ينتظر الصرّافون، الشرعيّون وغير الشرعيّين، هبوط سعر صرف الدولار في “السوق السوداء”، ويتحيّنون اللحظة حاملين الليرات اللبنانية بدلاً من الدولار من أجل تحصيل أكبر قدر ممكن من الأرباح، بعدما راهنوا على المعطيات السياسية المحلية في مجالي “الترسيم البحري مع إسرائيل” وتشكيل الحكومة، لكن الوقائع سارت عكس ذلك خلال الساعات الماضية محلياً، وكذلك دولياً إثر قرار “اوبك بلاس”.
كشفت مصادر صيرفية لـ”أساس” أنّ مجموعات الصرّافين على تطبيق “واتساب” بدأت منذ نحو أسبوع في بيروت وخارجها، بإشاعة أجواء غير مسبوقة من التفاؤل، وُصفت بـ”المفرطة”، بقرب هبوط سعر صرف الدولار إلى حدود 35 ألفاً، وربّما أقلّ، وذلك كاحتمال لولادة الحكومة وارتفاع حظوظ انجاز الاتفاق بين لبنان وإسرائيل على خط الطفافات البحرية.
الثابت والمتغيّر في لبنان والعالم
في نظر هؤلاء، سيكون هذان العاملان كفيلين بخفض سعر الصرف إلى تلك العتبة، ولو لأيّام قليلة، وهذا سيكون كافياً لتحقيق الأرباح المتوخّاة، مستندين في ذلك إلى “تجربة” تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، فحينذاك انخفض سعر صرف الدولار من نحو 22 ألفاً إلى 13 ألف ليرة في غضون ساعات.
كشفت مصادر صيرفية لـ”أساس” أنّ مجموعات الصرّافين على تطبيق “واتساب” بدأت منذ نحو أسبوع في بيروت وخارجها، بإشاعة أجواء غير مسبوقة من التفاؤل
إلاّ أنّ “الضربة” جاءتهم من خارج الحدود، وتحديداً من اجتماع “أوبك بلاس” يوم الأربعاء الفائت، الذي أقرّ خفضاً لإنتاج النفط العالمي بنحو 2 مليون برميل يوميّاً، أي بنحو 5% من الإنتاج الحاليّ البالغ نحو 43 مليون برميل يومياً.
ارتفاعات متوقعة للنفط بالأسواق العالمية
على الرغم من أنّ قرار المنظمة النفطية سيبدأ تنفيذه بداية الشهر المقبل، إلّا أنّ مفاعيله في مختلف أنحاء العالم بدأت تظهر فور انتهاء الاجتماع، بل حتى قبل ذلك بأيّام، إذ شهد سعر برميل النفط ارتفاعات متتالية منذ لحظة إعلان الاجتماع “الحضوري” الأوّل بعد جائحة كورونا، فارتفع سعر البرميل من قرابة 87 دولاراً إلى نحو 94 دولاراً، فيما الارتفاع سيتواصل، على ما يبدو، وسط توقّعات بوصوله في غضون أسابيع إلى ما يتجاوز الـ100 دولار، بحسب “غولدمان ساكس” التي توقّعت وصوله في الربع الأخير من العام الجاري إلى 110 دولارات.
يشير هذا المستجدّ إلى قلب الأجواء داخل لبنان رأساً على عقب مجدّداً، وقد زادت الأمور تعقيداً مع الأنباء الواردة من تل أبيب، التي تفيد برفض الحكومة الإسرائيلية المقترحات التي طرحها لبنان لإتمام الصفقة، إضافة إلى تعثّر ولادة الحكومة التي أمست بعيدة هي الأخرى، نتيجة تمسّك رئيس الجمهورية ميشال عون ومِن خلفه “التيار الوطني الحرّ” بمطالبهما الحكومية. سيؤدّي هذا كلّه إلى خلاف ما بنى الصرافون آمالهم عليه لجهة انخفاض سعر صرف الدولار، بل على العكس فإنه سيواصل ارتفاعه بحكم الوقائع الداخلية والخارجية.
يقول أحد المضاربين العاملين على هامش “وشوشات الصرّافين” في حديث لـ”أساس”: “إذا ارتفع سعر صرف الدولار رح نفوت بالحيط”، ويضيف “اشترينا ليرات لبنانية بأرقام كبيرة”، رافضاً الكشف عن حجمها، مؤكّداً أنّ الخسارة “ستكون كارثية”. ويختم بالقول: “هبوط حرارته بتحميلة مقدارها ألف أو ألفي ليرة كفيل بإتمام المطلوب… فساعتها منهرب”.
شراء المحروقات “حاكم” لسعر الدولار
بحسب مصادر صيرفية أخرى في العاصمة بيروت، بات سعر صرف الدولار يتأثّر صعوداً نتيجة طلبات مستوردي المحروقات على الدولار. إذ تُسجَّل هذه الطلبات صباح كل يوم ، فيبدأ التداول بالارتفاع خلال النهار إلى حين توفير الكميّة المطلوبة للمستورد، ثمّ يشهد سعر الصرف “نوعاً من الهدوء” فور انتهاء الطلب.
إقرأ أيضاً: “قانون الهيكلة”: هل يفجّر الخلافات داخل جمعية المصارف؟
تتوقّع أوساط الصرّافين اليوم أن يزداد الطلب على الدولار نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، خصوصاً أنّ ذلك يترافق مع بداية جدّية للعام الدراسي في قطاعَيه الرسمي والخاصّ، وانعكست زحمة سير ملحوظة على الطرقات في الأيام القليلة الماضية على الرغم من ارتفاع أسعار المحروقات. وكذلك نتيجة استمرار انقطاع التيار الكهربائي الذي تستعيض عنه الناس بالمولّدات الخاصة والاشتراكات، وهذا الباب لا يمكن الاقتصاد فيه، أي أنّ مصروف المحروقات سيبقى كما هو، ولا يمكن أن يتراجع تحت أيّ ظروف. هذا كلّه يعني أنّ الطلب على المحروقات سيحافظ على مستوياته المعتادة، بل قد يرتفع الطلب على مادّة البنزين اليوم. ولذلك سترتفع الكميّات المطلوبة من الدولارات في “السوق الموازي”، وبدورها سترتفع الكميّات المطلوبة من الليرات اللبنانية من أجل تعويض الفرق، إن كان على مستوى المستوردين، أو على مستوى المستهلك الأخير، أي المواطن. ومن المؤشّرات الجدّية إلى ذلك ارتفاع البنزين صباح أمس الجمعة 11 ألفاً، والمازوت 21 ألفاً.