إيران: الدولة العاشرة بسلاح نوويّ؟

مدة القراءة 5 د

قطعت إيران مراحل متقدّمة في الصناعة النووية. ورغم إعلانها  أنّها لا تنوي إنتاج قنابل نووية كما أكّد ذلك الرئيس الإيراني من على منبر الأمم المتحدة، فإنّ هذا الإعلان لم يُطمئن الأصدقاء حتى روسيا، ولم يخفّف من شكوك الأعداء مثل إسرائيل، ولم يبدّد قلق الجيران مثل السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.

 

دول السلاح النووي

حتى الآن هناك 90 في المئة من المخزون العالمي من القنابل النووية في دولتين فقط: روسيا وأميركا. والدولتان تملكان القدرة على إطلاق هذه القنابل من البرّ (الصواريخ العابرة) ومن البحر (الغوّاصات) ومن الجوّ (الطائرات الاستراتيجية). وانضمّت الصين إلى الثنائي الروسي – الأميركي، وهي اليوم تطوّر ترسانتها النووية كمّاً ونوعاً، ثمّ انضمّت كوريا الشمالية.

حاولت 31 دولة التسلّح النووي من البرازيل حتى السويد. تراجع بعضها، وأطلقت 17 دولة برامج تسلّح، كانت إيران أبرزها.

خلال السنوات العشر الماضية، تمكّنت 10 دول من إنتاج صواريخ تحمل قنابل نووية. وفي الوقت الحاضر تملك 9 دول في العالم فقط ترسانات نووية، منها إسرائيل التي لا تريد أن تكون إيران الدولة العاشرة.

كانت الولايات المتحدة تهدّد كوريا الشمالية بأنّ أيّ عدوان على اليابان أو على كوريا الجنوبية سوف تردّ عليه بالقوّة النووية

تتعرّض إيران لضغوط دولية لوقف برنامجها النووي الذي يتطوّر بخطى متسارعة. فبعد الهند وباكستان، قد تصبح إيران الدولة الثالثة من دول العالم الثالث التي تملك سلاحاً نوويّاً.

 

النووي الإسرائيلي

أمّا إسرائيل التي أنشأت أوّل مفاعل نووي في منتصف الخمسينيّات من القرن الماضي بمساعدة فرنسية (مفاعل ديمونا)، فإنّها تملك ترسانة نووية يُعتبر حجمها سرّاً من الأسرار، وتملك صواريخ بعيدة المدى.

مرّة وحيدة اعترفت إسرائيل بذلك عندما كادت تخسر حرب رمضان 1973. يومذاك همّت بتوجيه من رئيسة الحكومة غولدا مائير باستخدام السلاح النووي بعد خسارتَيْها في جبهتَيْ سيناء والجولان. لكنّ الجسر الجوّي العسكري الأميركي الذي امتدّ لنجدتها، حملها على التراجع، وأعفاها من اللجوء إلى سلاحها النوويّ.

 

الرعب المشترك

تعرّف العالم على همجية هذا السلاح مرّة واحدة فقط. كان ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية عندما قصفت الولايات المتحدة مدينتَيْ هيروشيما وناكازاكي في اليابان. وعلى الرغم من فداحة الخسائر التي تسبّب بها القصف يومذاك، يُعتبر لا شيء بمقياس الخسائر المحسوبة اليوم في ضوء تطوّر القوّة التدميرية للسلاح النووي (القنابل الهيدروجينية)!

سهّل “الرعب المشترك” توصّل واشنطن وموسكو إلى اتفاقيّة الحدّ من الانتشار النوويّ. وأثمرت هذه الاتفاقية خفضاً للترسانتين الأميركية والروسية بمقدار 38 ألف رأس نووي.

