في البقعة الوحيدة التي تدخّل فيها رئيس الجمهورية ميشال عون علناً لمصلحة التيار الوطني الحر الانتخابية، وهي جزّين، تعرّض “العونيون” لأقسى ضربة منذ عودة “الجنرال” من المنفى بعد خسارة “الباسيليّين” حضورهم النيابي في القضاء.
حقّقت القوّات هناك فوزاً سياسياً ومعنوياً كبيراً، لكنّ هذا الفوز لم يعوّضها “نكبة” خسارة أحد مقعدَيْ بشرّي على يد حليف تيّار المردة ملحم طوق. فمقعد جوزيف إسحق الذي “طار” يوازي لائحة بكاملها في حسابات سمير جعجع.
نموذجان “يلجمان” ذهاب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية في ادّعاء انتصارات ليست في مكانها، خصوصاً حين يقتحم الصوت التغييري عقر دارهما و”قلاع” حلفائهما بـ”مجموعة ضغط” بدأت منذ الآن تخطّط لأجندة عمل تحت قبّة البرلمان على الأرجح ستُحرِج جميع أحزاب السلطة، بما فيها تلك “المُتقمّصة” دور المعارضة.
يرفض فريق حزب الله وحركة أمل تماماً فكرة خسارتهم الأكثرية على الرغم من سقوط شخصيات أمثال فيصل كرامي وإيلي الفرزلي وأسعد حردان وطلال أرسلان
نهاية مرحلة “صُدِّق صُدِّق”
وحدها الأرقام ستوضح حقيقة “مزاج” الطوائف بغضّ النظر عن مقعد بـ”الطالع أو النازل” ناله التيار أو القوات أو الثنائي الشيعي. لكن بالانتظار، فُتحت سرّاً “صالونات التعازي” في أكثر من مكان على الرغم من ادّعاء العكس.
باستثناء قوى التغيير التي تمثّلت بـ14 مقعداً في برلمان نهاية العهد، ومجموعة النواب المستقلّين، ووليد جنبلاط المرتاح لحصاده الانتخابي الذي تمثّل بتسعة نواب وبسقوط وئام وهاب وطلال أرسلان في لحظة “تسليم كل شيء”، كما قال، لتيمور جنبلاط، فإنّ الجميع يتفرّغ راهناً لقراءة الأرقام ودلالاتها.
قوى حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والقوات والقومي وتيار المردة والطاشناق تعضّ على جرحها وتتهيّأ للمواجهات الكبرى بعد إعلان نتائج الانتخابات رسمياً.
يبدأ الماراتون من الضغط للسير بالتصويت الإلكتروني في مجلس النواب لوضع حدّ لحقبة “صُدّق صُدّق”، ولا ينتهي بإقرار قوانين وتعديلها، مروراً باجتياز مطبّ انتخاب نبيه برّي رئيساً لولاية سابعة وانتخاب نائب الرئيس، وصولاً إلى ملفّ انفجار المرفأ ومسؤوليّة مجلس النواب حياله.
ثلاث أقلّيّات
يقول الخبير الانتخابي جان نخول لـ”أساس”: “خسر حزب الله أكثريّته بعدما تراجعت حصّته إلى 60 نائباً. لكن لا أكثرية أيضاً لمعارضيه. فعليّاً هناك ثلاث أقليّات في مجلس النواب الجديد. محور القوات والاشتراكي وحلفائهما من مستقلّين يناهز 52 نائباً، حزب االله وحركة أمل والتيار والحلفاء 60 بعدما حصدوا 71 نائباً عام 2018، وقوى التغيير 15 نائباً”.
يشير نخول إلى أنّه “للمرّة الأولى كُسِرت الأحاديّات في غالبيّة الدوائر، وهذا مؤشّر مهمّ جدّاً. في الجنوب هناك خرقان، في بشرّي “انكسرت” الثنائية القوّاتية، في زغرتا انكسرت زعامة آل فرنجية من خلال لائحة “شمالنا”، وفي البترون حصلت النكسة من خلال الأصوات التفضيلية القليلة التي نالها جبران باسيل مقارنة بالدورة الماضية في مقابل “تحليق” معارضيه في الدائرة. ولو كان نظام الانتخاب أكثريّاً لكان نال باسيل 20% فقط، إضافة إلى نكسة جزّين وبعبدا”، مشيراً إلى أنّ “قوى المعارضة كانت لتحقّق تسونامي حقيقيّاً لو أدرك المتردّدون في كلّ الدوائر أنّ أصواتهم ستوصل نوّاباً تغييريّين إلى البرلمان”.
