لقاء مع غورباتشوف (1): الإمبراطور… الذي انتهى “ناشطاً”؟

مدة القراءة 13 د

يروي الزميل أحمد مسلماني على حلقتين، سيرة متقطّعة لآخر زعماء الإتحاد السوفياتي، ميخائيل غورباتشوف، الذي توفي أمس الأول. سيرة يبدأها بلقاء معه في العام 2000، ليعود بعدها إلى طفولته الفقيرة، وصعوده الحزبي إلى مصاف زعامة العالم ومقارعة الولايات المتحدة. الحلقتان جزء من كتاب للزميل مسلماني يصدر قريباً.

في الحلقة الأولى، شذرات من سيرة “الناشط البيئي” ميخائيل غورباتشوف، المهموم بـ”عطش العالم”، ومؤسس “الصليب الأخضر الدولي”…

 

التقيتُ الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف في هولندا ربيع العام 2000. كان غورباتشوف يشارك في المنتدى العالمي للمياه الذي انعقد في لاهاي في شهر آذار من ذلك العام، وقام الدكتور إسماعيل سراج الدين بتقديمي إليه، وكان وقتئذٍ نائب رئيس البنك الدولي.

كانت قضيّة المياه قد تصاعدت على نحو غير مسبوق في أواخر التسعينيّات من القرن العشرين. وقبيل انعقاد منتدى لاهاي كانت هناك العديد من الملتقيات وورش العمل التي انعقدت لهذا الغرض، وقد شاركتُ في اثنتيْن منها: واحدة في القاهرة والثانية في عمّان.

آنئذٍ شاركت في كتابة “التقرير الاستراتيجي العربي” الذي يصدره “مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية” بالأهرام، وكانت قضيّة المياه قد صعدت إلى السطح في ضوء التسوية في الشرق الأوسط.

اشتكى الفلسطينيون من سرقة إسرائيل لمياههم. واشتكى الأردنيون من عدم التزام إسرائيل ببنود المياه في اتفاقية السلام بينهما “وادي عربة”. وطرح شيمون بيريز مشروع التعاون المائي بين إسرائيل وسوريا والسلطة الفلسطينية، من دون ربط ذلك بمسارات التفاوض السياسية.

سياسات غورباتشوف الإصلاحية الشديدة باتت تهدّد بقاء الدولة، وأصبح زوال الاتحاد السوفييتي على يده أقرب من أيّ وقت مضى

شارك بيريز في مؤتمر لاهاي لعرض تلك الرؤية التي لقيت معارضةً عربية واسعة، ذلك أنّ الرؤية العربية، ومن بينها رؤية القاهرة، كانت: السياسة قبل الاقتصاد، والوطن قبل المرافق.

قبل مؤتمر لاهاي بقليل زارَ غورباتشوف المنطقة العربية، والتقى عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك. وطرح رؤية المنظمة الدولية التي يرأسها “الصليب الأخضر الدولي” على الأطراف الثلاثة.

كان ميخائيل غورباتشوف يرى احتمالات اندلاع حرب مياه في الشرق الأوسط، إذا لم يتمّ الاقتسام العادل لمصادر المياه الشحيحة في المنطقة.

نجحت منظمة غورباتشوف في عقد لقاء بين مسئول سوري وشيمون بيريز على هامش المؤتمر، وهو اللقاء الذي أثار غضباً في الإعلام العربي، لكن دمشق تجاهلت التعليق عليه.

 

غورباتشوف و”عطش” العالم

وزير الريّ المصري المشارك في المؤتمر هو الدكتور محمود أبو زيد. لقد بدا منتدى لاهاي، أكبر منتدى عالمي للمياه حتى الآن، وكأنَّه منتدى دولي بقيادة مصرية، إذ كان الدكتور أبو زيد رئيساً للمجلس العالمي للمياه، وكان الدكتور إسماعيل سراج الدين رئيساً للّجنة الدولية للمياه في القرن الحادي والعشرين.

