لبنان للحزب.. وسوريا “شراكة”

مدة القراءة 6 د

رسمَ النظام الإيراني خريطته في المشرق العربيّ، لمرحلة ما بعد العودة إلى الاتفاق النّوويّ. باعتبار أنّ هذا الاتفاق بات “تحصيل حاصل” في حسابات نظام الملالي. هذا ما خلصت إليه مصادر دبلوماسيّة عربيّة في حديث لـ”أساس”.

يمكن اختصار هذه “الخريطة” بـ3 خطوط، رسمت طهران أحدها بعيداً عن الآخر، ورسمتها متوازية لا تلتقي، وهي:

– البرنامج النّوويّ.

– البرنامج الصّاروخيّ.

– نفوذها في المنطقة تحت مُسمّى “الأمن الإقليميّ”، وهو ما تُسمّيه الدّول العربيّة “التّدخّلات الإيرانيّة في شؤونها”.

يسعى نظام الملالي إلى إعادة علاقاته الدّبلوماسيّة مع الدّول الخليجيّة بعد انقطاعها في عزّ التّغوّل الإيرانيّ على مصائر الدّول العربيّة بين 2016 و2017، بعد “الشيك على بياض” من إدارة باراك أوباما عبر الاتفاق النووي في 2015

ماذا عن لبنان؟

نبدأ من النقطة الثالثة، وهي نفوذها أو “أمنها الإقليمي”، أو “تدخلاتها في الدول العربية”. ونبدأ تحديداً من لبنان.

من “السّذاجة” الاعتقاد أنّ إيران قد تُفاوض على رأس “دُرّة تاج أذرعها”، حزب الله.

يُريد نظام الملالي أن “يُقرّشَ” قدرة الحزب العسكريّة والأمنيّة على امتداد الخارطة العربيّة، بعد دخوله شرايين النّظام اللبنانيّ أوّلاً.

كانت إيران واضحة مع كلّ الدّول العربيّة التي تُحاورها. وعلى الرغم من إصرارها على عدم مُناقشة الملفّ العراقيّ مع العرب، إلا أنّها أبدت استعداداً للحوار في باقي الملفّات، ومنها لبنان، بحسب المصادر الدبلوماسيّة العربيّة: “لن نتدخّل في لبنان، الحزب موجودٌ وهو يدير ملفّاته ولا نتدخّل به. الحديث في الملفّ اللبنانيّ ليسَ معنا، بل مع الحزب”، هذا كان الردّ الإيراني. وهي صيغة اعتمدها الإيرانيون في الملفّ اليمني، حيث قالوا لمن سألهم: “راجعوا الحوثيين”، ثمّ تساهلوا وقدّموا طلباتهم “اليمنيّة”.

يحمل الكلام الإيرانيّ عن لبنان إشارتيْن:

الأولى: أنّ طهران تُفسحُ المجال في السّاحة اللبنانيّة لعودة العرب، وبالتّالي إرساء توازن سياسيّ إقليميّ في لبنان يشبه التّوازن الذي كان قائماً طوال فترة الوصاية السّوريّة منذ ما بعد اتفاق الطّائف حتّى اغتيال الرّئيس رفيق الحريري في 2005، لكن باعتباره توازناً عربياً – إيرانياً هذه المرّة.

الثّانية: أنّها تريد أن تُبقي اليد الطّولى لها عبرَ الحزب. تعلمُ إيران أنّ فيلقها اللبنانيّ سيسهر على مصالحها، إن تدخّلت بشكلٍ مُباشر أم لم تتدخّل. فالحزبُ هو امتدادٌ سياسيّ وأيديولوجيّ وعسكريّ لـ”الباسدران”، وبالتّالي فإنّه لن يُقدّم المصلحة اللبنانيّة الداخلية على المصلحة الإيرانيّة العابرة للحدود.

سوريا والأردن: ممرّات “التوتّر”

أيضاً لم تُمانِع إيران فتح الملفّ السّوريّ على طاولات حواراتها مع الدّول العربيّة المملكة العربية السعودية والأردن ومصر:

1- سوريا الغارقة في جحيم الحرب منذ 11 عاماً، هي مصدر قلقٍ للعرب. فهي “المقرّ” و”الممرّ” شبه الرسميّ لشحنات المُخدّرات التي تستهدف المُجتمعات العربيّة، خصوصاً المملكة العربيّة السّعوديّة. وهذا أحد أهمّ مصادر القلق في الرّياض وأخواتها.

