فيما لا يبدو شيئاً محسوماً في انتخابات الكنيست اليوم الثلاثاء، تتحدّث أجهزة الأمن “الإسرائيلية” عن إنذارات ساخنة لنيّة مقاومين فلسطينيين: تنفيذ عمليّات في يوم انتخابات الكنيست. ونقلت أجهزة أمن الاحتلال خلال الأيام الماضية نحو 100 “إنذار” استخباراتي باحتمال تنفيذ عمليات انتقامية ضدّ قوات الاحتلال ومستوطنيه في الضفة الغربية، مشيرة إلى أنّ عدداً قياسيّاً من “الإنذارات” تلقّتها أجهزة الاحتلال خلال العام الأخير.
احتمال توزع المقاعد
أظهرت استطلاعات أمس عدم توقّع فوز أيّ من معسكرَيْ الأحزاب المتنافسة في الانتخابات والحصول على 61 مقعداً على الأقلّ، على الرغم من أنّ معسكر أحزاب اليمين في المعارضة قريب من ذلك. بينما تبقى أربعة أحزاب – هي ميرتس والعمل والجبهة العربية للتغيير والقائمة الموحّدة – في “منطقة الخطر”. وعدم تجاوز أحدها نسبة الحسم يمنح على الأرجح بنيامين نتانياهو الأغلبيّة المطلوبة لتشكيل حكومة يمينية بقيادته.
وأظهر استطلاع رأي للقناة 12 العبرية تراجع نتانياهو وبيني غانتس. أمّا لابيد وبن غفير وسموتريتش فيزدادون قوّة قبيل الانتخابات، إذ حصل الليكود على 31 مقعداً، بانسحاب مقعد منه لصالح أحزاب أخرى. وأمّا حزب لابيد “يش عتيد”، ثاني أكبر حزب، فحصل على 25 مقعداً، فيما تكتسب قائمة حزب الصهيونية الدينية والقوة اليهودية بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، قوّة على حساب الليكود، لتصبح ثالث أكبر حزب بـ 14 مقعداً. في حين أنّ معسكر الدولة الذي يقوده بيني غانتس تراجع إلى 11 مقعداً بعدما كان له 13 مقعداً. وجاء في أسفل القائمة حزب “شاس” بزعامة أرييه درعي بـ8 مقاعد، و”يهودت هتوراة” بـ7، و”إسرائيل بيتنا” بـ6 مقاعد محقّقاً تقدّماً، فيما حصلت القائمة المشتركة بين حزبَيْ “حداش” و”تعال” بقيادة أيمن عودة وأحمد الطيبي على 4 مقاعد، وحزب “راعم” بقيادة منصور عباس على 4 مقاعد.
أظهر استطلاع رأي للقناة 12 العبرية تراجع نتانياهو وبيني غانتس. أمّا لابيد وبن غفير وسموتريتش فيزدادون قوّة قبيل الانتخابات
الأمن الزراعي
من جهة أخرى، أعلن إيتمار بن غفير أنّه سيطالب بحقيبة الأمن الداخلي في الحكومة المقبلة التي سيشارك في ائتلافها. وقال بن غفير إنّه اتّخذ قراره بالمطالبة بمنصب وزير الأمن الداخلي، لأنّه يملك خطة شاملة، أعدّها بالتشاور مع مختصّين وقادة سابقين في جهاز الشرطة. ترتكز الخطة على خمس نقاط مركزية: تعديل تعليمات إطلاق النار على الفلسطينيين، ومنح حصانة قانونية لضبّاط وعناصر الشرطة، وتشديد ظروف الأسر على أعضاء الحركة الوطنية في سجون الاحتلال، وشنّ حملة على ما وصفه بـ”الإرهاب الزراعي”، وتوفير الأسلحة الشخصية، ومن بينها البنادق، للجنود وعناصر الشرطة المسرَّحين.
تأتي تصريحات بن غفير في أعقاب الهجوم الذي شنّه نتانياهو على رئيسَيْ قائمة الصهيونية الدينية سموتريتش وبن غفير، في أعقاب تزايد قوّة هذه القائمة في الاستطلاعات. واعتبر نتانياهو أنّ من يُصوِّت لـ”الصهيونية الدينية” يصوِّت فعليّاً لرئيس حزب “ييش عتيد” يائير لابيد. وكان موقع “والا” الإلكتروني قد كشف في تسجيل صوتي هذه الأقوال التي صرّح بها نتانياهو، الذي أضاف أنّ “من يقول إنّه يريد دعمي بواسطة زيادة قوّة سموتريتش بمقعد أو اثنين، فإنّه بشكل متناقض يصوّت للابيد”.
