عادَت عجلة الاتفاق النّوويّ لتسير مجدّدا، لكن بعيداً عن الأضواء هذه المرّة. فسقف التوقّعات الذي يرتفع كلّ فترة، يعود ليقع على رؤوس المحلّلين والمتوقّعين.
لكنّ الجديد هذه المرّة، الذي قد يدفع بعجلة الإتفاق إلى مقاعد “التوقيع”، أنّ ملفّ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ “وقع” عن طاولة المُحادثات مع واشنطن. هذا ما يؤكّده مصدر أميركيّ مسؤول لـ”أساس”.
ليسَ البحث عن السّرّ مُستحيلاً. إذ يكمن في زيارة أمير قطر الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني طهران قبل أيّام ولقائه المرشد علي خامنئي والرّئيس إبراهيم رئيسي.
بحسب المصدر الأميركيّ، استطاع الشّيخ تميم أن يُقنع الإيرانيين بعدم جدوى البحث مع الأميركيين في مسألة رفع “الحرس الثّوريّ” عن لوائح الإرهاب. لا تستطيع إدارة بايدن أن تحمل قنبلةً موقوتة قد تنفجر فيها قبل الانتخابات النّصفيّة. ولا تستطيع طهران أن تتنازل، فتقبل بالتصنيف الإرهابيّ للحرس الثّوريّ.
بحسب مصدر مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس”، فإنّ لويد أوستن وجايك سوليفان أكّدا لوزير الدّفاع الإسرائيليّ أنّ أوكرانيا هي أولويّة إدارة بايدن اليوم
كواليس زيارة تميم
ليسَ سرّاً أنّ دولة قطر تلعبُ دوراً محوريّاً في سوق الغاز الطّبيعيّ، وكذلك إيران التي يجمعها بقطر أكبر حقلٍ مُكتشف للغاز في العالم: حقل الشّمال. وقد أبلغت قطر للأميركيين صراحةً بأنّها لا تستطيع أن تمدّ أوروبا باحتياجاتها من الغاز بسبب ارتباطها بعقود آجلة طويلة الأمد مُعظمها مع الصّين. هُنا بدأ الغرب، وخصوصاً الدّول الأوروبيّة، يُفكّر في طهران كأحد أهم البُدلاء عن الغاز الرّوسيّ.
عرفَ الإيرانيّون مقامهم عند الأوروبيين فتدلّلوا. رفعوا سقفَ مطالبهم في فيينا، ووصلوا إلى حدّ التلويح بالانسحاب من المُفاوضات النّوويّة في حال لم يُرفَع الحرس الثّوريّ عن لوائح الإرهاب. وكانت إدارة بايدن قد أبدت تجاوباً في بادئ الأمر. وصلَ صدى هذا التّجاوب إلى تل أبيب والدّول العربيّة والحزب الجمهوريّ الأميركيّ. واجه بايدن وفريق عمله واحدةً من أشرس جبهات المُعارضة منذ تولّيه السّلطة.
استطاعت المُعارضة الدّاخليّة، مُتمثّلة بالحزب الجمهوريّ وبعض الدّيمقراطيين، والخارجيّة التي جاءَت على شكلِ مؤتمرات عربيّة – إسرائيليّة مشتركة، وعلى شكلِ معلومات إسرائيليّة انتزعتها من أحد ضبّاط الحرس الثّوريّ عن نيّة طهران اغتيال شخصيّات أميركيّة وفرنسيّة بالخارج، أن تنتزع تراجعاً من بايدن عن موافقته على رفع الحرس الثّوريّ عن قوائم الإرهاب.
كادَ الاتفاق النّوويّ أن يهوي ومعه المنطقة بأسرها. تلقّفت قطر الموقف، وزارَ أميرها إيران على رأس وفدٍ سياسيّ واقتصاديّ رفيع. أقنعَ القطريّون إيران بأن يُؤجّلوا بحث مسألة الحرس الثّوريّ إلى وقت لاحق بعد العودة إلى الاتفاق. بحسب معلومات “أساس” وافقَ الإيرانيّون بشرط أن ترفع الولايات المُتّحدة العقوبات المُتعلّقة بالنّفط والغاز الإيرانيّ، وتلك المُرتبطة بنظام Swift للتحويلات والمعاملات المصرفيّة.
