الفوضى آتية: “فخامة الحكومة” تَرِث بعبدا

مدة القراءة 6 د

فَصَلت ساعات قليلة بين تأكيد رئيس الجمهورية ميشال عون علناً بُعيد استقباله الرئيس نجيب ميقاتي صباح الثلاثاء أنّ “الجهات المشاركة في الحكومة تسمّي وزراءها، وعندما يأتي دور “التيار الوطني الحر” في التسمية يحصل التدخّل ويختارون هُم الوزراء وليس الجهة السياسية المعنيّة، وهذا أمر لا يمكن القبول به”، وبين قول مضادّ من جانب النائب جبران باسيل بعد ظهر اليوم نفسه: “ليكفّوا عن رمي الأمور عندنا. نحن لا نريد أن نشارك ولا أن نمنح الثقة وهم يريدون تغطيسنا بالموضوع”.

سورياليّة حكوميّة

لا يعكس هذا التناقض بين الفريق الواحد سوى السورياليّة التي طَبَعت المحاولات الأخيرة لتأليف الحكومة، وقد توزّعت على أكثر من محور:

1- رغبة الرئيس نبيه برّي وميقاتي بتطويق العهد حتى آخر “نَفس”. لم يكن مُمكِناً في هذه الحال تأليف حكومة أو تعويمها بنظر ميقاتي وبرّي إلا بشرطين:

– تعيين وزراء جُدد لا يضعون أكثريّة الحكومة في “جيبة باسيل”، بالتكافل والتضامن مع حليفه حزب الله.

– إجبار رئيس التيار على منح الثقة للحكومة وإلا قد تسقط حكومة ميقاتي في امتحان مجلس النواب، مع رفض سلّة مطالب فاوض عليها باسيل ومن ضمنها توقيع مرسوم التجنيس.

2- رَفض محورعون-باسيل تعويم حكومة لا تحوّل رئيس التيار الوطني الحرّ إلى “مُشارِك” حقيقي في جلسات مجلس الوزراء.

عمليّاً، التضارب العلني والفاضح في مواقف عون وباسيل أثبت أنّ باسيل كان يفاوض “تحت الطاولة” حول الحكومة، إلى أن أعلن أخيراً سحب يده تماماً لكن بالتأكيد لا أحد يُضاهي ميقاتي في المناورة. يُسمِع برّي ما يُحِبّ الأخير أن يَسمعه، ويفعل المِثل مع عون وباسيل إلى درجة تحذيرهما من أنّ برّي “لن يسمح لهما بالشغل”.

من الآن وصاعداً يمكن توقّع حصول كباشٍ لا سابق له منذ التسعينيّات. فبناءً على المعطيات المتوافرة بات من سابع المستحيلات تمرير تأليف الحكومة في ربع الساعة الأخير من نهاية العهد

منح الأوسمة

حتى منح الأوسمة لشخصيّات تصبّ حصراً في خانة مؤيّدي العهد والقريبين من باسيل رفع منسوب التوتّر بين الطرفين.

آخر النماذج مَنح الرئيس عون مدير المغتربين بوزارة الخارجية هادي هاشم، المقرّب جدّاً من باسيل، وسام الأرز الوطني برتبة ضابط “لعطاءاته المميّزة على الصعيدين الدبلوماسي والإداري”. كان باسيل طرح اسم هاشم لتعيينه سفيراً للبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك بعد ترفيعه من الفئة الثانية إلى الفئة الأولى، فيما ترتيبه وفق الأقدميّة يأتي في المرتبة الـ20 بين الدبلوماسيين الموارنة، وذلك ضمن التشكيلات الدبلوماسية التي لم ترَ النور تماماً كما التشكيلات القضائية.

لا رئيس ولا حكومة

من الآن وصاعداً يمكن توقّع حصول كباشٍ لا سابق له منذ التسعينيّات. فبناءً على المعطيات المتوافرة بات من سابع المستحيلات تمرير تأليف الحكومة في ربع الساعة الأخير من نهاية العهد.

عمليّاً، سنكون بدءاً من ليل الإثنين-الثلاثاء المقبل أمام واقع غير مألوف، من دون رئيس ولا حكومة أصيلة، وهو ما قد يضع الداخل اللبناني أمام احتمالات انفجار سياسي أو أمنيّ أو ماليّ أو شعبي… أو ربّما تأقلم مع مرحلة بالغة الحساسيّة سيكون ممرّها الإلزامي انتخاب رئيس للجمهورية يمهّد لإعادة انتظام عمل المؤسسات الدستورية بدءاً من الحكومة، والأرجح مع إبقاء اتفاق الطائف محيّداً عن زوبعة “التعديل” أو “التطوير”.