إذا تسلّحت اليابان نوويّاً فإنّ الصين لن تقف مكتوفة الأيدي. وإذا تسلّحت كوريا الجنوبية نوويّاً، فإنّ اليابان، وليس كوريا الشمالية وحدها، لن تقف مكتوفة الأيدي

جدّد العمل بهذه الاتفاقية الرئيسان جو بايدن وفلاديمير بوتين لمدّة خمس سنوات جديدة. إلا أنّ الحرب في أوكرانيا أعادت وضع هذه الاتفاقية على كفّ عفريت. ويتضخّم القلق في مواقع أخرى: فالصين وكوريا الشمالية تجمعان بين القنابل النووية والصواريخ العابرة للقارات. وتلحق بهما بخطى متسارعة كلّ من الهند وباكستان.

هناك معاهدة دولية تحظر على أيّ دولة غير نووية، مثل إيران، إنتاج القنبلة النووية. غير أنّ عدد الدول التي وقّعت على هذه المعاهدة لا يزيد على 86، ليست إسرائيل بينها. وبموجب نصّ المعاهدة، كان يجب أن يبدأ تنفيذها في كانون الثاني 2020. غير أنّ أهميّة هذه المعاهدة أنّها تريح ضمائر موقّعيها فقط، ولا تغيّر من معادلات القوى النووية المتضخّمة، سواء من حيث عدد الدول، أو من حيث حجم ترسانتها وما تملكه من قنابل.

هناك دول مؤهّلة علميّاً وقادرة مادّياً على إنتاج قنابل نووية مثل اليابان وكوريا الجنوبية في شرق آسيا، والبرازيل والأرجنتين في أميركا الجنوبية، وجنوب إفريقيا في القارّة السمراء. لكنّ هذه الدول تمتنع عن دخول هذه المغامرة مطمئنة إلى الحماية التي توفّرها المعاهدات الدولية والمشتركة في الدرجة الأولى.

كانت الولايات المتحدة تهدّد كوريا الشمالية بأنّ أيّ عدوان على اليابان أو على كوريا الجنوبية سوف تردّ عليه بالقوّة النووية. يومئذٍ لم تكن كوريا الشمالية تملك لا القنبلة ولا الصاروخ البعيد المدى. الآن تملك الاثنين معاً، بحيث إنّ مدينة لوس أنجلوس مثلاً أصبحت في مرمى القصف الكوريّ الشماليّ. من هنا أصبح التهديد الأميركي سراباً وبلا أسنان. ومن هنا إذا تسلّحت اليابان نوويّاً فإنّ الصين لن تقف مكتوفة الأيدي. وإذا تسلّحت كوريا الجنوبية نوويّاً، فإنّ اليابان، وليس كوريا الشمالية وحدها، لن تقف مكتوفة الأيدي، لِما بين هذه الدول الثلاث من تاريخ دمويّ طويل.. ومن ذكريات مؤلمة لا تزال مستمرّة في الثقافة العامّة حتى اليوم.

إقرأ أيضاً: في انتظار “هرمجيدون”: من ريغان إلى بايدن

الشرق الأوسط

أمّا في الشرق الأوسط، فقد سبق لإسرائيل أن قصفت المفاعل النووي العراقي، واغتالت في قلب العاصمة الفرنسية باريس أحد العلماء النوويين العراقيين. وقصفت مفاعلاً نوويّاً سوريّاً كان قيد البناء بمساعدة كوريا الشمالية. ومعروف موقف إسرائيل من المنشآت النووية الإيرانية التي استهدفت إحداها بالتخريب عن بُعْد، وفي آخر مرّة استهدفت مفاعل ناطنز قرب طهران، واغتالت في إحدى ضواحي العاصمة أحد أكبر العلماء الإيرانيين. وهي تهدّد باستمرار بقصف المفاعل الإيراني، خاصّة بعد تعثّر مباحثات فيينا لإعادة إحياء الاتفاق الدولي الإيراني.

مع ذلك لا أحد يذكر مفاعل ديمونا في النقب، وكأنّه شبح غير موجود. ولا أحد أيضاً يعرف حجم الترسانة النووية الإسرائيلية، وكأنّها غير موجودة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…