الكوبري “يهدم” ذاكرة مصر الأدبية

مدة القراءة 5 د

غالبًا ما لا تستعاد في هذه الأيام الرمادية المأزومة أسماءُ رجالات النهضة العربية الحديثة وكبار أعلامها بين نهايات القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، إلا كشواهد وأنصاب كان لها حضورها البارز في تلك الحقبة التي تُرى اليوم وردية زاهرة في العواصم العربية وثقافتها، من القاهرة إلى بيروت ودمشق وبغداد، خصوصًا.

مئات الجسور وألوف تعليقات الاستياء

آخر هذه الاستعدادات الراهنة أتت من القاهرة، وموضوعها قبر عميد الأدب العربي طه حسين: احتمال إزالة القبر لغايات تطوير عمراني ومروري. والاحتمال لايزال ملتبسًا وغير واضح، خبرًا وتعليقات في المواقع الإخبارية وفي الإعلام الاجتماعي الذي حولته ثورات الربيع العربي منذ 2011، فقاعة كبرى موازية للتداولات والمناقشات الحرة، الممتنعة في الواقع الاجتماعي وفضاءات العلنية العامة.

سرعان ما ظهر هاشتاغ بعنوان “أنقذوا جبانات عظماء مصر”، مستجيبًا لاستياء كتاب ومثقفين من المشاريع العمرانية والمرورية التي تزيل مبانٍ تراثية ومعالم ثقافية عمرها ألف عام

فمنذ أكثر من أشهر ثلاثة بدأ التداول على هذا الإعلام الموازي إن علامة (x) وضعت على قبر طه حسين إنذارًا لإزالته. وراحت التعليقات تتناسل عن صاحب القبر وأدواره في الحياة الثقافية والفكرية المصرية والعربية. وفي الاستطلاعات الصحافية التي تناولت الموضوع في القاهرة، استعيدت أخبار المشاريع التي تتولى إنشاءها في مصر “الهيئة الهندسية التابعة للجيش المصري”، منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم والسلطة. وهي تخطط لإنشاء ألف كوبري جديد بكلفة 8 مليار دولار، نفد منها أكثر من 600 كوبري علوي و21  محورًا بكلفة نحو 5 مليار دولار. وبعضها يربط مناطق في القاهرة بأخرى، مرورًا بأحياء سكنية ومعالم تراثية ومقابر. ومنها جسر يمر بمنطقة التونسي وحي الخليفة جنوب القاهرة، حيث مقبرة طه حسين التي تضم إلى رفاته رفاة كل من ابنته أمينة وزوجها وزير خارجية مصر الأسبق محمد حسن الزيات. والمعروف أن أمينة كانت من أوائل النساء اللواتي حصلن على شهادة جامعية من جامعة القاهرة.

وروي في التعليقات المتناسلة أن حارس المقبرة أخبر العائلة بالعزم على إزالتها بسبب مشاهدته علامة (x). لذا انبرت ابنة حفيدة طه حسين، مها عون المقيمة في لبنان، إلى الحديث عن أن السلطات المصرية لم تخطر العائلة بالأمر، وهي عازمة على نقل الرفاة إلى خارج مصر. أما عضوة مجلس الشعب المصري مها عبد الناصر فقالت إنها تقدمت بطلب من الحكومة يستوضح ما يثار حول الموضوع، مشيرة إلى أن مجلس الشعب لم يناقشه. هذا وكثر الكلام عن مثقفين وكتابًا مصريين طلبوا نقل الرفاة إلى مكان أمام جامعة القاهرة. وتحدث آخرون عن ضرورة إقامة مقابر لرموز مصر جميعًا في العاصمة الإدارية الجديدة خارج القاهرة.

وسرعان ما ظهر هاشتاغ بعنوان “أنقذوا جبانات عظماء مصر”، مستجيبًا لاستياء كتاب ومثقفين من المشاريع العمرانية والمرورية التي تزيل مبانٍ تراثية ومعالم ثقافية عمرها ألف عام.

