السيّد في الترسيم كالأسد في عاصفة الصحراء؟

مدة القراءة 5 د

يعود معاصرو حقبة التسعينيّات من القرن الماضي بالذاكرة إلى التحوّلات التي عرفها لبنان في تلك الحقبة، وفي مقدَّمها اتفاق الطائف الذي يجري اليوم الاحتفال بمرور 33 عاماً على ولادته، ويرون أنّ هناك وجه شبه بين تلك التحوّلات وبين مثيلتها اليوم جرّاء الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل.

خدمات متبادلة

في حديثه عن فترة التسعينيّات، يروي وزير سابق شارك في الحكومة اللبنانية الأولى في عهد رئيس الجمهورية الأسبق الياس الهراوي، كيف نال الرئيس السوري حافظ الأسد تفويضاً أميركياً بأن يكون وصيّاً على لبنان لقاء مشاركته في “حرب الصحراء” الأميركية التي أخرجت الجيش العراقي أيام الرئيس صدام حسين من الكويت التي غزاها عام 1990. وبفضل هذا التفويض أخرجت طائرات الأسد بدورها قائد الجيش العماد ميشال عون من قصر بعبدا إلى المنفى في باريس لمدّة 15 عاماً.

عندما يجري الحديث عن “حزب الله” يكون الكلام فعليّاً عن إيران التي لها الكلمة الأخيرة في ما يقرّره حزبها في القضايا المصيرية

بداية، يقول الوزير السابق: “عندما دخل جيش صدّام حسين الكويت، حاول حافظ الأسد إقناعه بالانسحاب. وكلّف الوزيرة نجاح العطّار كتابة سلسلة مقالات قالت فيها إنّ سوريا ستقف إلى جانب العراق إذا انسحب من الكويت. لكنّ الرئيس العراقي لم يستجِب دعوة نظيره السوري. وقد شعر الأسد وقتذاك بأنّ خطراً يتهدّد نظامه إذا نجح صدام في غزوه. فالنظام العراقي قد يتمدّد إلى أقطار عربية أخرى، بينها سوريا، لتصفية حساباته معها. في تلك الآونة، كانت واشنطن تسعى إلى حشد التأييد لحربها ضدّ الغزو العراقي، وكان يكفيها مشاركات عربية رمزية في تلك الحرب كي تعطي لحربها مشروعيّة في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا طرح وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر على الأسد، عندما زار دمشق ممثّلاً الرئيس جورج بوش الأب، فكرة المشاركة في “عاصفة الصحراء”. وهذا الاسم الذي أطلقته الولايات المتحدة على حرب تحرير الكويت. وهنا سأل الرئيس السوري زائره الوزير الأميركي عمّا ستناله دمشق من مشاركتها في الحرب تحت راية الولايات المتحدة، فردّ الوزير بيكر سائلاً: وماذا يطلب سيادتكم؟ فأجابه الرئيس السوري: “ما أطلبه هو موافقة الإدارة الأميركية على إطلاق يد سوريا في ترتيب أوضاع لبنان بعد اتفاق الطائف”.

عقدة إزاحة عون

يخلص الوزير السابق إلى القول: “وافقت واشنطن بعد زيارة بيكر لدمشق على إطلاق يد الأسد في لبنان مقابل المشاركة السورية الرمزية في حرب الصحراء”. ويلفت إلى أنّ العلاقات الأميركية – السورية تطوّرت نحو الأفضل بعد حرب الصحراء، وتحديداً بعد لقاء الرئيس بيل كلينتون مع الرئيس حافظ الأسد في جنيف عام 1994. ويروي الوزير عينه، بحكم علاقاته الوطيدة مع دمشق، أنّه سعى إلى معرفة نتائج لقاء كلينتون – الأسد من صديقه اللواء غازي كنعان. وقد أبلغه الأخير بعد لقائه الأسد: “حصلنا على 10 أعوام أخرى للبقاء في لبنان”.

