قادتنا، صديق إعلامي عربيّ وأنا، الدردشة إلى سؤاله لي: ماذا لو بقي الرئيس ميشال عون في بعبدا ولم يغادر مقرّ الرئاسة في 31 تشرين الأول المقبل كما ينصّ الدستور؟
فجأة بدا السؤال صعباً، والبحث عن الإجابات في تصريحات قادة تيّار الرئيس شديدة الإرباك.
مرّة يقول رئيس الظلّ جبران باسيل، إنّه والرئيس الدستوري، ينتظران لحظة نهاية الولاية بغية التحرّر من قيود المسؤوليّة، وأخرى يلمّح إلى أنّ بقاء الرئيس في القصر رافضاً تسليم الصلاحيّات لحكومة تصريف أعمال هو بين خيارات عون والمجموعة المحيطة به.
طبعاً لا يمكن الركون إلى أنّ الدستور، ما بعد وثيقة الوفاق الوطني المنبثقة عن مؤتمر الطائف، لا يتيح لعون الخيارات التي يتمّ التداول بها، كالبقاء قسراً، أو تشكيل حكومة عسكرية أو مدنية يُناط بها بأمر رئاسيّ تولّي صلاحيّات الرئاسة. فمجمل سلوك عون هو صراع مضمر مع هذا الدستور بالتحديد، الذي قال عنه يوماً بأنّه يليق بمزبلة. كما لا تسعف مراجعة تجربة عون في الحكم وعلاقته بالدستور والمؤسّسات منذ العام 1988 إلا بتوقّع أسوأ الخيارات المحتملة، لرجل عنيد زادته الشيخوخة تصلّباً وشخصانيّة.
سيتجنّب الحزب إعطاء خصومه فرصة ابتكار عنوان سياسي لمعركتهم الرئاسية، بأن لا يسمح لعون بإنتاج لحظة سياسية انقلابية، كمثل بقائه في بعبدا خلافاً للدستور والأعراف
ولكن هل تهمّ الإجابة حقّاً عن سؤال الصديق؟ بمعنى هل هذا هو السؤال الواجب الطرح الآن؟
هي آخر الطعنات؟
ربّما يتمنّى خصوم ميشال عون أن يتخلّى الرجل عن الحكمة ويبقى، وأن يسدّد بنفسه آخر الطعنات لسيرته السياسية وذكراه في تاريخ الوطن. وقد يفكّر البعض أنّه برعونته سيسدّ الطريق على وريثه جبران باسيل، عبر استنفار كلّ البيئة السياسية، حتى تلك الحليفة لراعيه الأوّل والوحيد، أي ميليشيا حزب الله. وسيعتبر آخرون أن مؤدّى تعميق الأزمة السياسية والدستورية والمؤسّساتية، المزيد من الانهيار، الذي سيكون عون هذه المرّة المسؤول الأوضح عنه. فالأكيد أنّ بقاء عون في القصر الرئاسي بعد نهاية ولايته، لن يكون أكثر من تسريع رحلة لبنان واللبنانيين نحو جهنّم.
السؤال الأصحّ إذّاك: هل يسمح حزب الله لعون بالبقاء في بعبدا أم لا؟
لنتّفق أنّ عون هو من أعراض المرض الذي يصيب لبنان، لا المرض نفسه. والمرض، أي ميليشيا حزب الله، سيدافع عن سطوته، بأن يمنع عون من الذهاب بعيداً في خياراته وشهواته، كي يضمن أن لا تنهار البنية السياسية التي ترعى، إلى جانب السلاح، إمساكه بلبنان.
لا يريد حزب الله افتعال اشتباكات كبرى من النوع الذي يهواه عون، ولا يريد للشهوات أن تقفل الباب على وصول جبران باسيل، الذي يعدّ وصوله إلى الرئاسة الضامن الوحيد لبقاء الحالة العونيّة على تماسكها. فوحده جبران الرئيس، يمكنه أن يبدّد موجات الكراهية له داخل التيّار وبيئته، وأن يبقي العصب الشعبي للحالة العونيّة حيّاً والتيار متماسكاً، وقابلاً للتوظيف لصالح تأمين الغطاء الوطني لميليشيا حزب الله.
تراجع الأمين العام
هذه النقطة الجوهرية هي العامل المقرّر في كيفيّات عبور الاستحقاق الرئاسي بعد 31 تشرين الأول لا ما يريده أو لا يريده ميشال عون. وهي السبب الذي قد يجعل الأمين العام للحزب يتراجع عن وعد رئاسي، قيل إنّه أعطاه للوزير سليمان فرنجية، على قاعدة تقدّمه بالسنّ على باسيل، تماماً كما كان أعطى عون الأفضليّة على فرنجية بذريعة السنّ، على الرغم من أنّ هذه عين وهذه عين، على حدّ قوله يوماً.
سيتجنّب حزب الله إعطاء خصومه فرصة ابتكار عنوان سياسي لمعركتهم الرئاسية، بأن لا يسمح لعون بإنتاج لحظة سياسية انقلابية، كمثل بقائه في بعبدا خلافاً للدستور والأعراف وعموم المزاج السياسي والشعبي في البلد. سيفعل ذلك، لا لحرص مستجدّ على الرأي العامّ، بل لزوم مصلحته الأبعد، في إطالة أمد تحكّمه بلبنان. يعرف حزب الله أنّ الفراغ الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف أعمال، هي بيئة خصبة للخطاب الشعبوي الذي بدأه جبران باسيل قبل أشهر قليلة، وعنوان لمعركته السياسية الرئاسية على قاعدة الحقوق والدستور وبقيّة عُدّة النصب التي احترف توظيفها. كما أنّ عدم انجرار حزب الله للطعن في كفاية حكومة تصريف الأعمال لتسلّم صلاحيّات رئيس الجمهورية، ينطوي على مغازلة خبيثة للسُنّة، تسحب من أيديهم قضيّة رئاسة الحكومة بما يمنع توظيفها في المعركة الرئاسية، هذا إن كان في واقع سُنّة لبنان اليوم، من يريد أن يتنطّح لمعركة سياسية.
إقرأ أيضاً: قلق الحزب يستعجل الحكومة
يتصرّف الحزب على قاعدة أنّه بصدد استحقاق جدّيّ دونه حقل ألغام فسيح في بيئة حزب الله السياسية قبل النظر ما بعدها، ويريد تصميم مقاربته بدقّة ووفق حساباته ومتطلّبات مشروعه، مستفيداً من أن لا معركة رئاسية جدّية مضادّة في لبنان تقدّم نموذجاً مقابل نموذج، ومشروعاً مقابل مشروع، وطرحاً مقابل طرح.
باختصار، سيمنع حزب الله عون من البقاء في بعبدا، كي يتسنّى له إبقاء العونيّة السياسيّة في بعبدا.