيسكو برمزيّته الثقافية الفكرية والسياسية من حيث هو مقرّ مؤقّت لمجلس القرار، تتجلّى أهمّيته الاستراتيجية والوطنية في أنّه وضع عنواناً وحيداً للبحث ودعوة صريحة للخلاص ووصفة سحريّة للإنقاذ مختصرة بكلمتين “طبّقوا الطائف”.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…