صافحتُ الوزير أبو زيد في مطار القاهرة قبل مغادرة مصر، وقلت له إنّني زميل دراسة لنجله الدبلوماسي أحمد أبو زيد، سفير مصر في كندا الآن، فقال لي: أنا أعرف.. أحمد حدَّثني عنك. قلت له ضاحكاً: إذاً أنا أريد مكانةً مميّزة في أثناء المؤتمر، لا أريد أن أجلس على المنصّة الرئيسية في حفل الافتتاح، لكن أريد أن أقابل كبار الحضور. قال لي: يمكنك لقاء أيّ أحد من دون واسطة، وسنكون كلّنا معاً في المكان نفسه، ويكفي أنّك تعلّق على صدرك بطاقة المؤتمر لتلتقي مَن تشاء، يمكنك أن تلتقي وليّ عهد هولندا، وميخائيل غورباتشوف والكثير من سياسيّي العالم. قلت له: شكراً.. لقد وجدتُ هدفي. إنّني أريد لقاء غورباتشوف، لقد درستْ أفكاره وسياساته وأنا طالب في كليّة الاقتصاد والعلوم السياسية، وقد حانَ الوقت لأن أقابل التاريخ وجهاً لوجه.

* * *

كان المشهد الافتتاحي لذلك المؤتمر صاخباً للغاية. كان وليّ العهد الهولندي وليام ألكسندر، الذي أصبح ملكاً لهولندا عام 2013، يتصدّر المنصّة، وكان الوزير أبو زيد يلقي كلمته داعياً إلى تجاوز الجوانب الفنيّة ووضع حلول سياسية. وإذْ بأربع فتيات أوروبيّات يقتحمن المنصّة من دون مقدّمات، ثمّ يقمن بالتعرّي وقد كتبنَ على أجسادهن عبارات: “لا لخصخصة الأنهار”، “لا للاتّجار بحياة الناس”، “المياه للجميع”.

كنتُ واحداً من الذين فاجأهم المشهد، ولم أفهم بالطبع ما يجري. ولمّا سألت دبلوماسيّاً عربيّاً يجلس إلى جواري، لم يعرف هو الآخر ماذا يحدث.

استغرق الاحتجاج الصادم أقلّ من نصف دقيقة، فقد صعد ضبّاط من الحرس الملكي يرافقون وليّ العهد، وقاموا بتغطية المتظاهرات وإنزالهنّ في حسمٍ وهدوء.

حلّت تلك الواقعة في عناوين الصحف الهولندية في اليوم التالي، وقد عرفنا التفاصيل بعد نهاية الجلسة، وقال لي أحد الصحافيين اللبنانيين إنّ هذا المشهد على الرغم من عدم لياقته، إلا أنّه نجحَ في لفت النظر إلى ما يطرحه البعض في هذا المؤتمر بشأن “خصخصة الأنهار”.

كان هذا الطرح حاضراً بالفعل، ففي ورش العمل المصاحبة للمؤتمر تحدّث البعض عن ضرورة منح الأنهار الدولية للشركات الكبرى لإدارتها، والتعامل مع المياه باعتبارها ثروةً شأنها شأن النفط والغاز تماماً. يجب قياس استخداماتها مثلما يقاس النفط بالبرميل، وإذا لم يكن لدى الدولة ما يكفي من المياه يجب منع الزراعة التي تتطلّب مياهاً أكثر، حتى لو كانت من صميم احتياجاتها الغذائية.

وعرض البعض الآخر أفكاراً بشأن “تأجير الأنهار” بنظام “بي.أو.تي”، وكان هدف هذا الاتجاه من التفكير على نحو عامّ تسعير الأنهار، والنظر في إدارتها اقتصادياً، وتوزيع صافي الأرباح طبقاً للائحة الشركة القابضة للنهر.

كانت هذه الأفكار اليمينية المتطرّفة مجهولةً لنا قبل احتجاج الفتيات وإثارة الجدل بشأن مصطلح “خصخصة الأنهار”.

 

غورباتشوف “الناشط العالمي”

لم يكن ذلك هو السياق الرئيسي بالطبع، بل كان السياق هو الإدارة الرشيدة للمياه، ومكافحة الفقر المائي، ووضع حدٍّ لمأساة اللاجئين البيئيّين، الذين غادروا موطنهم بسبب العطش والجفاف.