حتّى الحوار الرئاسي الذي دعا إليه الرئيس برّي بعد مغادرة عون القصر الجمهوري لن يفضي إلى أيّ نتيجة إذا لم يقترن بقرار خارجي يُشبِه قرار بتّ الترسيم البحري مع إسرائيل وسط الفوضى التي يغرق فيها لبنان. فباسيل لم يعطِ الموافقة النهائية على هذا الحوار، إذ وضع أولويّات تبدأ بمشروعيّة الحوار الذي قد تدعو إليه بكركي أو الرئيس عون “قبل يوم الإثنين”، كما قال، فيما أعطى موافقة “مبدئية” على حوار عين التينة.

نزاع الصلاحيّات

مع تأكيد عون وباسيل أنّ حكومة ميقاتي الحالية “هي هيئة دستورية فاقدة لشرعيّتها وميثاقيّتها، وسنمنعها من تسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى”، واصفَيْن هذا الواقع بـ”المجزرة الدستورية التي تؤدّي إلى الفتنة”، فإنّ كلّ المؤشّرات تصبّ في خانة إتمام عون استعدادات الردّ على “العدوان”، كما يَصِفه، إلا إذا حصلت معجزة التوافق على الحكومة.

عمليّاً، يقف فريق قانوني كبير جدّاً إلى جانب عون في رفضه “اغتصاب” حكومة تصريف الأعمال لصلاحيّات الرئاسة الأولى، لكنّ الدراسة التي أفرج عنها الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية في أيلول الماضي قد تشّكل خارطة طريق المرحلة المقبلة حتى مع إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة.

التضارب العلني والفاضح في مواقف عون وباسيل أثبت أنّ باسيل كان يفاوض “تحت الطاولة” حول الحكومة، إلى أن أعلن أخيراً سحب يده تماماً لكن بالتأكيد لا أحد يُضاهي ميقاتي في المناورة

أهميّة الدراسة، وفق المؤيّدين لها، أنّها “لم تستند فقط إلى أحكام الدستور، بل رَكَنت إلى مراجع فقهية واجتهادية لبنانية وفرنسية، والأهمّ أنّ هذا الرأي القانوني يحمل رمزية لأنّه صادر عن موقع رسمي على تماس مباشر بالموضوع، وهو الأمين العام لمجلس الوزراء”.

الحكومة محلّ الرئيس؟

إذا كانت الحكومة في حالة تصريف الأعمال، بقول مكّية: “عملاً بمبدأ استمراريّة المرفق العام وتحاشياً للوقوع في الفراغ أو في فراغ الحُكم، وحرصاً على سلامة الدولة، يحقّ للحكومة المُستقيلة أن تتولّى صلاحيات الرئاسة الأولى وكالةً إلى أن يتمكّن المجلس من اختيار رئيس جديد”.

ويكمل مكيّة: “رأى الفقه أنّ التردّد في تطبيق المادة 62 من الدستور بحجّة أنّ الحكومة مُستقيلة، لا يتوافق مع المفهوم الخاص بتصريف الأعمال، باعتبار أنّه يقتضي على هذه الحكومة أن تُبادر، وجوباً، إلى اتّخاذ كلّ الإجراءات التي تتطلّبها الحالة القائمة، مهما كان لهذه الإجراءات من ذيول ونتائج، بشرط واحد، هو أن تكون مُضطرّة، حفظاً للمصلحة العامة، وهي القاعدة السياسية المعروفة لدى الرومان في قولهم: salus populi suprema lex esto، أي يقتضي أن تكون سلامة الشعب القانون الأسمى”.

إقرأ أيضاً: بعد “الفوضى الدستورية”… عون يهدّد بـ”خضّات أمنية”

بحسب مكّية: “من هنا فإنّ مجلس الوزراء المُكلّف تصريف الأعمال يُمارس صلاحياته (الخاصّة به) بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، ويُمارس كلّ الصلاحيات الخاصة بالرئيس كاملة بالوكالة عنه في حال خلوّ سُدّة الرئاسة، إلا تلك التي من شأن ممارستها إيجاد فراغ كامل في المؤسّسات الدستورية كحلّ مجلس النواب مثلاً”.

مواضيع ذات صلة

بين لاريجاني وليزا: الحرب مكَمْلة!

دخلت المرحلة الثانية من التوغّل البرّي جنوباً، التي أعلنها الجيش الإسرائيلي، شريكة أساسية في حياكة معالم تسوية وقف إطلاق النار التي لم تنضج بعد. “تكثيفٌ”…

هل تملأ مصر فراغ التّسليم والتّسلّم؟

يترنّح المسار التفاوضي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية تحت وطأة الضغوط العسكرية التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية في عدوانها الوحشي بحقّ لبنان. في الأثناء، يواظب الموفد…

برّي ينتظر جواب هوكستين خلال 48 ساعة

تحت وقع النيران المشتعلة أعرب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عن موافقته على أن يستكمل الرئيس جو بايدن مسعاه للوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار…

الجيش في الجنوب: mission impossible!

لم يعد من أدنى شكّ في أنّ العدوّ الإسرائيلي، وبوتيرة متزايدة، يسعى إلى تحقيق كامل بنك أهدافه العسكرية والمدنية، من جرائم إبادة، في الوقت الفاصل…