كان أنطوان دي لافوازيه أثناء الثورة الفرنسية موظّفاً في الدولة ومهمّته جمع الضرائب من المزارعين. لم يكن أنطوان أميناً، لكنّه لم يكن سارقاً أيضاً. مع ذلك حُكِم عليه بقطع الرأس بالمقصلة.
يُعتبر لافوازيه أعظم علماء الكيمياء. كان “يختلس” بعض ما يجمعه من الضرائب للإنفاق على شراء المعدّات الكيمياوية التي يحتاج إليها لإجراء أبحاثه العلمية في مختبره الخاص.
اكتشافات العالِم “السارق”
تمكّن هذا العالِم – السارق – الضحيّة من وضع أوّل لائحة بأسماء الموادّ ومكوّناتها الكيمياوية. ونُشرت تلك اللائحة في عام 1789، أي أثناء الثورة الفرنسية، وقبل قطع رأسه بخمس سنوات. يومها تضمّنت اللائحة 33 مادّة، من بينها 23 مادّة أثبت العلم في القرن الواحد والعشرين صحّتها وقرّر اعتمادها، مثل الذهب والحديد والكبريت التي كانت معروفة منذ العصور القديمة، وأمّا الموادّ المكتشفة حديثاً فمنها المنغنيز والتنغستون.
لم يكتشف لافوازيه الموادّ، لكنّه اكتشف مكوّناتها، وتمكّن من تصنيفها. إنّ معرفة الموادّ ومكوّناتها وتصنيفاتها تقع في أساس علوم الكيمياء. ويدرك هذه الحقيقة أساتذة وطلّاب العلوم الكيميائية في المدارس وفي الجامعات.
احتاج العالَم إلى قرن ونصف من العمل والبحث العلمي حتى تمكّن من فهم مكوّنات جميع الموادّ ووضع جدول بها، واعتماد الإشارات العلمية الخاصّة بكل منها
العالم ياتي متأخراً
لقد احتاج العالَم إلى قرن ونصف من العمل والبحث العلمي حتى تمكّن من فهم مكوّنات جميع الموادّ ووضع جدول بها، واعتماد الإشارات العلمية الخاصّة بكل منها (وتحديد عدد الذرّات). وهي التي تشكّل في مجموعها وفي تداخلها الكون الذي نعيش فيه.
اكتشف لافوازيه قانون حفظ الكتلة، وهو القانون الذي يُعتبر اليوم من المسلّمات العلميّة، والقانون الذي يتعلّق بتحوّل نوع وليس كتلة الموادّ من خلال العمليات الكيمائية. وهو الاكتشاف الذي فتح الطريق أمام عالِم فرنسيّ ثانٍ يدعى لويس جوزف براوست الذي توصّل إلى اكتشاف علميّ جديد نشره في عام 1794 (أي في عام إعدام لافوازيه)، أثبت فيه أنّ نسبة المكوّنات الكيمياوية ثابتة لا تتغيّر في كلّ مادّة.
بداية عصر الذرة
انتقل هذا الاكتشاف إلى العالِم جون دالتون الذي لم يكن سارقاً، لكنّه كان يتحدّر من عائلة إنكليزية فقيرة جدّاً أجبرته على العمل وهو في سنّ العاشرة من عمره. كان لا يميّز بين الألوان (ويُنسب هذا المرض إليه ويسمّى أحياناً المرض الدالتونيّ). اكتشف دالتون أنّ المادّة تتألّف من عناصر محدّدة صغيرة تتساوى في الوزن وغير قابلة للتجزئة. وهذه العبارة الأخيرة “غير قابلة للتجزئة” تعني باللغة اليونانية ذرّة. ومن هنا بدأ عصر الذرّة.
بالصدفة أيضاً اكتشف العلماء في عام 1890 أنّ الذرّات، على الرغم من معناها الذي يدلّ على عدم الانقسام، يمكن أن تكون قابلة للانشطار. في عام 1896 اكتشف العالِم هنري بيكاريل أنّ أجساماً صغيرة تتطاير من الذرّات المتحرّكة، وهو ما يعني أنّ الذرّة تتألّف أيضاً من أعضاء صغيرة.
بداية التصوير الشُعاعي
في عام 1896 تبيّن للعلماء أنّ الذرّة تتألّف من أجزاء يمكن بعثرتها وتحريكها. جاء هذا الاكتشاف على يد هنري بيكاريل نفسه الذي كان يدرس مكوّنات مادّة الفوسفور من خلال ملح اليورانيوم الموجود على الأوراق الفوتوغرافية. ولمّا أصيبت هذه الأوراق بغشاوة، كان ذلك بداية اكتشاف التصوير الإشعاعي.
إقرأ أيضاً: القنابل التي تخشاها إسرائيل.. الحريديّون والفلسطينيون
لو أنّ الله سبحانه وتعالى يبعث لافوازيه حيّاً اليوم (كما بعث أهل الكهف)، ليرى أين وصل البحث العلمي انطلاقاً من الدراسات التي كان أعدّها بالمال المسروق من ضرائب الدولة على الفلّاحين.. فماذا عساه يقول؟