الغارات الأميركية على سوريا: دغدغة عسكرية..

مدة القراءة 5 د

على غير عادتها أثارت الغارات الأميركية المتتالية على مواقع للميليشيات التابعة لإيران في شمال سوريا وفي دير الزور وغربي الفرات موجة من التحليلات. فمنها ما اعتبر أنّها رسالة تدعو إيران إلى إنهاء مفاوضات فيينا بسرعة بالتوقيع على مشروع الاتفاق النووي. وبعضها الآخر اعتبرها رسالة تطمين لإسرائيل عن أنّ الاتفاق النووي لا يعني عدم تصدّي الولايات المتحدة للتمدّد الإيراني ولسعي طهران إلى زعزعة أمن المنطقة ومحاولتها زيادة المخاطر على إسرائيل، سواء في الجولان وجنوب لبنان أو من قطاع غزّة، وفقاً لما يطرحه الحرس الثوري تحت شعار “وحدة الساحات”.

يتبيّن أنّ الغارات الأميركية تختلف بحجمها وعددها وغاياتها عن تلك التي تشنّها إسرائيل في سوريا. فقد أقدم الجيش الأميركي مرغماً على شنّ غاراته لأنّ “قوى الممانعة” استهدفته بعد قصف الطائرات الإسرائيلية لمخازن صواريخ نوعيّة تحتوي على حوالي ألف صاروخ إيراني مخزّنة ضمن معمل لتركيب الصواريخ الذكيّة، وقد بقيت ألسنة اللهب مشتعلة تواكبها تفجيرات الذخائر والحشوات لساعات طويلة، وهو ما يدلّ على أهميّة الموقع وحجم المخازن ومحتوياتها. أمّا الغارات الأميركية فجاءت “دفاعاً عن النفس” بعدما أُصيب ثلاثة أميركيّين بجروح طفيفة.

تشير جميع الدلائل منذ سنوات إلى أنّ السياسة الأميركية غير جادّة في تقليم أظافر ملالي طهران، ولا سيّما في ظلّ وجود تيارات من اللوبي الإيراني والاتّجاهات اليسارية المتطرّفة داخل الحزب الديمقراطي الأميركي

وعلى الرغم من أنّ البرودة تعتري العلاقات الأميركية الروسية من جرّاء حرب أوكرانيا، إلا أنّ القيادة الأميركية تولّت إبلاغ القوّات الروسية بالغارة على الميليشيات الإيرانية. ومع  استمرار تحرّكات هذه الميليشيات واستعداداتها لقصف قوات التحالف، أعاد الجنرال مايكل كوريللا قائد القيادة الوسطى إبلاغ الروس بأنّ “واشنطن لا تنوي التصعيد بل تكتفي بدرء الهجومات عنها”.

الغارات الأميركية دفاعية فقط

طُبعت الغارات الأميركية بطابع دفاعي لا أكثر، ولا سيّما أنّ القوات الأميركية شرقي الفرات في الشمال، وفي قاعدة التنف في الوسط على الممر الأساسي بين الحدود العراقية والأراضي السورية، موجودة هناك منذ سنوات.

لو كانت واشنطن بصدد الضغط على إيران وإشعارها بضغطها، أو كانت تريد أن تحدّ من النفوذ الإيراني ومنع ربطها للساحات وإمدادها بمختلف أنواع الأسلحة، لكانت تولّت طوال وجودها في قاعدة التنف قطع الإمدادات اللوجستية من إيران مروراً بالعراق وصولاً إلى سوريا ولبنان وتهريباً إلى قطاع غزّة. لكنّ هذا لم يحصل!

الإدارة الأميركية الحالية على خطى باراك أوباما

تشير جميع الدلائل منذ سنوات إلى أنّ السياسة الأميركية غير جادّة في تقليم أظافر ملالي طهران، ولا سيّما في ظلّ وجود تيارات من اللوبي الإيراني والاتّجاهات اليسارية المتطرّفة داخل الحزب الديمقراطي الأميركي الضاغط على الإدارة لتوقيع أيّ اتفاق مع طهران حتى لو كان مضمونه سيّئاً. فمنذ عهد باراك أوباما والأخير يدعو إلى “الاعتراف بحجم نفوذ إيران في المنطقة”، ويطلب من الدول المجاورة “الإقرار بهذا النفوذ والتعامل معه على حقيقته”.