وبرز اسم بن غفير في الأحزاب اليهودية المتطرّفة بدءاً من حزب “موليدت” الذي دعا إلى تهجير المواطنين العرب من إسرائيل، مروراً بـ”كاخ” الإرهابي الذي دعا أيضاً إلى التهجير القسري للعرب، وصولاً إلى “الصهيونية الدينية” الذي أدخل بن غفير الكنيست في نيسان 2021.
لابيد والناخب العربي
في السياق عينه، حاول رئيس وزراء الاحتلال، يائير لابيد، حثّ المواطنين العرب في الداخل المحتلّ عام 1948 على المشاركة في التصويت في انتخابات الأسبوع المقبل. وذلك خلال زيارته لمدينة الناصرة شمال فلسطين المحتلّة، والاجتماع بالعديد من رؤساء السلطات المحليّة العربية.
حسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”، يُتوقّع أن تكون نسبة التصويت العربية في الانتخابات منخفضة، لأنّ الكثير من الناخبين العرب يشعرون بـ”اليأس من العثور على حزب يعطيهم دافعاً للتصويت له”. وأشار الموقع إلى أنّه في الوقت الذي يسعى لابيد إلى رفع نسبة التصويت لدى الناخبين العرب، يسعى نتانياهو إلى “تنويم الشارع العربي”. ونقل مقرّبون من نتانياهو قوله إنّه “متفائل، وبات يشتمّ رائحة الانتصار”. ولكنّ مشكلة نتانياهو الكبرى موجودة داخل معسكره، وتتمثّل في قائمة “الصهيونية الدينية”، بعدما كشف تسجيل صوتي أنّ رئيسها بتسلئيل سموتريتش وصف نتانياهو في اجتماع مغلق بأنه “كذّاب ابن كذّاب” و”مصيبة”.
حسب موقع “تايمز أوف إسرائيل”، يُتوقّع أن تكون نسبة التصويت العربية في الانتخابات منخفضة، لأنّ الكثير من الناخبين العرب يشعرون بـ”اليأس”
انفجار سياسي في الليكود
من جهته يرى وزير المالية، أفيغدور ليبرمان، أنّه إذا لم يصل تحالف نتانياهو إلى 61 مقعداً فسيكون هناك انفجار سياسي في “الليكود” على شكل انسحاب نواب من الكتلة أو إطاحة نتانياهو من رئاسة الحزب.
على الرغم من أنّ سياسة الهويّة، التي تقسّم المجتمع في إسرائيل، باتت هي الأولويّة وليس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لكن لا يمكن حسب الكاتب الإسرائيلي هارئيل تجاهل الدور المهمّ للنزاع الفلسطيني في التطوّرات، حتى لو كانت أغلبية المصوّتين تفضّل إبعاده. وعلى الرغم من أنّه سيكون هناك من سيقولون إنّ الفلسطينيين لم يكونوا مستعدّين للاتفاق في كلّ الأحوال، لكنّ موجة “الإرهاب”، التي بدأت بعد اتفاقات أوسلو وبلغت الذروة في الانتفاضة الثانية، رسّخت الخوف في أوساط الجمهور الإسرائيلي من عواقب المزيد من الانسحابات في “المناطق”، إلى جانب تأثير التغيّرات الديموغرافية، وجعلت الخارطة السياسية تتحرّك نحو اليمين، ربّما بصورة لا رجعة عنها. لذلك تمّ تمهيد الطريق لحكم بنيامين نتانياهو الطويل، وهو الشخص الذي وعد الإسرائيليين بأنّه يعرف كيفية الحفاظ على أمنهم الشخصي.
لقد انتهجت حكومة لابيد المنتهية ولايتها خطوطاً سياسية طمست سياسات الهويّة التقليدية لليسار، ولا سيّما في المجال السياسي. إذ اعتمدت إلى حدّ بعيد على تصوّرات حكومات نتانياهو، الذي يبدو ظاهرياً شخصاً يمينياً بارزاً، وصاحب خطاب يميني صارم، لكنّه عمليّاً زعيم انتهج سياسة وسطية براغماتية واقعية في كلّ المجالات تقريباً. فقد أظهرت حكومات نتانياهو قدرة على المناورة في المجال السياسي – الأمني بين موقف علني نشط وبين سلوك حذر في مواجهة إيران و”حماس” و”حزب الله”.
إقرأ أيضاً: الانتخابات الاسرائيلية: هل تكون العمليات الفدائية الناخب الأكبر؟
يخشى المراقبون – إذا فشلت الأحزاب العربية في أعقاب نسبة التصويت المنخفضة – من تضاءل التمثيل العربي في الكنيست، ومن شأن ذلك أن يجعل المجتمع العربي قريباً من اشتعال آخر يندمج فيه التوتّر مع الغضب المتزايد من عجز الحكومة والشرطة عن مواجهة منظّمات الجريمة.
*كاتبة فلسطينية