من يصدّق أنّ الدنيا تتغيّر على هذا النحو منذ ولادة اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل أو “تفاهم تشرين الأول” كما بدأ الحزب يصفه؟
بعيداً عن المواقف المسبقة، بدأت تتصاعد أصوات من الحزب الديمقراطي في واشنطن تبدي التقدير لمواقف حزب الله الذي كان وراء نجاح الاتفاق أو التفاهم، والذي بدأ يتّجه نحو الإقرار قبل نهاية الشهر الجاري. يحصل هذا في منعطف من العلاقات الراهنة المتوترة بين الحزب الديمقراطي الأميركي والمملكة العربية السعودية، وليتحوّل حزب الله في لبنان إلى صديق لواشنطن على قاعدة عدائه المزمن للرياض، ووفق قاعدة “عدوّ عدوّي صديقي”.
الديموقراطي الأميركي يبدل نظرته إلى الحزب
بدأت نظرة الحزب الديمقراطي الأميركي إلى “حزب الله” تُسقط كليّاً الموقف الأميركي بشكل عام من هذا التنظيم الذي وُصف بأنّه أحد أذرع الجمهورية الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، فاستحقّ صفة “الإرهابي”. وربّما ما يعطي معنى لهذا التغيير في نظرة الحزب الحاكم في الولايات المتحدة أنّه يأتي في سياق التنافس المحتدم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري عشيّة الانتخابات النصفية الأميركية الشهر المقبل.
في المقابل، أطلّ المُساعد السّابق لوزير الخارجيّة الأميركيّ لشؤون الشّرق الأدنى الجمهوري ديفيد شينكر في مقابلة مع “أساس” قائلاً إنّه “لا يُوافق على أنّ إدارة الرّئيس الأميركي جو بايدن تُحاول مُساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد في انتخاباته”. لكنّه لفت في مقابلة أخرى إلى أنّ بيروت وصلت إلى طاولة المفاوضات خلال فترة عمله مبعوثاً مع طلب “متطرّف تماماً” كان عبارة عن التمسك بالخطّ 29، الذي كان من شأنه أن يمنحها المزيد من الأراضي البحرية.
ما لم يقُله هوكستين بالطبع هو أنّه بصفته منتمياً إلى الحزب الديمقراطي قد أحرز نجاحاً لم يحظَ به سلفه الجمهوري شينكر
إسرائيل وافقت على اتفاق سيء
إذاً هي معادلة اتفاق في ظلّ الإدارة الديمقراطية، لا في زمن الجمهوريين. وعبّر السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، الذي يُعدّ أحد المقرّبين من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، عن موقف مماثل لِما صرّح به شينكر.
وقال بالأمس في تصريحات خاصّة بصحيفة “يسرائيل هيوم” اليمينيّة، إنّه لا يريد التدخّل في قرارات إسرائيل، لكنّه يعرف جيّداً المفاوضات الإسرائيلية – اللبنانية لترسيم الحدود المائية والاقتصادية. وأكّد أنّ اتفاقاً أفضل من الاتفاق الحالي كان مطروحاً في الماضي ولم يتمّ التوقيع عليه في حينه. وأضاف أنّ ما حصل منذ ذلك الحين هو أنّ إدارة الرئيس جو بايدن مارست ضغوطاً شديدة على حكومة لابيد حتى رضخت ووافقت على “اتفاق سيّئ”. واعتبر الاتفاق انتصاراً لحزب الله.
في مقابل الموقف الجمهوري، سارع الوسيط الأميركي آموس هوكستين، الذي نجح في صنع اتفاق الترسيم، إلى عرض مزايا الاتفاق وفوائده التي سيجنيها لبنان وإسرائيل على السواء. وما لم يقُله هوكستين بالطبع هو أنّه بصفته منتمياً إلى الحزب الديمقراطي قد أحرز نجاحاً لم يحظَ به سلفه الجمهوري شينكر. وقالت بريتاني ميلر في مقال على موقع “أصدقاء الأرض” الإلكتروني الأميركي، الذي يدافع عن البيئة، إنّه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا تولّى هوكستين دوراً قيادياً في فرقة العمل المنشأة حديثاً والمعنيّة بأمن الطاقة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تعمل على زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.
الحزب يصادق أميركا مع عداء مزمن للسعودية
في الوقت نفسه، برز هوكستين إلى الواجهة في تنظيم حملة زيادة إنتاج النفط عبر السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لخفض سعر البرميل الذي وصل إلى مستوى 120 دولاراً للبرميل قبل أن يهوي إلى مستوى 80 دولاراً وما فوق بعد زيارة الرئيس بايدن الأخيرة للمملكة، لكنّ سعر البرميل عاد وارتفع بعد قرار منظمة “أوبك بلاس” خفض الإنتاج مليونَيْ برميل يومياً، وهو ما أشعل حملة شنّتها ولا تزال تشنّها الإدارة الأميركية ضدّ الرياض.
إقرأ أيضاً: شينكر لـ”أساس”: الحزب والعونيّون اتّفقوا مع إسرائيل
وفق قاعدة “عدوّ عدوّي صديقي”، أطلّت فجأة منظومة ينضوي فيها الأعداء سابقاً والأصدقاء حديثاً. وفي هذا المنعطف من العلاقات الراهنة بين الحزب الديمقراطي الأميركي والمملكة العربية السعودية، تحوّل حزب الله في لبنان إلى صديق لواشنطن على قاعدة عدائه المزمن للرياض.
إذاً هل من مبالغة في القول إنّ حزب الله هو حاليّاً “عضو شرف” في الحزب الديمقراطي الأميركي، ولو لم يتمّ إعلان ذلك؟ الإشارات كثيرة، وهي ولا تخفى عن فهم اللبيب.