كان من بين ما قاله الدكتور إسماعيل سراج الدين في المؤتمر أنّ عدد اللاجئين بسبب العطش قد وصل إلى 25 مليون لاجئ، وأنّه قد يصل إلى 100 مليون بحلول عام 2025 ما لم يتوقّف الإفراط في استخدام الأراضي والمياه، ولا سيّما في بلدان أحواض الأنهار، وأنَّه يجب على العالم استعادة الأنهار المتضرِّرة، فأكثر من نصف أنهار العالم أصابها التلوّث، أو نالَ منها الجفاف.

التقيتُ الدكتور إسماعيل سراج الدين في أروقة المؤتمر، وكنتُ قبل ذلك بقليل عضواً في الحملة المصرية لدعم ترشيحه لمنصب المدير العامّ لليونسكو عام 1999. وقد كان ذلك سبباً في حفاوته وحسن استقباله لي، على الرغم من انشغاله، وإقبال الإعلام العالمي عليه.

كان ميخائيل غورباتشوف يرى احتمالات اندلاع حرب مياه في الشرق الأوسط، إذا لم يتمّ الاقتسام العادل لمصادر المياه الشحيحة في المنطقة

من المفارقات في هذا المقام أنّ خسارة الدكتور إسماعيل سراج الدين لمنصب المدير العامّ لليونسكو كانت أمام الدبلوماسي الياباني الشهير كوتشيرو ماتسورا الذي عمل سفيراً لبلاده في فرنسا قبل الفوز بالمنصب. التقيتُ ماتسورا بعد ذلك بتسع سنوات في باريس. قام الدكتور أحمد زويل، الذي كان يلقي محاضرة في مقرّ اليونسكو بباريس، بتقديمي إلى السيد ماتسورا. وكان من بين ما قلتُه له: لقد كنتُ عضواً في الحملة المنافسة لكَ عام 1999، ولم أتوقَّع أنْ التقي الرجل الذي هزمَنا، بعدما قضى في منصبه فترتيْن ناجحتيْن.

في كانون الأوّل 2001 نشر ميخائيل غورباتشوف وكوتشيرو ماتسورا مقالاً مشتركاً في صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، وفي المقال أشادا بتوقيع الدول المشاركة في منتدى لاهاي في آذار 2000 على أنَّ حريّة الوصول إلى المياه من الحاجات الإنسانية الأساسية، وأشارا إلى أنَّه يجب أن يكون النصّ “حرّية الوصول إلى المياه جزء من حقوق الإنسان العالمية”، وحذَّرا من أنّ عدم الحصول على ما يكفي من المياه يجعل أمن العالم في خطر.

 

غورباتشوف و”الصليب الأخضر”

في عام 1993 أسَّس غورباتشوف منظمة “الصليب الأخضر الدولية” لمعالجة الآثار البيئية للحرب الباردة، وأصبحت قضايا المياه في العالم على رأس أولويّاته.

قلتُ للدكتور إسماعيل سراج الدين: أريد مساعدتك في لقاء السيد ميخائيل غورباتشوف. توقّعت، بالطبع، أن يكون طلبي صعباً، وأن يكون الاعتذار الرقيق هو الإجابة الطبيعية. لكنّ الدكتور سراج الدين فاجأني بالقول: تعال معي الآن.. سأعطي حديثاً لإحدى محطّات التلفزيون، ثمّ أذهب إلى لقاء غورباتشوف، وأنا أدعوك إلى تناول القهوة معنا.

كان ذلك الجواب فوقَ ما تصوّرت، ولقد قمتُ بتكرار الشكر للدكتور سراج الدين على “قهوة غورباتشوف” حين زرتُه في مكتبة الإسكندرية فيما بعد.

كان غورباتشوف، بوحمتِه الشهيرة التي تتصدَّر جبينه، جالساً على منضدة دائرية وإلى جواره أحد مساعديه وسيّدة مترجمة. نهض غورباتشوف لتحيّة سراج الدين، ولمّا تقدّمتُ لمصافحته قدّمني سراج الدين بالإنكليزية قائلاً: “سيّد غورباتشوف، هذا أحمد المسلماني كاتب من مصر، لقد دعوته إلى تناول القهوة معنا”.

