مزارع شبعا “سَمَكيّة” عالِقة مع إسرائيل؟

مدة القراءة 8 د

قبل أن تنتهي “الاحتفالات” بالترسيم البحري مع إسرائيل، خَرَقَ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله “مهرجان” الانتصار البحري المُمتدّ من بعبدا إلى عين التينة بتأكيد “وجود مربّع لا يزال “عالقاً ومحتلّاً” من العدوّ، وعلى لبنان الشعب والدولة والمقاومة العمل على تحريره”.

هكذا خَرج موكب عون الرئاسي من بعبدا أمس على وقع “غصّة” عدم اكتمال الترسيم مع إسرائيل إثر تأكيد نصرالله “وجود مربّع مساحته 2.4 كلم مربّع خلف النقطة 20 في مياهنا الإقليمية اللبنانية غير محرّر”.

هي “مزارع شبعا” ثانية، بحرية، حَجَز فيها حزب الله دوراً لا يمكن فصله إطلاقاً عن مهمّة بتّ ملف الترسيم البحري مع قبرص وسوريا، في ظلّ توقّع كثيرين أن تكون المفاوضات مع دمشق “صعبة ومعقّدة” ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدور الروسي في لبنان وسوريا، وبالتسويات في المنطقة بشكل عام.

حَصَر القرار الحكومي الصادر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال، بناءً على النصوص القانونية، رئاسة اللجنة بوزارة الأشغال وعضوية ممثّلين عن وزارات الخارجية والطاقة والدفاع وهيئة إدارة قطاع البترول

تشير معلومات “أساس” إلى أنّ هذا المربّع غنيّ بالثروة السمكية التي لا تقلّ أهمية عن الثروة النفطية والغازية، والكفيلة بنقل لبنان إلى موقع متقدّم جداً ومنتج على هذا المستوى، وسينشر الموقع قريباً معطيات أكثر عن هذا الملف.

لكنّ السؤال الأهمّ: لماذا تغاضى حزب الله طوال الفترة الماضية عن كشف أهميّته السيادية والاقتصادية والماليّة أو حتّى المطالبة بعدم حسم اتفاق الترسيم البحري قبل بتّ المساحة السمكيّة الضائعة على لبنان وعدم ترك هذا الجَيب عالقاً إلى مرحلة أخرى من المفاوضات قد لا تقبل بها إسرائيل أصلاً؟

عون: سوريا غير جاهزة

حَرص رئيس الجمهورية ميشال عون قبل نهاية ولايته الرئاسية اليوم على الانتقال السريع من الترسيم البحري المُنجَز مع إسرائيل إلى الترسيم البحري العالق شمالاً مع سوريا وغرباً مع قبرص.

“فُرِجت” مع قبرص و”تعقّدت” مع سوريا مع اعتراف رسمي صريح من عون: “تأجّل الموعد (زيارة الوفد اللبناني الذي عيّنه برئاسة الياس بو صعب لسوريا) لأسباب ربّما لا نعرفها، لكن أعتقد أنّ الجانب السوري غير جاهز بعد، والمفاوضات حتّى مع الأصدقاء تكون صعبة”. مع العلم أنّ عون كان وصف المفاوضات مع سوريا قبل تأجيل زيارة “وفد بو صعب” بـ”الأخويّة”.

اكتمل المشهد مع القرار الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء بعد ظهر الجمعة، الذي كشفت عنه “أساس” قبل أيام، والمتعلّق بـ”تشكيل لجنة لتحضير وإعداد مشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة من الجهتين الغربية والشمالية”، بناءً على ثلاثة مراسيم خلاصتها “إعادة ترسيم” الحدود من قبل الجهة المخوّلة صلاحيّة الإمساك بهذا الملف من بدايته.

حَصَر القرار الحكومي الصادر عن رئيس حكومة تصريف الأعمال، بناءً على النصوص القانونية، رئاسة اللجنة بوزارة الأشغال وعضوية ممثّلين عن وزارات الخارجية والطاقة والدفاع وهيئة إدارة قطاع البترول.

