في أحسن أحواله لن يعود اليمن دولة واحدة. دولة الوحدة التي حارب من أجلها علي عبد الله صالح لن تعود إلى الوجود. عدن غير صنعاء. هذا ما اعترفت به الأطراف في التحالف العربي. وهو قدر لا يمكن التدخّل في صياغة تاريخه. أما وقد حاول الحوثيون السيطرة على عدن فلأنّ طائفيّتهم أعمتهم عن رؤية الحقيقة. تلك بلاد أخرى بتاريخ مختلف. وبغضّ النظر عمّا فعله الشيوعيون بأنفسهم وبالآخرين، فإنّ اليمن الجنوبي كان دائماً ذا مزاج متمرّد.
يمن بريطانيا والسوفييت
هل أقول إنّ في اليمن الجنوبي أمّةً مختلفة؟
إنّهم يمنيّون آخرون صنعهم الاحتلال البريطاني، ثمّ جاء الروس ووهبوهم مسحة تحرّر شكلي لا تتعارض مع الطابع الستالينيّ الذي حاول عبد الفتّاح اسماعيل التخفيف من حدّته رغبة منه في أن يكون مثقّفاً معاصراً. وهو ما جعل بلاده في مرحلةٍ ما قبلةً للمثقّفين العرب الحالمين بمرجعية ثورية عربية.
في حياتي التقيت يمنيّين من الجنوب كانوا يختلفون تماماً عن يمنيّي الشمال الذين أعرفهم. كانت الوحدة لغماً سرعان ما انفجر. لقد شعر الجنوبيون بالإحباط حين اكتشفوا مفاسد تجربتهم الشيوعية. غير أنّهم حين اكتشفوا خطأهم في الاستسلام للوحدة كان الزمن قد خانهم. لذلك خسروا حرب انفصالهم في محاولة عودتهم إلى الاستقلال. يومذاك انتصرت القبيلة على الدولة المدنية. غير أنّ الأحداث أكّدت أنّ تلك الدولة ما تزال قادرة على الدفاع عن نفسها. وهذا رهان خسره الحوثيون. وما كان في إمكان دولة الإمارات العربية المتحدة أن تضع حدّاً فاصلاً بين مشكلتين لولا أنّ اليمن الجنوبي هو بلد آخر غير ذلك البلد الذي يفكّر الحوثيون في احتوائه طائفياً.
لا تنفع سياسة الأمر الواقع في دفع الجنوبيين إلى التخلّي عن سيادتهم واستقلال دولتهم. كان هناك خطأ اسمه الوحدة بين مكوّنين لا يمكن أن يشكّلا مزيجاً منسجماً
لن يشعر يمنيّو الجنوب بالحرج لو أنّهم تحدّثوا عن مشكلة صنعاء
وصعدة باعتبارها مشكلة تخصّ إخوتهم في الشمال. لطالما حلم
الحوثيون باحتلال صنعاء لكنّهم لم يحلموا باحتلال عدن.
أكذوبة الوحدة
قد لا يكون الوقت مناسباً لإعلان قيام دولة اليمن الجنوبي. ففي ذلك نوع من التزكية التي لا يستحقّها الحوثيون الذين زاد ارتباطهم بإيران الأمور تعقيداً.
ولكنّ أيّة مفاوضات مرتقبة في إمكانها أن تعدّل المسار الذي نشأ عن خطأ الوحدة اليمنية. فإذا كان الحوثيون يتحدّثون عن حيف تاريخي لحق بهم جرّاء تفرّد قبائل بعينها بالقرار السياسي في صنعاء، فإنّ يمنيّي الجنوب سيطلقون العنان لأصواتهم في المطالبة بفكّ ارتباطهم بنظام قبلي قديم كانوا قد غادروه منذ زمن بعيد.
لا تنفع سياسة الأمر الواقع في دفع الجنوبيين إلى التخلّي عن سيادتهم واستقلال دولتهم. كان هناك خطأ اسمه الوحدة بين مكوّنين لا يمكن أن يشكّلا مزيجاً منسجماً. تلك الوحدة كذبة رفضها الجنوبيون فشنّ علي عبد الله صالح حربه من أجل إعادتهم إلى بيت الطاعة مثل زوجة عاصية. وبصريح العبارة خرّبت الوحدة حياة اليمنيين ولم تعوّضهم عمّا فقدوه بغياب الدولة الاشتراكية.
الفكرة التي تنطوي على السخرية هي التعريض بالجنوبيّين لأنّهم دعاة انفصال. في حقيقة أمرهم يدعون إلى العودة إلى الواقع التاريخي المعاصر. عدن ليست جزءاً من اليمن الشمالي. لقد غادرها البريطانيون لتكون عاصمة دولة مستقلّة. كلّ ما فيها لا علاقة له بالإمام بدر ولا بعبد الله السلّال الذي خلفه جمهوريّاً، ولا بالحرب التي قامت في الشمال بين الطرفين برعاية سعودية ــ مصرية.
إقرأ أيضاً: “القاعدة” والحوثيون في اليمن (2): عدوّان يكمِّل واحدهما الآخر
كان لعدن مستقبلها الذي استنفده الشيوعيون من غير أن ينشئوا البلد الذي كانوا يحلمون به. فكانت عدن ضحيّتهم التي سلّموها لوحدة ليست لها.
في القريب العاجل يعود اليمن إلى حقيقته وسيصبح يمنَيْن.