وسط شحن طائفي مذهبي سياسي وصل إلى حدّه الأقصى تجري هذه الانتخابات لترسم معها معالم موازين القوى الجديدة.
كلٌّ من القوى السياسية يخوض معركته على أنّها “معركة وجود”. الواقع أنّها ليست كذلك، بل هي فقط معركة تحصيل أوراق لفرضها وبيعها في التسوية الكبرى المقرّرة بعد الانتخابات. وما الخطاب “الوجودي” الانتخابي سوى حقن لنفوس الناخبين لحصد أكبر عدد من الأصوات.
ولن يكون فرز الأصوات وتوزيع المقاعد هو المعيار الوحيد لقياس حجم تمثيل القوى، سواء كانت قوى السلطة أم القوى المعارضة لها، بل سيكون الفوز وفق عدد الأصوات التي سينالها الرابحون والخاسرون… حتّى تلك التي لا تُحتسب في الحواصل الانتخابية.
غير أنّ كلّ ذلك سيقود إلى مشهد واحد، هو مشهد ما بعد الانتخابات النيابية، حيث سيجلس الجميع إلى “الطاولة”، لإيجاد مخرج للأزمة السياسية، إن برعاية إقليمية أو برعاية خليجية عربية.
يدرك حزب الله أنّه لن يحكم وحده، وسبق أن عبّر عن ذلك أمينه العامّ قبل أيام من الانتخابات. ويدرك خصوم الحزب أنّهم لا يستطيعون نزع سلاحه مهما علا صراخهم واعتراضهم. وبالتالي سيقيِّم كلّ حزب أوراق قوّته وضعفه بعد 15 أيّار، لاستخدامها في التسوية المقبلة.
لن يكون فرز الأصوات وتوزيع المقاعد هو المعيار الوحيد لقياس حجم تمثيل القوى، سواء كانت قوى السلطة أم القوى المعارضة لها، بل سيكون الفوز وفق عدد الأصوات التي سينالها الرابحون والخاسرون
فماذا في حسابات القوى المختلفة؟
1- يسعى حزب الله إلى الحصول على المشروعيّة من الطوائف الأخرى، بدءاً من تثبيت أركان حليفه المسيحي الذي أضعفته ثورة 17 تشرين، وصولاً إلى الساحتين الدرزية والسنّيّة، مستفيداً من قرار رئيس تيار المستقبل سعد الحريري تعليق عمله السياسي والانسحاب من صناديق الإقتراع. على أن يستخدم ذلك في تقديم خطاب إلى الداخل والخارج مفاده أنّه وسلاحه شرعيّان بدليل فوزه في الانتخابات بأكثريّة المجلس وأكثرية داعمة من الشعب اللبناني.
وقد استبق نصرالله هذا المشهد بكلامه عن قبوله نقاش الاستراتيجية الدفاعية وتحذيره من المسّ بسلاح الحزب قائلاً: “فشروا ينزعوا السلاح”.
ما كان هذا الكلام سوى تمهيد لمرحلة ما بعد الانتخابات التي ستُطرَح فيها كلّ العناوين الإشكالية في البلاد، بدءاً من السلاح وصولاً إلى النظام السياسي.
2- التيار الوطني الحر معنيٌّ بإحراز أكبر عدد من النواب ليحافظ على الكتلة المسيحية الكبرى بوجه القوات اللبنانية. وإذا فشل فسيكون معنيّاً بالمحافظة على 15 نائباً على الأقلّ، لتكريس شعبيّته، على الرغم ممّا يعتبره “اغتيالاً معنويّاً حصل بحقّه منذ ثورة 17 تشرين”. وهدفه أن يحافظ جبران باسيل على دوره، لاعباً أساسيّاً في المعادلات السياسية، وأن يفرض شروطه في الإدارة وفي رئاسة الجمهورية المقبلة وإن لم يكن مرشّحاً لها.
كلّ القوى، تحديداً القوى الفائزة في الانتخابات، سواء حزب الله أو القوات اللبنانية، تدرك أنّ فوزها لن يُصرف في حسابات الداخل، بل سيزوّدها بمزيد من الأوراق لفرض شروطها على الطاولة
3- القوات اللبنانية معنيّة بتحقيق فوز انتخابي على التيار الوطني الحر لإنهاء مقولة إنّ التيار يحظى بأكبر تمثيل مسيحي، وللتشكيك في المشروعيّة المسيحية لحزب الله. بذلك تفرض القوات نفسها فريقاً نيابياً وازناً في مجلسَيْ النواب والوزراء، وتُدخِل سمير جعجع لاعباً أساسيّاً إلى انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة وتحجز له مقعداً في التسوية المقبلة.
4- الحزب التقدّمي الاشتراكي معنيٌّ بالمحافظة على الأكثرية الدرزية. لذلك طلب رئيس الحزب وليد جنبلاط الاقتراع للمقاعد الدرزية لأنّ هذه الانتخابات ستكون بمنزلة استفتاء على الزعامات. وبالتالي لا مصلحة لجنبلاط بالفوز بمقاعد غير درزية على حساب المقاعد الدرزية. ولعلّ أكثر المعارك التي تعني جنبلاط حاليّاً هي معركة “محاولة كسر مروان حمادة” لِما تعنيه هذه المعركة في الساحة الدرزية.
5- سعد الحريري معنيٌّ بتأكيد حيثيّته في الشارع السنّيّ من خلال نسبة الاقتراع، وتحديداً في بيروت. ونجاح الحريري في تثبيت حيثيّته وأثر قراره على نسبة الاقتراع قد يخوّلانه العودة إلى المشهد السياسي اللبناني من بابه العريض.
6- حلفاء حزب الله من الطائفة السنّيّة معنيّون بتوسيع تمثيلهم الانتخابي مستفيدين من غياب الحريري. غير أنّ تموضع تمثيلهم في السياسة مرهون بتقاطعات إقليمية أكثر ممّا هو مرهون بحسابات داخلية. وبالتالي فإنّ تكتّلهم مع الثنائي الشيعي في كتلة واحدة متحرّك وليس ثابتاً.
7- أما القوى المعارضة للسلطة فتخوض معركة خرق المجلس بأكبر كتلة تمكّنها من اللعب بتوازنات المجلس المقبلة.
إقرأ أيضاً: الحزب “يحاصر” 7 مقاعد مهدّدة… بالرصاص والتخوين
كلّ القوى، تحديداً القوى الفائزة في الانتخابات، سواء حزب الله أو القوات اللبنانية، تدرك أنّ فوزها لن يُصرف في حسابات الداخل، بل سيزوّدها بمزيد من الأوراق لفرض شروطها على الطاولة.
ما بين الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية سيكون بحثٌ في مسار البلاد السياسي والاقتصادي، وخلاله سيكون مَن يتّهم خصومه اليوم مستخدماً شتّى أنواع الاتّهامات من عمالة وتخوين وفساد وغيرها، معنيّاً بالجلوس معهم إلى الطاولة نفسها لبحث مصير مشترك.
وستنخفض الأصوات… وتعود لغة “التوافق” و”العيش المشترك”.