تؤكّد معلومات “أساس” أنّه “على الرغم من حماسة ميقاتي للقرار فإنّه كان يعتزم إصداره بعد انتهاء ولاية عون، لكنّ الوزير علي حمية ضغط بقوّة، بالتنسيق مع مرجعيّته السياسية، لإصداره يوم الجمعة بسبب تقريب الوفد القبرصي موعد وصوله إلى لبنان من يوم الإثنين المقبل إلى يوم الجمعة، بضغط من الرئيس عون وجبران باسيل اللذين أصرّا على القبارصة القدوم إلى بيروت قبل مغادرة عون القصر الجمهوري”.

تشير معلومات “أساس” إلى أنّ هذا المربّع غنيّ بالثروة السمكية التي لا تقلّ أهمية عن الثروة النفطية والغازية، والكفيلة بنقل لبنان إلى موقع متقدّم جداً ومنتج على هذا المستوى، وسينشر الموقع قريباً معطيات أكثر عن هذا الملف

سوريا مُستَفَزّة

تقتضي مهمّة اللجنة، وفق القرار، على إجراء ما يلزم في سبيل إعداد مشاريع تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص وسوريا، ويمكن للّجنة “الاستعانة بمن تراه مناسباً من الإدارات العامة والمؤسسات العامة وأهل الاختصاص في سبيل إنجاز مهمّتها، وترفع تقارير دوريّة إلى رئيس مجلس الوزراء الذي يعرضها عند الاقتضاء على مجلس الوزراء”.

يبقى هذا القرار ساري المفعول مع أيّ حكومة أو حكومات مقبلة ومهما كانت هويّة الوزراء المعنيّين به، وقد أتى، قصداً، فوق “ركام” القرار الرئاسي المتسرّع والمفاجئ من قبل عون بتأليف وفد برئاسة بو صعب للتفاوض مع سوريا حول ترسيم الحدود البحرية شمالاً.

وفق المعلومات، أثارت خطوة بعبدا استفزاز الجانب السوري على خلفيّة اختيار بو صعب تحديداً لهذه المهمّة، فجاءت “التخريجة” السورية برفض استقبال الوفد المعنيّ بعيدة عن الدبلوماسية والعلاقات الأخويّة.

في الداخل استفزّت الخطوة الرئيس ميقاتي الذي استمع، وفق المعلومات، إلى ملاحظات فريقه القانوني واطّلع منه على النصوص القانونية التي تؤكّد صلاحية السلطة التنفيذية متابعة هذا الملف، مع تذكير من ميقاتي لبو صعب: “لديك أيام قليلة فقط لتفعل ما تشاء وبعدها ستكون هناك مقاربة قانونية مختلفة للموضوع”. يُذكر أنّ بو صعب أكّد أنّ “ميقاتي كان في جوّ تأليف الوفد وطلب ضمّ عضو هيئة إدارة قطاع البترول وسيم شباط إليه”.

الرئيس… مرؤوس

بدأت الترجمة العملية للقرار بعد ظهر يوم الجمعة بُعيد صدور القرار. فقبل الظهر زار الوفد القبرصي رئيس الجمهورية بحضور الوفد اللبناني الذي عيّنه عون، لكن لم يصمد سوى ساعات بعد رفض دمشق استقباله، وصدرت التوجيهات الرئاسية بـ “حصرية” وزارة الأشغال بإدارة التفاوض مع الوفد الجديد المعنيّ بملف الترسيم.

هذا ما حصل بالفعل مع اجتماع الوفد القبرصي لاحقاً في مكتب الوزير علي حمية الذي تخوّله صلاحيّاته إبلاغ رئيس الجمهورية بفحوى اللقاء، لكن تكفّل بذلك بو صعب الذي سينتهي دوره في الملف فور مغادرة عون قصر بعبدا، إلا إذا ارتأى الرئيس نبيه برّي ضمّه إلى عداد الوفد الجديد، لكن ستصبح الآية معكوسة: فبعدما كان بو صعب رئيساً للوفد ورئيساً على وزير الأشغال، أصبح الأخير رئيساً للوفد وبو صعب عضواً فيه.

يقول مصدر في الوفد الوزاري لـ”أساس” إنّ “مسألة الترسيم مع قبرص غير معقّدة لأنّها ترتبط بعملية حسابية ضرورية بعد تغيير الإحداثيات مع إسرائيل”.

