حفلت الساعات الـ48 الماضية بسيل من الكتابات والمقالات والتعليقات السياسية التي تتّصل بـ”مؤتمر الطائف 33″، الذي نظّمته السفارة السعودية في لبنان، صباح يوم السبت في قصر الأونيسكو، لمناسبة مرور 33 عاماً على توقيع اتفاق الطائف.
حاولت بعض هذه الكتابات اصطناع “مسلَّمة” تقول إنّ المؤتمر “استثنى” الطائفة الشيعية، وإنّه كان موجّهاً ضدّها. هذا على الرغم من أنّ كلّ المتحدّثين لم يقولوا كلاماً مستفزّاً عن سلاح حزب الله، ولا توجّه أحد بكلام مباشر عن علاقة حزب الله بتهيئة الرأي العام لمؤتمر تأسيسي أو تعديلات في صلب العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، وهو دستور الطائف.
حاول إعلام الحزب والأقلام التي تدور في فلكه القول إنّ الشيعة قاطعوا المؤتمر. المقصود أنّ حزب الله استبعدته المملكة عن الدعوة. لم يكن الحزب مدعوّاً لأنّ السعودية تعتبره تنظيماً إرهابياً، وليس لأنّه شيعي ولا لأنّه يمثّل الشيعة في لبنان.
الشيعة في لبنان أكثر تنوّعاً وأوسع مدىً وأكبر من حزب أو تنظيم. وكان من بينهم العشرات والعشرات من المشاركين، لا يبدأون من الصحافيين والناشطين وأبناء النخبة المثقّفة، ولا ينتهون بالنوّاب والوزراء الحاليين والسابقين.
حفلت الساعات الـ48 الماضية بسيل من الكتابات والمقالات والتعليقات السياسية التي تتّصل بـ”مؤتمر الطائف 33″، الذي نظّمته السفارة السعودية في لبنان، صباح يوم السبت في قصر الأونيسكو، لمناسبة مرور 33 عاماً على توقيع اتفاق الطائف
هل غاب الشيعة فعلاً؟
هنا لائحة بأبرز المشاركين الشيعة، مع صفاتهم ومَن يمثّلون:
– عضو هيئة الرئاسة في حركة أمل، النائب عن البقاع الغربي، قبلان قبلان.
– وزير الزراعة في الحكومة الحالية عن حركة أمل، الدكتور عباس الحاج حسن.
– النائب عن حركة أمل في الضاحية الجنوبية، فادي علامة.
– النائبة عن حركة أمل في مدينة صور بالجنوب، عناية عز الدين.
– الوزير السابق إبراهيم محمد مهدي شمس الدين، نجل رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ورئيس “مؤسسة الإمام شمس الدين للحوار”.
– النائب والوزير السابق، والشاهد على مرحلة “الطائف”، محسن دلّول.
– رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ.
– رئيس الجامعة الإسلامية في لبنان البروفيسور حسن اللقيس.
– مدير عام وزارة الاقتصاد محمد أبو حيدر.
– رئيس “المركز العربي للحوار” الشيخ عباس الجوهري.
– السيّد ياسر إبراهيم، شيخ من وجهاء منطقة النبطية.
والصحافيين والباحثين منهم كاتب هذه السطور، وعلي الأمين، والدكتور حارث سليمان، والعميد الدكتور علي عوّاد والدكتور سلوى الخليل الأمين… وغيرهم الكثير من الأسماء المعروفة.
تضمّ هذه الأسماء نخبة من أركان حركة أمل، التي حازت في الانتخابات النيابية ثلث أصوات المقترعين، ولديها كتلة نيابية من 17 نائباً في البرلمان، ويرأسها رئيس مجلس النواب اللبناني، وذلك في تأكيد ذكيّ من حركة أمل على انضوائها ضمن النسيج اللبناني الذي كان حاضراً في المؤتمر.
لا ضرورة للتعريف بمحسن دلّول، وبإبراهيم شمس الدين، والشيخ الجوهري، وعلي الأمين وعوّاد… إضافةً إلى أسماء صحافيين وناشطين معروفين بمواقفهم، من أصحاب الرأي.
هؤلاء يمثّلون طيفاً كبيراً من الطائفة الشيعية.
حاول الكتّاب المتحمسون لحزب الله، في المواقع والجرائد، تغيير المعطيات و”اللعب” بأسماء من حضروا ومن غابوا، لمحاولة القول إنّ المؤتمر كان يمثّل فئة من اللبنانيين دون غيرها، أو طائفة دون أخرى
حزب الله ليس “الشيعة”
الشيعة لا يختصرهم حزب الله، الذي حصل على 30% من أصوات مقترعيهم في انتخابات 2022. وإذا غاب الحزب، فذلك لأنّ الجهة الداعية تعتبره أحد المخطّطين لتعديل اتفاق الطائف واللعب بقواعد العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، بناءً على اختلاف أرقام الولادات والوفيات والهجرات، وأعداد الصواريخ في المخازن والمقاتلين في الزواريب.
كان هناك ممثّل عن الشيعة في الحكومة ونواب عن الشيعة، منتخبون من القاعدة الشيعية، في البقاع والجنوب والضاحية. وحضر أيضاً عدد كبير من أطياف النخبة الشيعية، من كتّاب ومثقّفين وصحافيين وأصحاب رأي، إضافة إلى شيوخ وغيرهم… وبالتالي فإنّ المقالات التي تحدّثت عن “مقاطعة شيعية” واستخدمت حجّة غياب الرئيس حسين الحسيني، وهو أحد أركان اتفاق الطائف، حين كان رئيس حركة “أمل”، فهي حجّة لاغية، لأنّ السفير السعودي زار الرئيس الحسيني، الذي شدّ على يده، واعتذر عن عدم المشاركة لأنّ وضعه الصحّي لم يعد يسمح له بالتنقّل، وهذا “نصف الحقيقة”، الذي هو أقرب إلى الكذبة، حين تحدّث صحافيون عن اعتذار الحسيني، من دون ذكر أسباب الاعتذار.
حاول الكتّاب المتحمسون لحزب الله، في المواقع والجرائد، تغيير المعطيات و”اللعب” بأسماء من حضروا ومن غابوا، لمحاولة القول إنّ المؤتمر كان يمثّل فئة من اللبنانيين دون غيرها، أو طائفة دون أخرى.
حاول هذا الإعلام القول إنّ الرئيس نبيه برّي أرسل النائب السنّيّ عبد الكريم كبّارة ليمثّله، مع تجاهل كلّ الذين سبق ذكرهم أعلاه.
إقرأ أيضاً: السعودية تكرّس طائف العروبة بالسياسة والعِلم…
الشيعة اللبنانيون كانوا في الأونيسكو إلى جانب السُنّة والمسيحيين والدروز والعلمانيين… تحت سقف اتفاق الطائف، إلى جانب اللبنانيين الآخرين، الذين يشتركون في الإيمان بالعقد الاجتماعي، وبالشراكة، وليس بالاستقواء بعدد الولادات والوفيات.