فيما تتركّز أنظار العالم على الحرب الروسية -الأوكرانية، وتكثر التحليلات لتداعياتها عالمياً على مختلف المستويات، تُدار خلسةً في الشرق الأوسط، وتحت غطاء هذه الحرب، جهود دبلوماسية حثيثة للتطبيع مع نظام بشار الأسد وإعادته إلى الساحتين العربية والدولية بمبرّر تحقيق الاستقرار. غير أنّ هذه الجهود لمنح نظام الأسد الشرعية التي لا يستحقّها ولم يكتسبها لن تفيد كثيراً ولن تساهم بأيّ شيء في الاستقرار الإقليمي، كما أكّد جيمس سنيل المستشار البارز في معهد “نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات” الذي مقرّه واشنطن.
فيما تتركّز أنظار العالم على الحرب الروسية -الأوكرانية، وتكثر التحليلات لتداعياتها عالمياً على مختلف المستويات، تُدار خلسةً في الشرق الأوسط، وتحت غطاء هذه الحرب، جهود دبلوماسية حثيثة للتطبيع مع نظام بشار الأسد
في مقال كتبه لصحيفة “هآرتس” العبرية، أشار سنيل إلى ما سمّاه “موسم الدبلوماسية في الشرق الأوسط، بدءاً من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية في تموز، التي أجراها رغماً عنه، بسبب الحاجة إلى خفض أسعار النفط، والتباري الدبلوماسي الأميركي الأوروبي الميئوس منه للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، إلى محاولات بعض الدول العربية بقيادة الإمارات العربية المتحدة التطبيع مع نظام الأسد ..”، مؤكّداً أنّ “ما وراء كلّ هذه التحرّكات هو إعادة الإدماج المحتملة، وبِصَمت، لأهمّ قاتل جماعي في هذا القرن، وإعادة الشعبية لأكثر دولة منبوذة في العالم بشكل مبرّر”.
أضاف سنيل أنّه “خلال السنوات الأخيرة التي ازدادت حدّةً على الصعيد الدولي مع حرب أوكرانيا، شقّ الديكتاتور السوري بشار الأسد طريقه إلى الحلبة الدولية. في عام 2020 وبعد سنوات من المقاطعة الدبلوماسية، بدأ حملة من الزيارات والجهود الخارجية لإعادة الانضمام إلى المؤسّسات التي علّقت عضوية سوريا أثناء تولّيه السلطة بسبب انتهاكاته لحقوق الإنسان وجرائم الحرب. قبل عام زار موسكو، أقرب حليف للديكتاتورية السورية. وأخيراً شوهد في طهران والإمارات العربية المتحدة. في طهران، التقى الأسد بالرئيس إبراهيم رئيسي والمرشد الأعلى علي خامنئي، وأعلنت وسائل الإعلام الحكومية من كلا البلدين تحسينات أوّلية في العلاقات الثنائية. أمّا في الإمارات التي دعت ذات يوم إلى رحيله، فالتقى الأسد رئيسها محمد بن زايد، وناقش الاثنان الدعم السياسي والإنساني لسوريا، أي بعبارة أخرى توفير رأس المال الاقتصادي والسياسي للسماح لنظام الأسد بأخذ مكانه مرّة أخرى بين الدول العربية المعترَف بها”.
خلال السنوات الأخيرة التي ازدادت حدّةً على الصعيد الدولي مع حرب أوكرانيا، شقّ الديكتاتور السوري بشار الأسد طريقه إلى الحلبة الدولية
وتابع سنيل كلامه: “لقد قادت الإمارات حملة رفع تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية. وسعت إلى إطلاق مؤتمرات استثمارية وإنشاء صناديق لإعادة الإعمار يمكن للنظام أن يستفيد منها. وقطعت السلطات الإماراتية شوطاً في تعزيز جهود حكومتها لإعادة تأهيل الأسد و”قيادته الحكيمة”، وإعادته إلى الحلبة الدبلوماسية، ليس فقط كأمر واقع، لكن أيضاً لأنّها تعتقد أنّه يجب إعادة بناء سوريا تحت حكمه”. ورأى سنيل مستشهداً بجملة من التصريحات الرسمية الإماراتية في عام 2016، أنّ “محاولات الإمارات هذه تُعدّ جزءاً من استراتيجية إماراتية لفطم الأسد عن حلفائه الإيرانيين، الذين لا تتحصّن قواتهم بالوكالة داخل سوريا فحسب، بل هي جزء لا يتجزّأ من بقاء النظام. بينما يقول الإماراتيون في وسائل إعلامهم الحكومية إنّ بإمكانهم التعامل مع إيران بشكل مباشر ومتميّز عن الأسد”.
