“المنار”.. تصفّق لقتل النساء في إيران

مدة القراءة 5 د

نقلت قناة “المنار” التلفزيونية الأشدّ شحوباً من الزمن اللبناني الراهن، والتابعة لحزب الله، أخبار انتفاضة الحرّية التي أطلق شرارتها قتل الشابّة مهسا أميني الإيرانية، على مثال ما تُنقل أخبار الفضائح. وهذا من شيم القناة التلفزيونية الدائمة، كلّما تناولت أخبار انتفاضات الحرّية في العالم كلّه. فكيف إذا كانت هذه الانتفاضات في الديار الإيرانية؟!

نساء المؤامرة

الإيرانيات خرجن إلى الشوارع معلنات أنّ التصرّف بأجسامهنّ وشعرهنّ مسألة تخصّهنّ وحدهن، وهي سبيلهنّ إلى الخلاص من نظام يعادي قيم الحرّية والعصرنة والحداثة ويرتكب مقتلة بالمطالبين/ات بالحرّية لأنّ ملابس النساء لا تطابق معايير “شرطة الإرشاد” الدينية. أمّا قناة المنار فصنّفت ذلك “شغباً” يديره “الاستكبار الغربي” ويستهدف “النظام الإسلامي” و”إنجازاته” التي يتفوّق بها على الولايات المتحدة والغرب الأوروبي. وهذا دأب “المنار” كلّما هبّت جماعة مطالبة بالحرّية والديمقراطية.

“انتفاضة الحرّية” الراهنة في إيران صارت تظاهراتها في “المنار” عنوان الخيانة والتآمر. أمّا التظاهرات المضادّة لها فعنوانها الفضيلة التي تستوجب قمعاً أقسى وأشدّ عنفاً ممّا كان بدأ يوم مقتل مهسا أميني

المنار لا تتوقّف عن المديح والتسبيح اليومي باسم إيران الخميني والخامنئي، فلا تترك كبيرة ولا صغيرة إلا وترفع عقيرتها من أجل إعلاء شأن نظام الجبروت الذي “يحقّق وحده وعد الله في أن يرث الأرض عباده الصالحون وحدهم”، أي رهط ذلك الجبروت السلطوي. على امتداد أيّام “انتفاضة الحرّية” في إيران، قصرت “المنار” حديثها على إبراهيم رئيسي وحضوره اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك ورفعه من على منبرها صورة قاسم سليماني، وعودته إلى طهران واتخاذ “نظام الملالي” قرار تحشيد الباسيج والباسدران في تظاهرات مضادّة. واتّخذت تغطية “المنار” مساراً استحضر “المؤامرة” الجاهزة لقمع كلّ من يسائل نظام الجبروت والقائمين عليه بعماماتهم السوداء.

جاءت أخبار “المنار” مقطوعة الصلة عن الحدث الأساس. ففاضت بشعارات الدفاع عن إيران وسياستها ضدّ الغرب الذي يستهدف نظامها. وراحت، وهي واحدة من شاشات كثيرة، تغدق المكرمات على أبطال التظاهرات المضادّة، وتمدح حكم الملالي وقبضته الحديدية، بل ذهبت أبعد من ذلك: منحت متظاهري الباسيج والباسدران “القضية الوطنية” التي تعزّز “قيمة إسلام الملالي”، وأعطت هؤلاء صفة “الصلابة الوطنية الإيرانية”. أمّا النساء الإيرانيات اللواتي قصصن شعرهنّ غضباً وتضامناً مع الحدث الأساس، فصرن أشبه بنفايات على أرصفة تدوسها أقدام “متظاهري النظام”. هذا فيما كان مصير عشرات أولئك النساء كمصير أميني. وهذا المصير عاديّ وضروري في توجّه “المنار”.

“منار” لبنان الإيرانيّ

منذ كان “المقدّس”، كان هناك “المحرّم” الذي يحصِّنه ويمنع الاقتراب منه، حفاظاً على هالته وحصانته السلطوية. والإيرانيون يعيشون اليوم محاولة تصديع ذاك “المقدّس” الذي يمنع حرّياتهم، ويقمع قمعاً دمويّاً معتاداً انتفاضتهم على بؤس عيشهم ومصيرهم. والإيرانيون في خلال انتفاضات سابقة كانوا قد قالوا كلمتهم في قناة “المنار” التي يعلمون أنّها تعتبرهم متآمرين، لأنّهم يكسرون “المحرّم” و”المحظور” السلطانيَّين الخمينيَّين. وهذا يحصل منذ ثورة العام 2009 التي عُرفت بـ “الثورة الخضراء”، مروراً بالانتخابات الرئاسية المتعاقبة وما شابها من “تزوير” لصالح رجالات النظام الإيراني بـ “حرسه الثوري” وعلى رأسه “المرشد”.

ما تبثّه “المنار” هو طغيان الطاغي وإيديولوجيّته المتخشّبة وأجهزته الأمنيّة التي وحدها تُبقي المرشد وأذرعه، في سدّة السلطان بإيران الملالي والمرشد الأعلى

و”انتفاضة الحرّية” الراهنة في إيران صارت تظاهراتها في “المنار” عنوان الخيانة والتآمر. أمّا التظاهرات المضادّة لها فعنوانها الفضيلة التي تستوجب قمعاً أقسى وأشدّ عنفاً ممّا كان بدأ يوم مقتل مهسا أميني.

في عرف “المنار” صارت الحقبة الخمينية من الماضي هي وإنجازاتها المزعومة والموهومة. وشعبويّتها القائمة على القمع والأمن فرع للأصل الإيراني، وبقاؤها رهن باستمراره. وهي في ما تبثّه إنّما تواصل سيرها في الانفصال عن لبنان وطبيعته في انحيازه إلى الحرّيات والشفافيّة الإعلامية. وهي إلى صممها وبكْمها تستدعي “المقدّس الإيراني” إلى مسرح لبنان. والمسرح من طبيعته أن يستوعب مشاهدين للبكاء أو للضحك. وفي الحالتين يكثر البكّاؤون والضاحكون على حال إيران والإيرانيين وما آلت إليه مصائر هذا البلد وأهله.

مقدّس الحديد والنار

ما تبثّه “المنار” هو طغيان الطاغي وإيديولوجيّته المتخشّبة وأجهزته الأمنيّة التي وحدها تُبقي المرشد وأذرعه، في سدّة السلطان بإيران الملالي والمرشد الأعلى.

في المشهد الإيراني الكئيب الذي يلفّ سيرة إيران، كان هناك أمل ضئيل مع محمد خاتمي الذي حاول ما استطاع ليوائم بين المعصوم المقدّس وبين قوّة الشرعية الزمنيّة وقيمها. لكنّ الردّ عليه كان أنّه يفعل لزوم ما لا يلزم، وطالما بقي المرشد يبقى “التحريم” على سويّة القتل والاعتقال. وباتت إيران رهن “المقدّس” الذي ما انفكّ يزداد قداسة بالدم والحديد والنار.

إقرأ أيضاً: نساءُ الغضبِ الإيرانيّ..محمد خاتمي يستيقظُ من نومه ويبتسم

ومع شاشة “المنار” تبدو “المؤامرة” قدس أقداس النظام وسياساته، وهي ما تجعل من الثائرين في شوارع إيران كائنات شاذّة وهزيلة ولا تُحتمل. وهؤلاء ليسوا أحسن حالاً من اللبنانيين إذا أرادوا يوماً ما استعادة لبنان الذي كان من قبضة “حزب الله” والاحتلال الإيراني.

مواضيع ذات صلة

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…