كانت مرافقة غورباتشوف تترجم من الروسيّة إلى الإنكليزية، وفي بعض الأحيان كان الدكتور سراج الدين يعيد توضيح الجوانب الفنيّة لي باللغة العربية. تحدّث غورباتشوف بارتياح عن نجاح منتدى لاهاي، سواء من حيث الحضور، أو من حيث الاستعداد العالمي للتجاوب مع قضايا المياه.

كان من بين ما قاله غورباتشوف: “لحسن الحظ أنّ وليّ عهد هولندا خبير بقضايا المياه.. أسباب الحروب المقبلة لن تكون كالأسباب السابقة متعلّقة بالأيديولوجية والأفكار، بل ستكون في أغلبها حروباً على الطعام والشراب.. الشرق الوسط وإفريقيا هما الأكثر عرضة لحروب المياه، وتسويف الحلول المائية من دون التفاوض سيؤدّي إلى مشكلات أكبر.. مشروعات السدود على الأنهار يجب ضبطها والاتّفاق بشأنها، لأنّها قد تؤدّي إلى إعادة توزيع غير عادل لاقتسام المياه، وهنا لا يجد المتضرّرون طريقاً آخر غير الحرب”.

 

كورونا والعزلة

كان غورباتشوف يحتسي القهوة الهولندية وقطعاً من حلوى الوافل الشهيرة، وقد رأيتُ أنْ أتجاوز قضايا المياه لأسأله عن شعوره كآخر زعيم للاتحاد السوفييتي، وكوْنه الرجل الذي قام بتغيير النظام العالمي وحركة التاريخ. أجابَ غورباتشوف بأنَّه يشعر بارتياح شديد لدوره التاريخي، وأنّه ما يزال منحازاً لأفكار الحرّية والديمقراطية، غير أنّه أراد أنْ يحافظ على الحرّية والإمبراطورية معاً. وقد فشل في ذلك، إذ استغلّ خصوم الدولة مساحة الحرّية في تفكيك الإمبراطورية، ثمّ قال: “الآن يمكنني أن أحدّد الأخطاء، وما كان يجب فعله لمنع ذلك. لكن وقتها كانت رؤية ذلك أمراً صعباً للغاية”.

لقد مرّت سنوات على ذلك اللقاء الذي لم يغادر ذاكرتي قطّ. كان غورباتشوف يجوب العالم وسط حاشية كبيرة، وهو في ربيع 2021 يحتفل بعيد ميلاده التسعين من دون رفاقٍ أو عائلة، ذلك أنّه قضى عام 2019 بكامله في المستشفى، وفي عام 2020 كان يخشى الإصابة بفيروس كورونا، فأصبح يقيم وحيداً في المنزل الحصين الذي يقع في إحدى ضواحي موسكو.

في نيسان 2020 قال غورباتشوف للإعلام الروسي: “لقد خسرتُ ثلاثين كيلوغراماً من وزني. وأخشى على حياتي من الجائحة، لقد عانيتُ في طفولتي من مجاعة ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنّني لم أواجه وباءً كهذا من قبل”.

 

سيرة غورباتشوف الشيوعية

ولد ميخائيل غورباتشوف في آذار 1931، ودرس القانون في جامعة موسكو، وفي عام 1985 أصبح زعيماً للاتحاد السوفيتي، وظلّ في منصبه حتى استقال في كانون الأوّل 1991 عقب انهيار الدولة.

كان هناك باستمرار شيء ما في صدر غورباتشوف تجاه النظام الشيوعي السوفييتي. فقد قام نظام ستالين باعتقال جدّه أندريه غورباتشوف، ثمّ نفاه إلى صربيا. وفي طفولته شهدَ مجاعة مروّعة حتى تُوفّي عمّه وعمّته من جرّائها، وحسبما جاء في مذكّراته فقد توفّي نصف سكّان قريته.

عمل والد الزعيم السوفييتي سائقاً لجرّار زراعي تمتلكه الدولة. وقد عانت أسرته من أوضاع ماديّة صعبة، لكنّه استطاع مع كلّ هذه الظروف أن يصعد سياسياً ويرتقي حزبياً إلى أنْ أصبح زعيماً للإمبراطورية.