بالطبع، لم يكن الجنرال ميشال عون الذي تمترس في قصر بعبدا، رافضاً مغادرته بعد اتفاق الطائف، يعلم بما يجري الإعداد له لإخراجه بالقوّة من القصر الرئاسي. ومرّة أخرى يروي الوزير السابق أنّه بعد اغتيال رينيه معوض في 22 تشرين الثاني عام 1989، وهو رئيس الجمهورية الأوّل بعد اتفاق الطائف، جرت اتصالات لانتخاب خلف له، فجرى استدعاء جان عبيد من فرنسا على متن طائرة رفيق الحريري الخاصة، وطُرح عليه أن يكون رئيساً للجمهورية، فقال إنّه لا يتحمّل وزر إزاحة الجنرال المتمرّد، واقترح بدلاً منه الرئيس سليمان فرنجية، على أن يكون هو (أي عبيد) الرئيس التالي. تدخّل الرئيس حسين الحسيني، واصطحب معه الوزير السابق بيار حلو إلى دمشق، فرفض حلو بدوره مسؤولية التخلّص من العماد عون. وأخيراً اتصل غازي كنعان بالوزير السابق الياس الهراوي، ثمّ عُقد لقاء مع نائب الرئيس السوري الأسبق عبد الحليم خدام، وتالياً مع الأسد، فوافق الهراوي على إزاحة عون من قصر بعبدا مهما كان الثمن.

في خلاصة هذه الذكريات، يقول الوزير السابق إنّ التغطية الأميركية للدور السوري في لبنان كانت حاسمة في أن يمضي لبنان قرابة 15 عاماً في ظلّ دستور الطائف، ويتمتّع بحالة من الاستقرار أدّت إلى إطلاق إعادة إعمار لبنان بقيادة الرئيس رفيق الحريري بإسناد مباشر من المملكة العربية السعودية.

كانت توجد نيّة لتأخير الترسيم البحري إلى ما بعد ولاية الرئيس عون، كي لا يوظّف الأخير الترسيم في الانتخابات الرئاسية لمصلحة صهره جبران باسيل

حزب الله يرث الأسد؟

نصل اليوم الى زمن آخر يحتلّ فيه الصدارة على المستوى اللبناني “حزب الله” ومن خلفه إيران. يطرح الوزير السابق السؤال الآتي: هل ينال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله من الأميركيين بعد الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل الذي بذل الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن قصارى جهده كي يتمّ، ما ناله حافظ الأسد من وصاية على لبنان استمرّت إلى ما بعد وفاته، بعد مشاركته في الحرب الأميركية لتحرير الكويت؟

بالطبع، عندما يجري الحديث عن “حزب الله” يكون الكلام فعليّاً عن إيران التي لها الكلمة الأخيرة في ما يقرّره حزبها في القضايا المصيرية. وهنا يسأل الوزير السابق: هل تريد طهران أن تكون شريكاً أساسياً في اختيار رئيس الجمهورية المقبل، كما كانت في الفترة التي وصل فيها الجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا؟

ما يضيء أكثر على هذا السؤال هو ما حصل عليه “أساس” من معلومات خاصة تشير إلى أنّه كانت توجد نيّة لتأخير الترسيم البحري إلى ما بعد ولاية الرئيس عون، كي لا يوظّف الأخير الترسيم في الانتخابات الرئاسية لمصلحة صهره جبران باسيل. لكنّ “حزب الله” تدخّل بإلحاح أميركي من أجل أن يتمّ الترسيم قبل الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وقبل الانتخابات النيابية في إسرائيل. فكان للحزب ما أراد من خلال ضمان أن يضبط إيقاع الرئيس السابق ميشال عون.

إقرأ أيضاً: طعون الدستوري الـ 10: هل من مفاجآت محتملة؟

إنّها رواية بدأت مع حافظ الأسد ووصلت الآن إلى المرشد الإيراني وهذا تصوّر جدي لكنّه غير مؤكد. وما زال للرواية تتمّة في المرحلة المقبلة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…