“الاتّهامات المتبادلة بين السعودية والولايات المتحدة لا تفيد مصالح أيٍّ من البلدين. والأفضل للأمن القومي للولايات المتحدة أن تركّز أميركا على دعم رغبة الشعب الإيراني في تغيير النظام مع إصلاح العلاقة الأساسية مع السعوديين”، هذا ما خلص إليه الدكتور إريك ماندل، مدير شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط MEPIN (من مهمّتها تقديم المشورة لأعضاء الكونغرس الأميركي في ما يتّصل بالسياسات الشرق أوسطية).
هذه الخلاصة خرج بها ماندل بعد لقاءات عدّة أجراها في المملكة العربية السعودية شملت مسؤولين في وزارة الخارجية، دبلوماسيّين وخبراء في مكافحة الإرهاب، ورئاسة أمن الدولة، وخبراء من المعهد الدولي للدراسات الإيرانية “رصانة”.
لكنّ الأهمّ منها هو تأكيد الباحث على صحّة الرأي السعودي القائل بأنّ أميركا – جو بايدن منحازة بالكامل لإيران، لهاثاً خلف اتفاق نووي معها سيطلق يدها “لإبادة السعودية” مع تريليون دولار، في حين تتشدّد هذه الإدارة مع السعوديين، متجاهلةً “التحوّل العميق في المملكة التي غيّرت الموقف المتشدّد لرجال الدين ليصبحوا أكثر تسامحَا ويدينون التطرّف”.
السعودية، كما قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية السعودية لماندل، “هي الهدف الأوّل لإيران”، والسعوديون يعتبرون جمهورية إيران الإسلامية “ثورة وليست دولة”
تهديد إيراني وجودي
كتب ماندل في صحيفة “The National Interest” عن زيارته السعوديّة معلناً أنّ هدفها هو إعادة فهم وجهات نظر المسؤولين السعوديين بشأن التهديد الإيراني ورؤيتهم للعلاقة المتضرّرة مع الولايات المتحدة: “بالنسبة إلى الكثيرين في أميركا، تشوّهت صورة السعودية بشكل لا يمكن إصلاحه بسبب أحداث 11 أيلول، وحظر النفط العربي عام 1973، ومقتل الصحافي جمال خاشقجي، والرفض الأخير لطلب الرئيس جو بايدن ضخّ المزيد من النفط قبل انتخابات التجديد النصفي. بل إنّ السيناتور بيرني ساندرز صرّح لشبكة ABC News: أنا لا أعتقد أنّه يجب أن نحافظ على علاقة دافئة مع نظام كهذا”.
وأضاف ماندل: “من ناحيتهم، يعتقد السعوديون أنّ أميركا لا تقدّر حجم التهديد الذي تشكّله إيران للمملكة. يرى السعوديون بلادهم في مرمى نيران المرشد الأعلى، ومحطّ رغبة إيرانية ليس فقط في الاستيلاء على الموارد الطبيعية السعودية، بل وفي الرغبة بالسيطرة الشيعية، بدل السنّيّة، على مكّة والمدينة”.
السعودية، كما قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية السعودية لماندل، “هي الهدف الأوّل لإيران”، والسعوديون يعتبرون جمهورية إيران الإسلامية “ثورة وليست دولة”.
وتابع ماندل أنّ “السعوديين يرون أنّ لدى الولايات المتحدة ازدواجية في المعايير. فقضيّة قتل الصحافي خاشقجي، التي استمرّت بالانشغال بها، والتي ألحقت بحقّ ضررَا بالغَا بسمعة الحكومة السعودية، لا تضاهي أبدَا فظاعة وحجم مشاركة إيران في الإبادة الجماعية السورية، التي راح ضحيّتها مئات الآلاف. ففيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني يعمل مباشرة تحت سيطرة آية الله علي خامنئي. ومع ذلك، لم تصدر دعوات أميركية إلى جعل المرشد الأعلى لإيران منبوذَا”.
إزدواج أميركي
وأشار ماندل إلى أنّ “السعوديين لا يفهمون كيف يتعامل المفاوضون النوويّون بأقصى درجات الاحترام في فيينا مع نظام إيراني يدعو إلى “موت أميركا”، بينما يتمّ في الوقت نفسه توبيخ الحكومة السعودية علنَا، على الرغم من أنّها، في نظر السعوديين، لا تُظهر أيّ عداء علني عامّ تجاه أميركا أو شعبها. يرى السعوديون أيضَا أنّ التوسّع الإيراني يقوّض لبنان واليمن وسوريا والعراق، لكن لا يثير الأمر غضب الولايات المتحدة. من وجهة نظرهم أيضَا أنّ العرض الأميركي البالغ نحو تريليون دولار لتخفيف العقوبات مقابل اتفاق نووي سيّئ يمثّل تهديدَا وجوديَّا لمملكتهم. وبحسب قول خبير الشرق الأوسط خالد أبو طعمة، يتساءل السعوديون وحلفاؤهم الخليجيون: لماذا يهدّدهم بايدن بـ”عواقب” لمحاولتهم حماية أنفسهم من الإبادة الوشيكة على يد إيران؟”.
