التوقيت الصيفي: فكرة “حربية” لتوفير الطاقة

مدة القراءة 4 د

سؤال: لماذا اعتمد العالم نظام تقديم الساعة في نهاية شهر نيسان من كلّ عام، ثمّ تأخيرها من جديد في نهاية تشرين الأول؟

الطاقة والحرب

الجواب: خلال الحرب العالمية الأولى اتّخذت ألمانيا مع حليفتَيْها النمسا وهنغاريا هذا القرار للإفادة من ضوء الشمس وتوفير استهلاك الفحم في الإنارة لاستخدامه في المجهود الحربي. وسارعت بريطانيا إلى اعتماد هذا النظام الجديد الذي وضعه عدوّ لها في ذلك الوقت، وتبعها حلفاؤها الآخرون في الحرب. أمّا الولايات المتحدة فقد تأخّرت في اعتماد هذا النظام حتى عام 1918.

بعدما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، عاد معظم الدول إلى نظام التوقيت السابق. ولكن مع نشوب الحرب العالمية الثانية، عادت هذه الدول مرّة ثانية وللسبب عينه إلى تقديم الساعة طوال سنوات الحرب، ثمّ تخلّت عنه بعد نهاية الحرب. واستمرّ هذا التخلّي حتى السبعينيّات من القرن العشرين عندما انفجرت أزمة الطاقة نتيجة القرار العربي بوقف ضخّ النفط ردّاً على العدوان الإسرائيلي والتواطؤ الغربي مع إسرائيل. منذ ذلك الوقت لم يعد تقديم الساعة إجراءً موقّتاً، بل أصبح نظاماً عالمياً مستمرّاً حتى اليوم.

مرّ على اعتماد العالم نظام التوقيت الصيفي أكثر من قرن من الزمن. وهذا النظام الذي أملته ظروف وضرورات الحرب ما تزال تملي استمراره حتى اليوم حاجات وخيارات السلام

شمس وشموع وحشرات

لا تفيد من هذا النظام في التوقيت الدولُ التي تقع في إطار خطّ الاستواء، حيث تتساوى ساعات الليل والنهار على مدار العام. أمّا الدول الآسيوية فآثرت أن تدير ظهرها له.

غير أنّ الرغبة في تقديم الساعة سابقة لذلك. ففي عام 1780 كان بنجامين فرانكلين سفيراً للولايات المتحدة لدى فرنسا. فاستيقظ باكراً في أحد الأيّام ووجد أشعّة الشمس تتسلّل عبر نافذة غرفة نومه، فكتب رسالة إلى إحدى الصحف الفرنسية يقترح فيها دعوة الباريسيين إلى الاستيقاظ مبكراً لتوفير الشموع، ولم يقترح تقديم الساعة.

لكن في عام 1890 اقترح هذا الأمر عالِم حشرات من زيلندة الجديدة يدعى جورج هيدسون، وذلك من أجل أن يتمكّن من الحصول على وقت أطول لممارسة هوايته في مطاردة وصيد الحشرات.

تبنّى هذه الفكرة مواطن إنكليزي يدعى وليم ويلت، وأيّدها ونستون تشرشل، وكان في مقتبل العمر، وقدّم إلى البرلمان مشروعاً بذلك. لكنّ المشروع لم يفُز بالعدد الكافي من الأصوات، فصُرف النظر عنه. كانت ألمانيا أوّل من تبنّى الفكرة رسمياً، وأوّل من نفّذها. بعد ذلك فقط تبنّت بريطانيا الفكرة، الأمر الذي سهّل تدويلها.

تقليل صدام السيارات

لتبرير اتّخاذ القرار بتقديم الساعة، نشر الكاتب البريطاني ديفيد بريرو دراسة تحت عنوان “استفيدوا من ضوء النهار”، قال فيها إنّ تقديم الساعة يؤدّي إلى تقليل حوادث اصطدام السيّارات خلال ساعات الذروة، وإلى خفض عدد الجرائم لأنّ اللصوص يفضّلون الظلام للعمل، ويحسّن من مستوى المعيشة لأنّ الناس تقضي وقتاً أطول خارج بيوتها فتنفق أكثر على راحتها وسعادتها.

لاقى هذا النظام ترحيباً من رجال المال والأعمال، إلّا أنّه لاقى في الوقت ذاته معارضة واستياء من المزارعين لأنّه يحرمهم من ساعة من الوقت في الصباح لنقل منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق.

إقرأ أيضاً: الطعام في العلاقات الدوليّة

لقد مرّ على اعتماد العالم نظام التوقيت الصيفي أكثر من قرن من الزمن. وهذا النظام الذي أملته ظروف وضرورات الحرب ما تزال تملي استمراره حتى اليوم حاجات وخيارات السلام.

اليوم، مع تجدّد “حرب الطاقة” التي تمارسها روسيا ضدّ أوروبا، والحاجة إلى توفير الطاقة، إذ تتجه دول عديدة إلى خطط غير مسبوقة للتأقلم مع نقص إمدادات الغاز الروسي… يجدّد الحاجة إلى التوقيت الصيفي.

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…