وفق المعلومات، أثارت خطوة بعبدا استفزاز الجانب السوري على خلفيّة اختيار بو صعب تحديداً لهذه المهمّة، فجاءت “التخريجة” السورية برفض استقبال الوفد المعنيّ بعيدة عن الدبلوماسية والعلاقات الأخويّة

نصرالله: ربط نزاع

لكنّ المشكلة الكبرى لم تنتهِ بعد. فقد تقصّد السيد حسن نصرالله في خطابه مساء السبت عدم التطرّق إلى ملف الترسيم مع سوريا، فيما أكّد أنّ “حصّة لبنان من المنطقة الاقتصادية الخالصة بعد الترسيم مع قبرص قد توسّعت”.

الأهمّ أنّ نصرالله قام بربط نزاع في ملف الترسيم البحري مع إسرائيل من خلال التأكيد أنّ لبنان “حصل على كلّ ما أراده باستثناء أمر واحد بقي عالقاً، وهو مربّع صغير مساحته 2.4 كلم مربّع”.

وقال: “هذه مساحة من مياهنا الإقليمية اللبنانية، وهي محتلّة من العدوّ، وعلى لبنان الشعب والدولة والمقاومة العمل على تحريرها. وحيث يقول البعض إنّ لبنان حصل على 95%، فهو لا يبالغ لأنّ هذه المنطقة بقيت عالقة”.

وفق معلومات “أساس” سيطلّ منسّق الارتباط في حزب الله الحاج وفيق صفا في مقابلة على “المنار” يوم الإثنين ليتحدّث عن ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل وقبرص وسوريا، إضافة إلى أزمتَيْ الحكومة والرئاسة.

بو صعب: سأتابع الترسيم مع قبرص وسوريا

على مستوى ذيول ملف الترسيم البحري مع إسرائيل التي لم تنتهِ بعد، توقّف مراقبون عند كلام بو صعب الأخير لموقع “المدن” الذي أشار فيه إلى نقطتين: وردت الأولى في قوله: “كان هناك العديد من الشخصيات المتابعة لهذا الملف. ولكن فيما بعد بدأ انحسارهم إلى أن استمررت أنا بالمهمّة”، وتتعلّق الثانية باستمراره في متابعة ملفّيْ ترسيم الحدود مع سوريا وقبرص:

– في النقطة الأولى يشير متابعون إلى أنّ “كلام بوصعب صحيح، إذ إنّ عمل المفاوضين الحقيقيين، وعلى رأسهم اللواء عباس إبراهيم، توقّف فعلاً حين انتهت المفاوضات في شقّها الجوهري. ومَن أكمل، أي بو صعب، صرف جهداً في تعديل بعض الكلمات الواردة في اقتراح (proposal) هوكستين”.

يطرح هؤلاء سؤالاً: هل عَرَف أحد مَن هو المفاوض الإسرائيلي؟ طبعاً لا. لأنّ من أساسيات التفاوض في ملفات كهذه عدم ذكر اسم المفاوض الحقيقي وعدم “احتلاله” الشاشات. لذلك يمكن وصف من يقوم بهذا الدور بالـ”spokesman”.

إقرأ أيضاً: “اتفاقات أبراهام” تمرّ من الناقورة…

في هذا السياق تشير معلومات إلى أنّه خلال اللقاء الذي سلّم خلاله الوسيط الأميركي عون نصّ الرسالة الأميركية بشأن الاتفاق النهائي حول ترسيم الحدود، قال رئيس الجمهورية له: “هناك جندي مجهول في هذا الملف هو اللواء إبراهيم”، فبادره هوكستين: “أنا الذي أعلم ذلك، وقد أتعبنا كثيراً”، في معرض الإطراء لأدائه المتشدّد في التفاوض.

– النقطة الثانية: على الرغم من تصريح بو صعب فإنّ دوره سينتهي عمليّاً في ملف الترسيم مع قبرص وسوريا لحظة مغادرة عون القصر الجمهوري لأنّ تعيينه مفاوضاً هو نتاج اختيار شخصي لرئيس الجمهورية. وبعد القرار الصادر عن رئاسة الحكومة فإنّ ضمّه إلى الوفد إن حصل سيكون بضغط سياسي ليس أكثر.

مواضيع ذات صلة

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…