2- كما السّعوديّة كذلك الأردن، الذي يُعتبر المحطّة الأبرز لشحن المُخدّرات العابرة للحدود. يُضاف إلى ذلك مئات آلاف النّازحين السّوريين المُقيمين على أراضي المملكة الأردنيّة التي ترزح تحت ضغط البطالة والأزمات الاقتصاديّة. إلى ذلك يشكّل النازحون تهديداً جدّيّاً للأمن القوميّ الأردنيّ، ولدُول الجوار الخليجيّة.

3- يُقيمُ على الأرض السّوريّة عشرات الآلاف من المُسلّحين المنضوين تحت ألوية التنظيمات المُتطرّفة، السّنيّة منها والشّيعيّة. وهذا الأمر بشقّيْه يُقلق السّعوديّة والإمارات ومصر والأردن.

 سوريا الغارقة في جحيم الحرب منذ 11 عاماً، هي مصدر قلقٍ للعرب. فهي “المقرّ” و”الممرّ” شبه الرسميّ لشحنات المُخدّرات التي تستهدف المُجتمعات العربيّة، خصوصاً المملكة العربيّة السّعوديّة

في الخلاصة، لا تنفرد إيران وحدها بالقرار السوريّ:

– تُشاطرها روسيا النّفوذ داخل أروقة النّظام السّوريّ.

– تركيا تُهيْمن فصائلها على منطقة تساوي ضعف مساحة لبنان في الشّمال السوري.

– تُسيطر الولايات المُتّحدة عبر “قوّات سوريا الدّيمقراطيّة” ذات الغالبيّة الكرديّة على الضّفّة الشّرقيّة لنهر الفرات في محافظتَيْ دير الزّور والرّقّة وأنشأت قاعدةً عسكريّة في منطقة التّنف عند مُثلّث الحدود السّوريّة – العراقيّة – الأردنيّة.

– يُضاف إليهم بطبيعة الحال الاحتلال الإسرائيليّ لهضبة الجولان.

النّتيجة أنّ إيران هي واحدة من 5 قوى أساسيّة في سوريا، وعليه فإنّها لا تُمانع الحوار بشأنها مع العرب. فالنّظام السّوريّ ضعيفٌ ومُتهالك، ويواجه أزمات اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة صعبة، ولا حظوظ لديه لمواجهتها إلّا عبر إعادة علاقات سوريا إلى طبيعتها مع الدّول العربيّة. وتُراهن إيران على أنّ التّوجّه التّركيّ نحو تطبيع العلاقات مع سوريا قد يلعب عاملاً إضافيّاً في عودة العرب إليها بهدف إرساء التّوازن في وجه المدّيْن الفارسيّ والتركيّ.

العلاقات الخليجيّة – الإيرانيّة

يسعى نظام الملالي إلى إعادة علاقاته الدّبلوماسيّة مع الدّول الخليجيّة بعد انقطاعها في عزّ التّغوّل الإيرانيّ على مصائر الدّول العربيّة بين 2016 و2017، بعد “الشيك على بياض” من إدارة باراك أوباما عبر الاتفاق النووي في 2015.

تسير التّحوّلات الدّوليّة والسّياسيّة على هذا النّحو، على الرّغم من أنّ العرب لا يُراهنون كثيراً على احتمال تغيّر السّلوك الإيرانيّ، إلّا أنّه لا مانع من المُحاولة.

كانت دولة الإمارات العربية المتّحدة أوّل دولةٍ خليجيّة تُعيد علاقاتها مع إيران على مستوى السّفراء، في خطوةٍ مُنفصلة عن خطوة دولة الكويْت أخيراً. سبقَ تبادل السّفراء بين طهران وأبو ظبي زيارةٌ قامَ بها مُستشار الأمن الوطنيّ الإماراتيّ الشّيخ طحنون بن زايد آل نهيّان لطهران، حيثُ التقى نظيره الإيرانيّ علي شمخاني والرّئيس إبراهيم رئيسي.

إقرأ أيضاً: الصّدر يتحدّى المُسدّس الإيرانيّ

أمّا تبادل السّفراء بين إيران والكويت، فجاءَ بعد استماع المسؤولين الكويتيّين إلى رأي السّعوديّة، التي لم تُمانع هذه الخطوة، بحسب ما قالته المصادر الدبلوماسيّة لـ”أساس”.

ناقشت السّعوديّة وإيران عودة العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلديْن في حوارهما الذي رعاه رئيس الوزراء العراقيّ مصطفى الكاظمي في العاصمة العراقيّة بغداد. تنتظر الرّياض اتّضاح الصّورة على السّاحة الدّوليّة أكثر قبل إعادة فتح سفارتها في طهران، وقد تسبق هذه الخطوة إعادة فتح القنصليّات أو المكاتب التمثيليّة.

في الجزء الثّالث والأخير غداً:

اليمَن… وأين العرب من البرنامجيْن النّوويّ والصّاروخيّ؟

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…