“برلمان عراقيّ”
مع ذلك، ثمّة مَن يملك قراءة مغايرة لنتائج الصناديق. وفق تعبير سياسي مخضرم “نحن أمام نموذج من برلمان عراقي تتشتّت داخله القوى من دون قدرة أيّ طرف على الحسم أو إدارة دفّة المرحلة”.
والأمثلة كثيرة: يُتوقّع أمام استحقاق إعادة انتخاب نبيه برّي لولاية سابعة أن يغرق مجلس النواب بالأوراق البيضاء من كتلة جبران باسيل والكتائب والقوات وصولاً إلى آخر نائب تغييري. سيفوز نبيه بري وفق المتوقّع بالأكثريّة العاديّة، لكن ماذا عن نائبه؟ لقوى 8 آذار مرشّحها، وللقوات مرشّحها غسان حاصباني، ولـ”التغييريّين” مرشّحهم الأرجح أن يكون ملحم خلف، فهل يحصل الاصطدام؟ ومن سيوفّر الأكثريّة لانتخاب نائب الرئيس؟
يقول الخبير الانتخابي جان نخول لـ”أساس”: “خسر حزب الله أكثريّته بعدما تراجعت حصّته إلى 60 نائباً. لكن لا أكثرية أيضاً لمعارضيه
تصارع الأقليّات قد يكون النتيجة الحتميّة داخل المجلس وخارجه. وها هم “المستقلّون” يغادرون الواحد تلو الآخر لوائح القوات والكتائب والتيار وميشال معوّض، وهو ما يشي بمزيد من التفتيت في الهيكل النيابي الطري.
وفيما دُشِّن منذ الآن تنظيم الصفوف بين قوى المعارضة والتغيير، فإنّ التباينات بدأت فوراً بالظهور: فريق يصرّ على التمثّل في الحكومة المقبلة وفريق آخر “يُحرّم” هذا الخيار كي يكون مجلس النواب مسرح المحاسبة والمعارضة الأوحد.
مؤشّر آخر ينبئ بتفكّك “جبهة التغييريين”، لكن مع التسليم بأنّ الجامع المشترك شبه الوحيد بين الأحزاب المسيحية المعارِضة وبعض المستقلّين وقوى التغيير هو سلاح حزب الله، فهل يخوض هؤلاء معركة “نزعه” من ساحة النجمة؟! وهل يحمل هؤلاء مشروع حوار أو مواجهة مع فريقين لم يُسجّل أيّ خرق لجبهتهما الشيعية على امتداد الدوائر الانتخابية حيث حافظا على كوتا الـ 27 نائباً؟
برّي “المرشد الأعلى”
في جلسة خاصة قبل يومين بحضور النائب وليد جنبلاط “راكب موجة” التغيير والانقلاب على المنظومة رُصدت مواقف لـ”البيك” يطوّب من خلالها الرئيس نبيه بري “مرشداً أعلى” لمرحلة ما بعد الانتخابات، مثنياً على “الحلف التاريخي مع عين التينة والمستمرّ مع تيمور”. حتّى السفير السعودي وليد البخاري يبدي في مجالسه مواقف إيجابية باتّجاه برّي، وسمير جعجع يشترط “التصويت الإلكتروني” مدخلاً إلى التفاهم على دعم انتخاب برّي.
هي تفاصيل تصعّب أكثر مهمّة قراءة المشهد النيابي و”فرز” الجبهات بعد تسونامي المعارضة وخسارة الحزب أكثريّته.
لن يكون تفصيلاً في هذا السياق أن يقصّ حزب الله شريط أوّل كباش علني مع الضيوف الجدد الذين سيتمركزون على مقاعد “رموز” الحقبة الماضية، محذّراً هؤلاء من “العزلة إذا لم تتعاونوا معنا. إيّاكم أن تُخطِئوا الحساب معنا. وإذا كنتم لا تريدون حكومة وطنية فأنتم تقودون لبنان إلى الهاوية “، ملمّحاً إلى أنّ “بعضهم قد يكون درعاً لإسرائيل داخل مجلس النواب”.
في هذا السياق، يرفض فريق حزب الله وحركة أمل تماماً فكرة خسارتهم الأكثرية على الرغم من سقوط شخصيات أمثال فيصل كرامي وإيلي الفرزلي وأسعد حردان وطلال أرسلان.
إقرأ أيضاً: بعد 15 أيّار: لا يُصرف الفوز… إلّا على “الطاولة”
تقول أوساط هذا الفريق: “لو سقطت الأكثرية لكان السقوط الأكبر سجَّله التيار الوطني الحر كحزب وهذا ما لم يحصل، ولَما كانت ملايين الدولارات التي صرفها فؤاد المخزومي في بيروت وصراخه الدائم بوجه سلاح حزب الله واجتياحه للشاشات قد أخرجته من المعركة بمقعد يتيم”.