شكّل فشل الانقلاب الصدري في العراق رسالة تطمين إلى إيران، مفادها أنّ الفوضى ستستمرّ ليس في العراق وحده بل في لبنان واليمن أيضاً. وذلك يعني أنّ الأذرع الإيرانية لم تتعرّض لأيّ نوع من أنواع الشلل التي كانت متوقّعة. وقد أكّد ذلك الفشل أنّ ما من بدائل مأمونة جاهزة للمشروع الإيراني الذي يستند أصلاً إلى استمرار الفوضى.
فوضى حركة الصدر
من المؤكّد أنّ برنامج مقتدى الصدر في انقلابه كان يقوم على الفوضى، وهو ما لا ترفضه إيران في ما يتعلّق بالدول التي وقعت تحت هيمنتها. ولكنّ كيفيّة إدارة تلك الفوضى أمر يهمّها. ويبدو أنّ إدارة الصدر فوضاه لم تكن حسنة، ولذلك فضّلت إيران أن لا تضحّي بعملائها من أجل مغامرة ليست محسوبة النتائج. فعلى الرغم من أنّ الصدر لم يكن خصماً لإيران إلا على مستوى الشعارات، فإنّ خصومته مع ممثّليها في العراق قد تُلحق الضرر بمصالحها، وبالأخصّ على مستوى التحويلات المالية. قالعراق يصدر العملة الصعبة إلى إيران، وهو ماكينة غسل رسمية للأموال المهرّبة من إيران من غير أن تتعرّض للمساءلة الدولية.
شكّل فشل الانقلاب الصدري في العراق رسالة تطمين إلى إيران، مفادها أنّ الفوضى ستستمرّ ليس في العراق وحده بل في لبنان واليمن أيضاً
لم يفشل الصدر في انقلابه لأنّ إيران وقفت ضدّه، ولا لأنّ خصومه استطاعوا هزيمته في معركة محدودة وخاطفة جرت وقائعها في المنطقة الخضراء ببغداد، بل لأنّه لا يملك البرنامج الوطني الذي يتّسق مع الشعارات التي رفعها. كان برنامجه فارغاً من أيّ محتوى. فالرجل لا يمكنه التخلّي عن تابعيّته المذهبية من أجل وطن يخيفه بمفهوم المواطنة العلماني حسب التفسير الديني، وله جمهوره الجاهل الذي يتبعه في العداء للعلمانيّة.
زعيم الجهل
في حقيقته يحلم الصدر أن يكون زعيماً للشيعيّة السياسية في العراق كما هو حال حسن نصر الله في لبنان وعبد الملك الحوثي في اليمن، لا زعيماً لوطن يتساوى فيه المواطنون.
تكمن مشكلة الصدر في هذا الأمر في أنّ العراق الجديد ليس لبنان أو اليمن، لأنّه أوّلاً جزء من نظام اخترعه الأميركيون باعتبارهم سلطة احتلال، ليكون سدّاً بينهم وبين العراقيين النافرين من الاحتلال. وثانيا لأنّ إيران حين تمكّنت من العراق بعد الانسحاب الأميركي لم تكن تملك القدرة على تغيير مزاج الشعب العراقي المتمرّد والمتقلّب بحيث تستميله إلى التعاون معها باعتبارها زعيمة المذهب الشيعي في المنطقة.
حين أعلن الصدر التمرّد بانسحابه من مجلس النواب والعملية السياسية كان يدرك أنّه يورّط نفسه في مشكلة مع إيران التي لم تعلِّق بشيء. كانت المفاجأة الوحيدة أنّ مرجعه الديني “الحائري”، وهو إيراني، قد تخلّى عنه. وهو ما أربك معادلاته، وكشف أوراقه كلّها. فالرجل لم يكن إلا تابعاً. ولم يكن انقلابه إلا تعبيراً عن خصومة داخل البيت الشيعي لا علاقة لها بالوطنية.
إقرأ أيضاً: العراق في ظل ثقافة احتلالين
أنهى الصدر تمرّده الفوضوي، لكنّه لم يعلن قبوله بفوضى الأحزاب الشيعية التي ما يزال فسادها ينخر في جسد الدولة العراقية. ما يزال خطابه ساخناً. ذلك خطاب معطوب، غير أنّه ليس كذلك بالنسبة لجماهيره. لقد فتك الجهل بالغالبية الشيعية.