في واشنطن، يبدو أنّ الأميركيين يجدون مسألة النّفط والغاز والتعاملات المصرفيّة أكثر منطقيّة من مسألة الحرس الثّوريّ. حملَ الدّبلوماسيّ الأوروبي إنريكه مورا الجواب الإيجابيّ الأميركيّ إلى طهران. بحسب المصدر الأميركيّ، كان مورا قد أبلغ الأميركيين قبل سفره إلى إيران: “في حال لم تسيروا في مسألة النّفط والغاز الإيرانيّين، فإنّ الاتحاد الأوروبي قد يضطرّ إلى اتّخاذ إجراءات أحاديّة الجانب ويتعامل مع إيران بشكلٍ مباشر، سواء عادت أميركا إلى الاتفاق أم لا”.
وجدَ الأميركيّون أنفسهم في موقف محرج أمام الاتحاد الأوروبيّ الذي يواجه تداعيات الحرب الرّوسيّة – الأوكرانيّة. وعليه، تجاوب الأميركيّون مع المساعي القطريّة والأوروبيّة. ويكشف المصدر أنّ الأيّام العشرة المُقبلة قد تشهد عودة الزّخم الإيجابيّ إلى فيينا في حال تأكّدت إدارة بايدن من أنّ إيران لن تطرح مسألة الحرس الثّوريّ مجدّداً. وعليه يكون أمام الأميركيين والإيرانيين مسائل تقنيّة صغيرة يمكن حلّها بسهولة في حال توفّرت النّيّة لدى الجانبيْن.
روبرت مالي – رئيس الوفد الأميركي إلى فيينا
إسرائيل تردّ بـ”مركبات النّار”
لم يكن وقع الأنباء النّوويّة سهلاً في تل أبيب. هُناك يُجري الجيش الإسرائيليّ مناورات عسكريّة هي الأوسع في تاريخه تُحاكي حرباً إقليميّة مع إيران ووكلائها.
سارع موقع AXIOS إلى الكشف عن مشاركة قوّات أميركيّة في الجزء الذي يحاكي توجيه ضربة عسكريّة للمنشآت النّوويّة الإيرانيّة.
كشفت “القناة 13” العبريّة أنّ لدى الجيش الإسرائيلي عدداً من الخطط للهجوم على إيران، بينما يعمل على تقليص قدراتها في المنطقة. وكشفت القناة أيضاً أنّ سلاح الجوّ الأميركيّ سيشارك في هذه المناورة التي تحاكي هجوماً “واسعاً” في إيران. وفيما ستشارك مقاتلات “إسرائيلية” عديدة في المناورة، لفتت القناة إلى أنّ المختلف هذه المرّة هو أنّ سلاح الجوّ الأميركي سيشارك مع طائرات تزويد بالوقود تقوم بتزويد المقاتلات “الإسرائيلية” وهي في طريقها للهجوم. وقد وصفت القناة المُشارَكة الأميركيّة بأنّها رسالة للإيرانيين مُفادها: “في حال لم يهاجم الأميركيون، فعلى الأقلّ سيقومون بمساعدتنا”.
لكنّ مصدراً أميركيّاً مسؤولاً نفى لـ”أساس” ما أورده الموقع الأميركيّ، وقال إنّ مراقبين عسكريين أميركيين يتبعون للقيادة المركزيّة CENTCOM يُقيّمون المناورة، حالها كحال أيّ مناورة يجريها الجيش الإسرائيليّ الذي تربطه اتفاقيّات استراتيجيّة مع واشنطن. وضع المسؤول الأميركيّ الأنباء في إطار الضّغط الإسرائيليّ على الإدارة الأميركيّة لعرقلة أيّ تقدّم في المُحادثات النّوويّة مع إيران.