أشار سنيل إلى أنّ “الإمارات تعتبر إيران أقلّ أهميّة في سوريا من روسيا نظراً إلى أنّ لدى طهران عدداً أقلّ من القوات المباشرة الملتزمة بها، ونفوذها أقلّ بين الميليشيات الموالية للنظام. لذلك تودّدت الإمارات لروسيا بعد غزوها لأوكرانيا، فصافح محمد بن زايد بوتين في موسكو الأسبوع الماضي. غير أنّ التودّد لروسيا واعتبار التعامل مع إيران تفصيلاً ليسا استراتيجية مضمونة النجاح”.
ولفت سنيل إلى أنّ “لتركيا دوراً أيضاً في جهود إعادة تأهيل نظام الأسد، إذ شوهد حلفاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في دمشق، وكان هناك حديث عن اجتماع بين الأسد وإردوغان في سياق زيارات منفصلة لأوزبكستان. بل إنّ إردوغان بنفسه، مع استمرار تغيّر التوازن داخل سوريا، ولا سيّما مع انسحاب القوات الروسية بعد غزو أوكرانيا والسعي المتزايد من جميع أطراف الصراع السوري إلى تأمين مصالحهم الخاصة، أعلن استعداده للقاء الأسد “عندما يحين الوقت”. فتركيا بحاجة إلى الاستقرار السوري حتى يتمكّن إردوغان من ترحيل ملايين اللاجئين السوريين من تركيا قبل انتخاباته المقبلة في عام 2023. لكنّ هذا الاستقرار لا يمكن أن يتحقّق من خلال التعامل مع الأسد”.
إقرأ أيضاً: روسيا ـ أوكرانيا: السعوديّة الأبرز اقتصاديّاً
أضاف سنيل أنّ “الأسد يعتمد على المساعدة العسكرية من الخارج، والاقتصاد السوري محطّم، ولذلك يستخدم الأسد الدبلوماسية لمطاردة الأموال الأجنبية. وهو اليوم يقول إنّه لن يذهب إلى أيّ مكان، فمع الاتجاه الحالي في التفكير، وتزايد الضغط لإشراكه في الجهود الدبلوماسية المندفعة، يعتقد الأسد أنّ هناك إمكانية للتوصّل إلى اتفاق معه. لكنّ استمرار الحرب الأهليّة السورية وتزايد عدد ضحاياها (بلغ العدد الرسمي للقتلى في الحرب الأهلية السورية نصف مليون وفق الأمم المتحدة، لكنّ معظم المراقبين يعتقدون أنّ العدد يزيد على ضعف ذلك، وقدّر مكتب المفوّض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد الضحايا المدنيين بأكثر من 300 ألف)، واستخدام النظام الأسلحة الكيميائية ضدّ المدنيين (349 مرّة خلال الحرب وفق معهد السياسة العامّة العالمي)، والكشف اليومي عن فظائع نظام سجونه (قدّرت منظمة العفو الدولية أنّ النظام قد أعدم 13,000 سجين)، بالإضافة إلى كونه يستفيد من تجارة الكبتاغون بأكثر من 5 مليارات دولار سنوياً، ويخلص المحلّلون إلى أنّ نظام الأسد يدعم ويستفيد من تحوُّل سوريا إلى مصدر رئيسي للمخدّرات، كلّ ذلك يؤكّد أنّ منح نظام الأسد الشرعية التي لا يستحقّها ولم يكتسبها لن يفيد كثيراً ولن يساهم بأيّ شيء في الاستقرار الإقليمي. إنّه نظام فاسد في جوهره. وليس هناك أبداً ما يبرّر أيّ تطبيع معه من قبل العالم العربي أو أيّ جهة أخرى”.
*جيمس سنيل مستشار أوّل في معهد نيو لاينز للاستراتيجيات والسياسات New Lines Institute for Strategy and Policy، وهو “مؤسسة فكرية غير حزبية في واشنطن العاصمة تعمل على تعزيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة بناءً على فهم عميق للجغرافيا السياسية لمختلف مناطق العالم وأنظمة قيمها”، بحسب موقع المعهد.
لقراءة المقال في “هآرتس” اضغط هنا