تستمرّ الإدارة في تطبيق ما أرساه أوباما من نظريّات داخل التيار اليساري بقيادة السيناتور بيرني ساندرز ومنافسته إليزابيت وارن ومَن يؤيّدهم في مجلس الأمن القومي والـCIA ووزارة الخارجية.

ومن أسوأ الدلالات عندما تصرّح القيادة الوسطى الأميركية بأنّ “الغارات كانت لتشمل 11 مستودعاً من أصل 13، لكن بسبب وجود أشخاص حولها (عناصر ميليشياوية) استهدفت 9 فقط”، وهو ما يعني أنّ الغارات الأميركية لم تكن لتستهدف عناصر الميليشيات الإيرانية.

تعمل إسرائيل منذ تأسيسها وفق مبدأ “لا يحكّ جلدك إلا ظفرك”، ولا يمكن لبايدن الممتنع عن استقبال رئيس حكومة إسرائيل أن يُطمئن تل أبيب من خلال غارات خجولة في شمال سوريا

أمّا من جهة إسرائيل فغاراتها الهجومية الاستباقية تأتي تباعاً وتكراراً لمنع إيصال الأسلحة على أنواعها إلى ميليشيات إيران في المنطقة. وتؤكّد تل أبيب بأفعالها أنّ “غاراتها ذات جدوى”، وتفضح “عدم جدّيّة الأميركيين” إزاء إيران.

عليه هناك مجموعة نقاط لا يمكن سوى تسطيرها: غارات إسرائيلية ناجعة في سوريا بدون ردّ إيراني يُذكر إلا بـ”سنردّ بالزمان والمكان المناسبين”. وواشنطن التي يصفها الملالي “بالشيطان الأكبر” تحابيهم سياسياً وعسكرياً.

وبالعودة إلى “الخطة باء”، هل نرى دوراً عسكرياً أميركياً يحاكي الدور الإسرائيلي في مواجهة ميليشيات إيران و”يُطمئن” تل أبيب  في ما يتعلّق بالاتفاق النووي، أم تمعن واشنطن في “دغدغتها لنظام الملالي”؟

لا يندرج ما حصل في سوريا في هذا الإطار، وقد يكون كذلك إذا تمكّنت واشنطن من قصف إمدادات الميليشيات من منطلق هجومي لا دفاعي.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تسعى لـ “بند جزائي” عسكري في الاتفاق النووي

تعمل إسرائيل منذ تأسيسها وفق مبدأ “لا يحكّ جلدك إلا ظفرك”، ولا يمكن لبايدن الممتنع عن استقبال رئيس حكومة إسرائيل أن يُطمئن تل أبيب من خلال غارات خجولة في شمال سوريا.

الكرة اليوم في ملعب الأميركيين، فإذا ساروا بـ”الاتفاق النووي”، فما هو شكل التطمينات الفعّالة التي سيُقدّمونها لإسرائيل بالمقابل؟ دور عسكري ناجع يواجه إيران أم “دغدغة” عسكرية بـ”فقاعة إعلامية” كما العادة؟

*كاتب لبناني مقيم في دبي

مواضيع ذات صلة

رجال ترامب هم رجال إسرائيل!

تعكس اختيارات الرئيس المنتخب دونالد ترامب لبعض فريقه الرئاسي الجديد عمق سياساته المقبلة تجاه العالم ككلّ، وتجاه منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص. قيل لي…

هل ينفع الحوار مع إيران للاستغناء عن خدماتها؟

حين تتحدّث مع دبلوماسيين غربيين عاملين على مسائل لبنان والمنطقة هذه الأيام، يصغون بشيء من اللياقة لما يُعرض من التفاصيل المتعلّقة بصيغة لبنان، سواء في…

صواريخ إيران: شّبح صّينيّ مجهول

كيف تحوّلت إيران إلى مصنّع للصواريخ؟ الصواريخ الإيرانية الصنع تعزّز الآلة العسكرية الروسيّة في الحرب على أوكرانيا. وهذه الصواريخ الإيرانية تشكّل رأس الحربة العسكرية للحوثيين…

تشدّد الرّياض: عودة عربيّة إلى نظام إقليميّ جديد؟

توحي نتائج القمّة العربية – الإسلامية بأوجه متعدّدة لوظيفة قراراتها، ولا تقتصر على محاولة فرملة اندفاعة إسرائيل العسكرية في المنطقة. صحيح أنّ القمّة شكّلت حاضنة…