في تل أبيب أيضاً، وفي التّوازي مع المُناورة المنتظرة لـ”سرب إيران” في إطار “مركبات النّار” في 29 الجاري، خرجَ وزير الدّفاع بيني غانتس مجدّداً ليُعلن أنّ “إيران باتت على مسافة أسابيع من الوصول إلى موادّ تُستخدَم في صناعة القنبلة النّوويّة”.
تحدّث غانتس وتوجّه فوراً إلى واشنطن للقاء نظيره الأميركيّ لويد أوستن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان يوم الأربعاء الماضي. قبل وصول غانتس إلى واشنطن بيومٍ واحد، عاجله المُتحدّث باسم الخارجيّة الأميركيّة نيد برايس بتصريحٍ إعلاميّ: “نعتقد أنّ الدبلوماسية والحوار يوفّران فرصة لوضع حدّ بشكل نهائي ودائم لقدرة إيران على إنتاج أو امتلاك السلاح النووي”.
مصدراً أميركيّاً مسؤولاً نفى لـ”أساس” ما أورده الموقع الأميركيّ، وقال إنّ مراقبين عسكريين أميركيين يتبعون للقيادة المركزيّة CENTCOM يُقيّمون المناورة، حالها كحال أيّ مناورة يجريها الجيش الإسرائيليّ
ماذا سمع غانتس في واشنطن؟
بحسب مصدر مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس”، فإنّ لويد أوستن وجايك سوليفان أكّدا لوزير الدّفاع الإسرائيليّ أنّ أوكرانيا هي أولويّة إدارة بايدن اليوم، وعليه فإنّ واشنطن تريد استقراراً في الشّرق الأوسط، وأنّ الولايات المُتّحدة تؤيّد استكمال بناء التحالف الإقليميّ بين إسرائيل والدّول العربيّة في وجه إيران، وأنّ إدارة بايدن لن ترفع الحرس الثّوريّ عن لوائح الإرهاب، وهذا التزام أميركيّ تجاه “الحلفاء في الشّرق الأوسط”.
وأكّد وزير الدّفاع الأميركيّ لنظيره الإسرائيلي أنّ واشنطن لن تدّخر جهداً لتعزيز وتوسيع التحالف الإقليمي لردع عدوان إيران بقيادة الولايات المُتحدة حصراً. ونبّه غانتس من خطورة أيّ تحرّك أحادي الجانب للجيش الإسرائيليّ، خصوصاً على الائتلاف الحكوميّ برئاسة نفتالي بينيت الذي يضمّ الأحزاب العربيّة في الكنيست الإسرائيلي.
كرّر غانتس أمام نظيره الأميركيّ أنّ بلاده تدعم أوكرانيا، وستستمرّ بذلك، وذلك كجوابٍ على سؤالٍ طرحه أوستن على غانتس في ما يتعلّق بالموقف الإسرائيليّ من الأزمة الأوكرانيّة.
إقرأ أيضاً: الأسد في إيران: رسائل للإمارات وروسيا وإسرائيل
هكذا يحاول الأميركيّون أن يحافظوا على الاستقرار في الشّرق الأوسط، وأن يمنعوا إيران من امتلاك القنبلة النّوويّة. في المقابل تبدو الشّهيّة الإسرائيليّة، كما دائماً، متعطّشة لتوجيه ضربةٍ للمنشآت النّوويّة الإيرانيّة. إلّا أنّ اختلاف الأولويّات الأميركيّة بسبب أوكرانيا يقف عائقاً في وجهها حتّى السّاعة.
تقلق تل أبيب عند كلّ نبإٍ يصلها عن إمكانيّة إعادة الاتفاق النّوويّ إلى الحياة، ومعه 120 مليار دولار ستغرق إيران قسماً كبيراً من أذرعها بمئات الملايين منها، وربّما المليارات، وهذا بالنّسبة لتل أبيب يوازي القنبلة النّوويّة، وربّما أخطر…