ماذا يملك حزب الله غير السلاح؟ سؤال يواجهه بالاستنكار المقاومون الذين لا يقاومون شيئاً سوى الحقيقة. تلك فقرة قد تمّ تخطّيها بحيث لم يعُد ذلك السؤال العقلاني ممكناً في ظلّ قعقعة السلاح. فحزب الله غير مستعدّ أصلاً لإجراء تفاهمات مع أطراف لبنانية أخرى بمعزل عن الاستقواء بالسلاح. لذلك لا ينفع أن يدلي أيّ مواطن بريء من شبهة القوّة برأيه. فالرأي محصور بمَن يضع البندقية على الطاولة.
كلّ حوار منطقي مع حزب الله يوجِب العودة إلى الثوابت الوطنية التي غادرها منذ أن نصّب نفسه وصيّاً على اللبنانيين ومتكلّماً حصرياً باسمهم، على الرغم من أنّ أحداً في العالم لم يبدِ رغبة في الاستماع إليه. فهو لا يمثّل جهة رسمية، وليس في إمكانه أن يعيد صناعة العرف الدبلوماسي العالمي لصالحه.
حزب الله هو تنظيم أمني. لا يحتاج إثبات تلك المقولة إلى قدر لافت من البحث والتقصّي. لغة السلاح هي اللغة الوحيدة الممكنة لدى أفراده. فهم لا عمل لهم سوى القتال. فهل يمكن أن لا يشكّل خطراً على المجتمع المدني مَنْ مهنتُه الحرب التي لا علاقة لها بالدفاع عن الوطن؟ إرهابيّو حزب الله هم مواطنون أفسَدَ الحزبُ مزاجهم الثقافي فانتقلوا إلى العنف الذي لا يمكن توقّع متى وأين يحدث. لا يستطيع اللبنانيون مثلاً أن يطلبوا من دولتهم تحسين أوضاعهم المعيشية. لا يليق بهم وهم على درجة ممّا تبقّى من العقل أن يفعلوا ذلك، ويعرفون أنّ تلك الدولة وضعها حزب الله تحت مئزره.
ما يقترحه حزب الله أن يكون لبنان واجهة للإرهاب العالمي وخطّاً أماميّاً من خطوط المقاومة الإيرانية لكلّ مقوّمات العيش في بيئة عالمية معاصرة
خطط الحزب وأوهامه
لقد خُيّل لحزب الله أنّ السلاح يُمكنه أن يشكّل دولة بعدما تمكّن من الدولة القائمة. فبعدما نصّب رئيساً لها صار يخطّط لامتلاكها. الدولة بالنسبة إليه هي الولاية التابعة لإيران وليس الجمهورية اللبنانية. وبسبب ذلك التفكير الفوضوي اصطدم بمجموعة الثوابت التي تحكّمت باللبنانيين حتى في خضمّ الحرب الأهليّة (1975 ــ 1990). كان اللبنانيون يعون دائماً أنّ الدولة هي آخر خيط يربطهم بالعالم، إن انقطع ذلك الخيط فإنّ كلّ شيء في حياتهم يتداعى ويكونون قد اختاروا العزلة التي تؤدّي إلى تهشيم كلّ معنى لصورتهم في المرآة العالميّة. تلك الصورة التي تعبت أجيال من أجل تركيبها.
ما يقترحه حزب الله أن يكون لبنان واجهة للإرهاب العالمي وخطّاً أماميّاً من خطوط المقاومة الإيرانية لكلّ مقوّمات العيش في بيئة عالمية معاصرة.
الأدهى من ذلك أنّ الحزب خطّط لاحتواء المجتمع اللبناني من خلال شقّ الطوائف وإشاعة الفتنة والفوضى في صفوفها. ذلك الاختراق السياسي – الاجتماعي هو بالضرورة عامل مساعد لتطبيع هيمنة حزب الله على المجتمع طوائفه كلها. فبدلاً من أن يكون حزب الله جزءاً من تركيبة لبنان السياسية، صار يسعى إلى وضع تلك التركيبة تحت إمرته واعتبار الآخرين مجرّد هوامش لتجربته في المقاومة، التي افترض أنّ على لبنان أن يدفع ثمنها، والتي انتهى مفعولها واقعياً عام 2000، وكان على المقاومين أن يذهبوا إلى بيوتهم.
لبنان بلا عيش
وبسبب هذه المعادلة الشديدة التعقيد لِما يتخلّلها من تعصّب وتطرّف، فقد صار حزب الله يتدخّل في الشؤون العامّة والخاصّة كلها، والتي تخصّ سير عمل الدولة والحياة اليوميّة للمواطنين. لم يكن دولة داخل الدولة كما يُشاع، بل هو عصابة سطت على دولة وصار أفرادها يمدّون أيديهم إلى الشؤون الاقتصادية والبيئية والاجتماعية والخدمية والقضائية والصحية إلى أن انتهت الأمور بلبنان بلداً يفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش من غذاء وماء وكهرباء ودواء. ولأنّ سلاح المقاومة كان وما يزال مرفوعاً، فقد كان حسن نصر الله قد افترض أنّ كارثة بحجم انفجار ميناء بيروت ستمرّ باعتبارها حدثاً، وهذا ما أشار إليه في إحدى خطاباته التي هي عبارة عن مونولوجات داخلية. فالرجل لا يرى لبنان، وهو لا يرى من لبنان سوى الضاحية الجنوبية لبيروت التي يعتبرها على الرغم من واقعها الرثّ النموذج الذي يجب أن يكون عليه لبنان.
إقرأ أيضاً: تحييد السلاح.. تشاطر خارج قاموس الحزب
مشكلات لبنان كلها يمكن أن تُحلّ عن طريق خبراء في الاقتصاد إلا مشكلته مع حزب الله. وبسبب تلك المشكلة فإنّ كلّ مشكلات لبنان تظلّ قائمة. فليس هناك مكان للخبراء المحايدين ما دام السلاح مرفوعاً وحزب الله ليس لديه سوى خبراء في السلاح.
*كاتب عراقي