ثورة الحجاب وربيع طهران

مدة القراءة 5 د

لم تحظَ الاحتجاجات التي تعيشها إيران لليوم الخامس على التوالي ــ على خلفية مقتل الشابة “مهسا أميني” على يد قوات “شرطة الأخلاق” ـــ باهتمام ملحوظ من الصحافة اللبنانية أو من مجموعات الرأي، ولم يسجّل فعلياً أي موقف وازن للمنظّمات الإنسانية اللبنانية، التي تستنفر عادة للمواجهة عند أي انتهاك لحقوق وحرية المرأة، حيال فظاعة الجريمة المرتكبة. توقيف الفتاة واقتيادها الى مركز الشرطة سببه عدم التقيّد بقواعد ارتداء الحجاب، وسبب الوفاة كما أظهرته الصور الشعاعية كسور في الجمجمة.

في الظاهر المسألة قيمية أخلاقية وحقوقية بامتياز ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموقع المرأة وحقوقها ودورها في أيران وسط تراتبية مجتمعية وإلزامات أيديولوجية فرضتها ولاية الفقيه، بمفاهيمها الخاصة وطرقها في المحاسبة. على هذا الأساس تصبح مسألة الحجاب قابلة للمقارنة والتقييم من قِبل منظومة قيّم أخرى (لبنانية هذه المرة) لها نظرتها المختلفة لمشاركة المرأة وموقعها في المجتمع، ويصبح إبداء الرأي في إنسانية ما جرى من عدمه مسألة تلقائية يفرضها الإختلاف في الثقافات. وبالمقابل فإنّ الإحجام عن الشجب أو الإدانة لحادثة القتل اللذيْن تفترضهما أبسط القواعد الإنسانية يثبت بما لا يقبل الشك أنّ للمسألة في الوعي اللبناني محاذير متعدّدة تتجاوز التمرّد على قاعدة سلوكية فرضتها التقاليد في طهران، وإنّ تقييم ما جرى غير ممكن بمعزل عن تقييم المنظومة السياسية والقانونية والقيمية لولاية الفقيه. من هنا كان الحذر اللبناني الرسمي والمجتمعي في مقاربة المسألة إياها وهو  يوازي القلق الإيراني الذي رأى في التمرّد على قواعد ارتداء الحجاب ما يهدّد النظام برمّته فاقتضى تصفيّة من تجرأت على ذلك.

قد لا يكون الرهان على ثورة الحجاب الحالية في إحداث تغييرات جذريّة واقعياً، فردود الفعل على الدعوات لحلّ شرطة الأخلاق هي مؤشر على ذلك وعلى قدرة الرئيس الذي ينفذ أوامر المرشد

ثورة الحجاب التي اندلعت بعد مقتل الشابة “مهسا أميني” وشعارات المتظاهرين الذين أمّوا الساحات في مختلف المدن الإيرانية  ليست تعبيراً عن إدانة لاستخدام العنف من قِبل الشرطة، بل عن انفجار مجتمعي حقيقي يقوده شبان وشابات يفتقدون الحرية والسلام والمساواة. وما تواجد النساء السافرات في هذه الإحتجاجات، وخلعهن للحجاب وإحراق الأوشحة سوى تعبيراً عن رفض الأيديولوجية التي أضحى الحجاب جزءاً منها وعن الرغبة في إسقاطها. وليست الشعارات المتمرّدة التي أطلقها الطالبات والطلاب في الجامعات وطالبت بسقوط النظام ومحاكمة المرشد ولقبّته بالدكتاتور، ونعتت الباسيج بالغباء ودعت الى رحيلهم وسقوط السلاح، سوى الترجمة الحقيقية لحالة الإختناق التي يعيشها النظام الإيراني  والتعبير الواضح عن الحاجة الى التغيير.

إزاء استدامة التظاهرات، وفي حالة إنكار واضحة لكلّ ما يجري تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منذ أيام  من على منبر الأمم المتّحدة عن فشل “النظام العالمي القائم الذي لم يعدْ يحظى بالدعم، وأنّ ثمة نظاماً جديداً قد بدأ بالتشكّل”، لافتاً إلى أنّ “منطقة غرب آسيا ترفض العالم القديم، وهي مع التعدّدية المبنيّة على العدالة، وإنّ الكثير من الثورات انحرفت عن طريقها، لكن الثورة الإيرانية كانت تمثِّل تطلعات شعبها”، وأسهب رئيسي في الحديث عن “سياسة حسن الجوار وتعميق العلاقات مع الدول المحيطة ومخاطر الهيمنة”.

محطات البث المباشر نقلت على شاشاتها وبالتوازي خطاب رئيسي ومشاهد حيّة عن القمع الذي يتعرّض له شابات وشباب إيران، كما نقلت شعاراتهم الواضحة التي لم تكن سوى إجابات واضحة على كلّ التضليل والزيْف الذي ساقه الرئيس الإيراني في خطابة. أكدّت دعوات شابات وشبان إيران لسقوط النظام أنّ حكم الملالي ليس جزءاً من نظام جديد يتشكّل بل أنّ سقوطه هو ضرورة لقيام نظام جديد، وأجاب إحراق صور المرشد على ادّعاءات تمثيل الثورة لتطلعات الشباب، فالثورة التي تعثّر تصديرها الى الخارج قد عادت لتشعل إيران من الداخل. هذا وقد اعتبر أركان النظام أنّ ما يجري ناتج عن الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الإجتماعي وباشروا اتّخاذ تدابير لحلّ ما سموه “معضلة  الفضاء الإفتراضي الذي بات يهدد أمن إيران” وفي ذلك إسقاط لمقولة التعدّدية وقبول الرأي الآخر.

قد لا يكون الرهان على ثورة الحجاب الحالية في إحداث تغييرات جذريّة واقعياً، فردود الفعل على الدعوات لحلّ شرطة الأخلاق هي مؤشر على ذلك وعلى قدرة الرئيس الذي ينفذ أوامر المرشد. ولكن الرهان الحقيقي هو في كيفية تلقي الدول الواقعة في المدار الإيراني لما يجري، وتحديداً بيروت وبغداد، والتي أضحى نموذج ولاية الفقيه جزءاً متدخلاً  بل ثقلاً ضاغطاً على تفاصيل حياتها.

إقرأ أيضاً: مهسا أميني وثورة الإيرانيات… النظام يرد بنار الأمن

ألا يقدّم ما يحدث في المدن الايرانية مؤشّراً كافياً لتشكيل وعي جديد قادر على وقف التماهي مع الجمهورية الإسلامية في إيران وإدراك تداعيات الصدام القيّمي الذي أحدثته ولاية الفقيه في إيران، والذي قطع أشواطاً في الإنتقال إلى بيروت وبغداد؟

 هل يخرج المواطنون في كلّ من بيروت وبغداد من حالة  الذهول أم ننتظر ربيع طهران؟

 

*مدير المنتدى الاقليمي للاستشارات والدراسات

مواضيع ذات صلة

الاستكبار النّخبويّ من أسباب سقوط الدّيمقراطيّين

“يعيش المثقّف على مقهى ريش… محفلط مزفلط كثير الكلام عديم الممارسة عدوّ الزحام… بكم كلمة فاضية وكم اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام… يعيش أهل بلدي…

ياسر عرفات… عبقرية الحضور في الحياة والموت

كأنه لا يزال حيّاً، هو هكذا في حواراتنا التي لا تنقطع حول كل ما يجري في حياتنا، ولا حوار من ملايين الحوارات التي تجري على…

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…