في عام 1985 رحل الزعيم السوفييتي المريض قسطنطين تشيرنينكو، ووصل غورباتشوف إلى السلطة. امتلك غورباتشوف رؤية للتغيير اشتهرت عالميّاً عبر مصطلحَيْن “البريسترويكا”، أي “إعادة البناء”، و”الغلاسنوست”، أي المصارحة.

التقطتْ الزعيمة البريطانية مارغريت تاتشر الفرصة المتمثّلة في وجود سيّد الكرملين الجديد، ودعته إلى زيارة لندن. وهناك تأكّد لها أنّه الزعيم السوفييتي الأنسب للتعاون. تحدّثت تاتشر إلى الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وقالت له إنّ غورباتشوف فرصة جيّدة للغرب، وإنّه يختلف عن تشيرنينكو وأندروبوف وبريجنيف.

 

هدم جدار برلين

في عام 1987 أطلق ريغان تصريحاً شهيراً مثّل تحدّياً لمصداقيّة غورباتشوف. أشارَ ريغان إلى جدار برلين، حيث الحدود التي تقسِّم ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، وقال: “سيّد غورباتشوف.. إفتح هذه البوّابة.. إهدم هذا الجدار”.

لمّا حدث ذلك بالفعل عام 1989، قال ريغان في عام 1990: “أبلغتني تاتشر أنّ غورباتشوف مختلف عن أيّ من زعماء الكرملين الآخرين. لقد ثبت أنّها كانت على حقّ تماماً”. في عام 1989 كان غورباتشوف على موعد مع قرارَيْن كبيريْن: الانسحاب من أفغانستان، وتوحيد ألمانيا. كانت رؤية غورباتشوف أنّ وجود أكثر من نصف مليون جندي سوفييتي في أفغانستان هو عمل غير صحيح، وأنّ مصلحة السوفييت تقتضي مغادرة الأراضي الأفغانية.

قامت إدارة غورباتشوف بالتنسيق مع الولايات المتحدة وإيران وباكستان لتحقّق خروجاً آمناً. كان وزير الدفاع السوفييتي الماريشال ديمتري يازوف هو من قاد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان ليعيد تقوية الجيش ولاستعادة عافية البلاد من أجل مواجهة الغرب.

لكنّ سياسات غورباتشوف الإصلاحية الشديدة باتت تهدّد بقاء الدولة، وأصبح زوال الاتحاد السوفييتي على يده أقرب من أيّ وقت مضى.

في آب 1991 قاد الماريشال يازوف انقلاباً عسكرياً على غورباتشوف، فجرى نشر الدبّابات في شوارع موسكو وإعلان حالة الطوارئ بعد إعلان خلّو منصب الرئيس بسبب عدم قدرة غورباتشوف على أداء مهامّه.

حاولت ليتوانيا السوفييتية الاستقلال فجرى قمعها، وجرى العمل على استعادة الحكم الشيوعي للاتّحاد السوفييتي وإلغاء إصلاحات غورباتشوف الكارثيّة.

إقرأ أيضاً: سيناريو إسقاط بوتين خلال عشر سنوات

بوتين يكرّم “الانقلابيين”

فشل الانقلاب، وجرى اعتقال الماريشال يازوف ومَن معه، وبعد تفكّك الاتحاد السوفييتي بعاميْن جرى الإفراج عنه. ولمّا وصل الرئيس فلاديمير بوتين إلى السلطة قام بمنحه وسام الشرف عام 2004، ثمّ قام بتعيينه مفتّشاً عامّاً بوزارة الدفاع عام 2008.

قامت ليتوانيا في عام 2019 بإدانته بتهمة ارتكاب جرائم في أثناء قمعه محاولة استقلالها عام 1991. انتقدت روسيا ليتوانيا، وفي عام 2020 قام وزير الدفاع الروسي سيرجيو شويغو بتقليده وسام البطولة لدوره في الحرب العالمية الثانية في مواجهة الجيش النازي، ولدوره في الدفاع عن حقوق المحاربين القدماء.

بعد أسبوعين من تقليده ذلك الوسام رحل يازوف في شباط 2020، بينما كان غورباتشوف، الذي اعتقله الماريشال، ثمّ اعتقلَ هو الماريشال قبل ثلاثين عاماً، يواصلُ عمله من المستشفى والمنزل.

مواضيع ذات صلة

حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…