لم تدفع حركة حماس ثمناً لعدم مشاركتها في حرب إسرائيل الأخيرة على منظمة الجهاد الإسلامي.
وبمقياس الربح والخسارة فقد ربحت ثناءً إسرائيلياً وأميركياً وعالمياً على ما وُصف بشجاعة ضبط النفس، والإسهام الفعليّ والحاسم إلى جانب مصر في تقصير أمد الحرب لتكون الأقصر في حروب غزّة مع إسرائيل. ربّما خسرت بعض إيقاعها التقليدي كرائدة للكفاح المسلّح على مدى عدّة حروب كبرى مع غزّة، إلا أنّها وجدت من يتفهّم موقفها، خصوصاً من قبل الحليف الإيراني وحزب الله اللذين فيما يبدو نصحا “الجهاد الإسلامي” بنسيان اضطرارها إلى حرب منفردة مع إسرائيل حفاظاً على العلاقات مع حماس ومعهما، وهذا ما حدث.
وفي مجال الربح، فإلى الجانبين السياسي والمعنوي اللذين حصلت عليهما من قبل كلّ مَن رحّب بموقفها، فقد حظيت بجائزتَيْ ترضية وتشجيع من قبل إسرائيل أوّلاً حيث أوفت الدولة العبرية بوعودها في مجال التسهيلات، وهو ما شكّل بعض راحة تحتاج إليها “حماس” في إدارتها المنفردة لغزّة التي في ظلّها بدأ يعلو الصوت “بدنا نعيش”، ومن الأردن ثانياً حيث تمّ استقبال السيد خالد مشعل على أهمّ المستويات في بلده الأردن كما قيل، ولسنا بحاجة الى إعادة توصيف هذا البلد النوعيّ كقاعدة أساسيّة من قواعد معسكر الاعتدال من دون إغفال المكانة الاستثنائية للأردن في الجغرافيا والديمغرافيا ذات الصلة المصيرية بالشأن الفلسطيني.
قدر الفلسطينيّين أن تكون خياراتهم جميعاً صعبة ومكلفة، فخيار الاعتدال يواجه صدّاً إسرائيليّاً جذريّاً وقاطعاً بالرفض
الفلسطينيون والتطبيع المتسلسل مع إسرائيل
خلال فترة ليست قصيرة دأب الفلسطينيون على محاكمة مواقف الآخرين تجاه إسرائيل من خلال معاييرهم الخاصة التي التزم بها العرب في حقبة ما قبل التطبيع المتسلسل، وأمّا الآن حيث لم يعُد لمعاييرهم الخاصة مَن يلتزم بها ويبني سياساته على أساسها، فقد نشأ ظرف موضوعي وحّد رؤى “حماس” و”فتح” في أمر التغاضي عن التطبيع الزاحف والنشط، بل والتوقّف عن إعلان الحرب عليه من الرباط عاصمة لجنة القدس إلى أبو ظبي والمنامة من دون استثناء دولة الخلافة الأطلسية التي اندفعت بلا ضوابط نحو تطوير علاقاتها الكاملة المتكاملة مع إسرائيل، فدعت الرئيس عباس إلى زيارة رسمية على طراز “مرحب عسكر”، مكرّرة مواقفها التقليدية من عدالة القضية الفلسطينية ومكانة القدس. ومن أجل إرضاء المحتجّين الأتراك الذين لا يُعرف كم هي نسبتهم من النسيج التركي الشامل، فقد أعلن وزير الخارجية التركي تصريحاً لا تلميحاً بأنّ الفلسطينيين مرتاحون لاستئناف العلاقة الكاملة مع إسرائيل، مع تلميحات أكثر دلالة من التصريحات قالوا فيها بأنّ الفلسطينيين ساهموا في بلورة هذه العلاقات كي تحقّق تركيا تسوية عجز العالم كلّه عن تحقيقها!!!
المعايير التقليدية التي اعتمدها الفلسطينيون في تحديد المواقف من تطوّر العلاقات العربية مع إسرائيل لم تعد تعمل، وردود الفعل الشديدة القسوة التي ظهرت حيال دولة الإمارات المبادرة إلى اتفاقات أبراهام، خفتت وتلاشت إلا من بعض جمل لرفع العتب يقولها مستوىً منخفض وبصوت منخفض يكاد لا يسمع.
الجزرة والعصا في يد واحدة وعلى الفلسطينيين
في أمر كهذا ينبغي الانتباه إلى كيفيّة التعامل الإسرائيلي مع هذا التطوّر، فالجزرة لحماس في غزّة، والعصا لعبّاس في الضفّة، فتتغاضى إسرائيل عن لغة حماس المتشدّدة، لكنّها تكافئها على سلوكها، والعكس مع عباس في الضفّة حيث التغاضي عن السلوك الذي عنوانه التنسيق الأمني والمحاسبة على اللغة كما حدث في حكاية أبو مازن مع “الهولوكوست” التي تعامل الإسرائيليون الرسميون معها كإدانة تصل عقوبتها حدّ الإعدام السياسي، ولِمَ لا تفعل ذلك ما دامت القوّة هي أساس التعامل مع طرفَيْ فلسطين، وما دامت العصا تُستعمل في وقت والجزرة في وقت آخر، وما دامت اليد التي تمسك بالاثنتين يداً واحدة.
إلى أيّ مدى يمكن أن يتقدّم أيّ طرف فلسطيني في هذا الأمر.. الجواب اليقينيّ.. لا تقدّم، خصوصاً إذا ما ظلّ السجال الفلسطيني على حاله، بل إنّه يسوء أكثر.
قدر الفلسطينيّين أن تكون خياراتهم جميعاً صعبة ومكلفة، فخيار الاعتدال يواجه صدّاً إسرائيليّاً جذريّاً وقاطعاً بالرفض. وخيار القتال يواجهه تفوّق في الإمكانات وفقر في التحالفات وعدم مشاركة في الساحات، واسألوا “حماس” صاحبة الحروب الأربع و”الجهاد” صاحبة الحرب الأخيرة.
إقرأ أيضاً: “فتح” الطاردة… “فتح” المطرودة.. “فتح” الغافلة
لم يعُد أمام الفلسطينيّين والحالة هذه إلّا أن ينتبهوا إلى استحالة تقدّم أيّ طرف ولو خطوة واحدة إلى الأمام من دون مشاركة الطرف الآخر، فإن لم يكن ذلك على صعيد تحقيق الأهداف الأساسية فعلى مستوى الحفاظ على ما تبقّى.