لكنّ أكثر ما يزعج السعوديين، كما لمس ذلك ماندل في لقاءاته في المملكة، هو “عدم احترام الولايات المتحدة الشعب السعودي الفخور والمستقلّ، سواء تمّ التعبير عن عدم الاحترام هذا من خلال التصريحات الغاضبة أو التعالي”. فهذا الموقف بالنسبة إليهم “يشبه علاقة ازدراء بين رئيس ومرؤوس، وهي معاملة تسيء بشكل خطير إلى حساسيّتهم الثقافية”.
ويتابع كلامه قائلَا: “هم يرون أيضًا أنّ الطلب الأميركي بتفضيل الولايات المتحدة على الصين وروسيا أمر غير واقعي، لأنّ الصينيين هم أهمّ شريك تجاري لهم، وروسيا عضو في “أوبك بلاس”.
لكن عندما كرّروا الحجّة السعودية التي مفادها أنّهم يمثّلون دولة واحدة فقط من 23 دولة في “أوبك بلاس”، ذكّرهم ماندل بأنّهم “في الماضي قاموا بخفض إنتاج النفط من جانب واحد لخدمة المصالح الأميركية، متجاوزين دول أوبك. فلم يكن لديهم ردّ على ذلك. هم يحتاجون إلى إظهار بعض المرونة لأنّهم يعرفون أنّه يجب الحفاظ على أنظمة أسلحتهم الأميركية وتحديثها، ولا يمكنهم الانتقال بسرعة إلى الصين”.
يستغرب السعوديون عدم تقدير الولايات المتحدة التحوّل العميق في المملكة التي غيّرت الموقف المتشدّد لرجال الدين ليصبحوا أكثر تسامحَا ويدينون التطرّف
أميركا ونبذ التطرف
بحسب ماندل، “يستغرب السعوديون عدم تقدير الولايات المتحدة التحوّل العميق في المملكة التي غيّرت الموقف المتشدّد لرجال الدين ليصبحوا أكثر تسامحَا ويدينون التطرّف. وقد كانت زيارة الأمين العام السعودي لـ”الرابطة الإسلامية العالمية”، إلى معسكر اعتقال برفقة اللجنة اليهودية – الأميركية، خطوة رمزية لا ينبغي الاستهانة بها، ودليل تغيير مرحّب به بعد حملات الدعوة إلى اعتناق الديانة الإسلامية التي موّلتها السعودية في القرن العشرين، والتي اعتُبرت مسؤولة عن تطرّف المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم”.
“لذلك لدى محمد بن سلمان بعض الأسباب المشروعة للتظلّم”، بحسب تعبير رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات كليفورد ماي لماندل: “فبعدما تعهّد بايدن بجعل محمد بن سلمان منبوذَا، وأزال الحوثيين المدعومين من إيران عن لائحة الإرهاب، تشكّك السعوديون في التزام أميركا بالعلاقة مع السعودية، خاصة أنّهم انزعجوا بالقدر نفسه من تجاهل الرئيس دونالد ترامب الهجوم الإيراني على منشآتهم النفطية ومن إزالة صواريخ باتريوت الأميركية من أنظمتهم الدفاعية”.
وخلص ماندل إلى القول إنّ “الاتّهامات المتبادلة ليست السبيل السليم للتقدّم بالنسبة إلى المصالح الأميركية والسعودية على حدّ سواء، بل إنّ مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة تستوجب منها أن تركّز على دعم رغبة الشعب الإيراني في تغيير النظام مع إصلاح علاقتها الأساسية مع السعوديين”.
*الدكتور إريك ماندل: مدير شبكة المعلومات السياسية في الشرق الأوسط MEPINالتي توفّر المعلومات والاستشارات لأعضاء الكونغرس ومساعديهم في ما يتعلّق بتطوّرات السياسة الخارجية، وخاصة ما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط. وهو كبير محرّري شؤون الأمن في “جيروزاليم ريبورت”. ويكتب في صحيفة “ذو هيل” (The Hill) الأميركية التي تركّز على شؤون السياسة الخارجية، وفي صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية.
لقراءة النص الأصلي: إضغط هنا