لكن من سأل إدارة محافظة القاهرة من الصحافيين في موضوع إزالة قبر طه حسين، نقلوا عنها أن لا علاقة لها في موضوع الجسر ولم تتلق معلومات رسمية عنه. أما العميد أحمد أبو بكر المسؤول المحلي في منطقة المقطم، فاعتبر أن الموضوع لا يتعدى الشائعات التي راحت تتفاعل وتكبر وهي غير صحيحة.

انبرت ابنة حفيدة طه حسين، مها عون المقيمة في لبنان، إلى الحديث عن أن السلطات المصرية لم تخطر العائلة بالأمر، وهي عازمة على نقل الرفاة إلى خارج مصر

مؤسسة المدى العراقية تناشد

الناشر والسياسي والكاتب العراقي فخري كريم رئيس “مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون” علّق على ما يُتداول في الموضوع: “في ظل الأزمة الكبيرة التي يواجهها العالم العربي، وفي الظرف العصيب الذي يمر به عراقنا المتداعي، يداهمنا خبر ازالة قبر عميد الأدب العربي، أحد أبرز رموز الحداثة والتجديد، طه حسين”.

وأضاف: “نحن ندرك أن هذا الإجراء لا ينطوي على نية أوقصد مبيت، بل على اعتبارات عمرانية. لكن من الضروري ألا يأتي هذا على حساب قامة عربية وعالمية وشاهد على ما يرمز اليه من المعنى الذي تنطوي عليه “أم الدنيا” مصر.

وأهابت مؤسسة المدى بـ”السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي رعى المسيرة المبهرة لمومياءات مصر أي المتحف الجديد، أن يسجل باسمه تشييد صرحٍ آخر يصبح مزاراً للمثقفين المصريين والعرب، وذلك بتخصيص مساحة لبناء قبر طه حسين في القاهرة، بما يحفظ القيمة المعمارية والجمالية للقبر وما يتضمنه صاحبه من معاني. على أن يضم الصرح الجديد رفات المثقفين والمبدعين المصريين المقرر نقلها، لاستكمال المحاور المرورية الجديدة”.

إقرأ أيضاً: “وصيّتي الأخيرة لبلادي ورئيسي”

من هو طه حسين؟

ولد طه حسين ضريرًا سنة 1889 في محافظة المنيا. وروى سيرته في كتابه الشهير “الأيام” الذي قرأته بشغف أجيال عربية، واستلهم في مسلسل تفزيوني شهير أيضًا.  وبني قبره عند وفاته في 28 تشرين الأول 1973، أثناء “حرب 6 أكتوبر” لتحرير سيناء. ودرس في الأزهر، ثم في جامعة القاهرة، وفي فرنسا حيث تأثر بمؤسس الاجتماعيات الحديثة الفرنسي إميل دوركهيم، وتزوج امرأة فرنسية رافقته طوال حياته. وأثار كتابه الشهير “في الشعر الجاهلي” المنشور في عز النهضة العربية الحديقة جدالًا واسعًا قي مصر والعواصم العربية. وتصدى له المثقفون المحافظون، وعلى رأسهم مصطفى صادق الرافعي. أما كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” الذي دعا فيه إلى حق النساء في التعليم، ورأى أن مصر وثفافتها حاضرة في الدائرة المتوسطية، فأثار حفيظة الداعية الإسلامي الأصولي سيد قطب، فكتب ردًا عليه في كتاب عنوانه “نقد مستقبل الثقافة في مصر”. وكان طه حسين من واضعي الحجر الأساس في إلزامية التعليم ومجانيته. فإلى توليه عمادة كلية الأداب في جامعة القاهرة، ورئاسة جامعة الإسكندية، شغل منصب وزير المعارف المصرية، أي الثقافة والتربية والتعليم.     

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…