إيران “تردع” الصدر: شارع مقابل شارع

مدة القراءة 5 د

الحراك الذي بدأه زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر، تحوّل في الأيام الأخيرة من مطلب التغيير الجذري إلى محاولة الحفاظ على المكتسبات السياسية والإدارية التي تضمن استمراريّة إمساكه ببعض المفاصل التي تحكم العمليّة السياسية.

عاد مجلس القضاء الأعلى عن قراره وقف العمل، وأعلن استئناف العمل في كافة المحاكم اعتباراً من الأربعاء الماضي، بعد انسحاب أنصار التيار الصدري من اعتصامهم أمام مقرّ المجلس والمحكمة الاتحادية العليا في بغداد، نزولاً عند طلب زعيمهم مقتدى الصدر. وذلك بعدما أعلن “الإطار التنسيقي”، المؤلف من القوى والأحزاب المتحالفة مع إيران، إنه سيوقف أي حوار مباشر مع التيار الصدري ما لم يتراجع التيار عما وصفه بـ”احتلال مؤسسات الدولة”. وقد حشد مؤيديه في اعتصام عند جسر المعلق للأسبوع الثاني على التوالي.

هكذا نجحت سياسة استخدام “الشارع مقابل الشارع” من قبل حلفاء إيران من قوى وأحزاب “الإطار التنسيقي”، الشيعي. فقد شكّل تحشيد مشاعرهم الشعبي صدمة للزعيم الصدري الذي لم يكن يتوقّع بعد التعبئة السياسية والاجتماعية التي قام بها أن يحتفظ “الإطار” بهذا الزخم الشعبي وأن يقوم بالاستعراض في الشارع مقابل الشارع الصدري. خاصة أنّ التيّار لم يستطع تحويل الحراك الذي قام به إلى حراك جامع لكلّ أطياف وقوى المجتمع العراقي، وأن يخرجه بالكامل من طابعه الحزبي أو التيّاريّ.

قد يكون التصعيد في الشارع والخوف من الانجرار إلى مواجهات لا يرغب بها أحد ولا يريدها كلا التيّار و”الإطار”، السببين اللذين دفعا الصدر إلى إعلان تأجيل التظاهرة المليونية التي دعا لها الأسبوع الماضي

هذا على الرغم من إعلان بعض الأطراف الحزبية والعشائرية والتجمّعات المدنية تأييدها لمطالب الصدر وحراكه، من دون أن تكون على استعداد للانخراط في هذا الحراك بشكل عضوي وأن تسلِّم للصدر بقيادة عمليّة التغيير التي يسعى إليها. وذلك نتيجة وجود حاجز نفسي واجتماعي وفكري وحتى عقائدي يجعل من الصعب على هذه القوى أن تتحوّل إلى شريك هامشي يخدم أهداف الصدر التي يصعب التكهّن بها وبأبعادها وأهدافها، وأن تنتهي حجراً على رقعة التيّار الصدري يحرّكها ويتحكّم بتوجّهاتها وطموحاتها كيفما شاء وأراد على حساب ما تملكه من رصيد شعبي أو ما يمكن أن تكونه من بديل مدنيّ لكلّ القوى السياسية التي تصدّرت المشهد العراقي منذ عقدين. خاصة أنّ تجارب القوى المدنية والأحزاب العلمانية مع الصدر وتيّاره غير مشجّعة على الانقياد له والسير وراءه.

 

شارع مقابل شارع

قد يكون التصعيد في الشارع والخوف من الانجرار إلى مواجهات لا يرغب بها أحد ولا يريدها كلا التيّار و”الإطار”، السببين اللذين دفعا الصدر إلى إعلان تأجيل التظاهرة المليونية التي دعا لها الأسبوع الماضي في العاصمة بغداد. خاصة بعد مسارعة قوى “الإطار” إلى الدعوة إلى تظاهرة مشابهة وفي التوقيت نفسه. وقد ألغى إرجاء الصدر لتحرّكه تلقائيّاً حراك “الإطار”، وربّما تكون جرت اتصالات بالطرفين من خارج الدوائر المتصارعة والمتنافسة، ومعنيّة بالساحة العراقية أكثر من غيرها، وكانت السبب غير المعلن لإلغاء هذه التظاهرات وقطع الطريق على إمكانية انفلات الأمور وإشعال شرارة مواجهات لن تبقى سلميّة بين الفريقين.

استطاع “الإطار” حشر التيّار والصدريّين، ودفعهم إلى خفض حدّة الاستخدام للشارع الشعبي وتعبئته، باللجوء إلى الشارع المقابل، وبالتالي حوَّل الصراع إلى لعبة “عضّ أصابع”، خاصة أنّ التيار بدأ بالكشف عن سقف المطالب التي يريدها، ويرفض حصول أيّ تغيير في تركيبتها أو طبيعتها.

هل خاف الصدر من الانتخابات؟

جاء تمسُّك الصدر بقانون الانتخابات و”المفوّضية المستقلة” متزامناً مع شروط فرضها على “الإطار” بالتخلّي عن مرشّحه لرئاسة الوزراء محمد شياع السوداني. الأمر الذي دفع “الإطار التنسيقي” إلى التمسّك به، والبحث عن مخارج تساعده على الالتفاف على عمليّة التعطيل التي فرضها الصدر على عمل البرلمان، والتلويح بإمكانية عقد الجلسة في مكان آخر في بغداد أو بأربيل أو السليمانية في الإقليم الكردي. بالإضافة إلى بدء زعيم “تحالف الفتح” هادي العامري بمبادرة حواريّة استغلّت الأجواء التي وفّرتها مبادرة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي، الذي دعا إلى طاولة حوار غاب عنها الصدر وتيّاره. خاصة أنّ العامري يحظى بقبول لدى الصدر وقدرة على التحاور معه والتوصّل إلى تسويات تساعد على إيجاد مخارج للأزمة السياسية. لا سيّما أنّ مبادرة العامري تأتي في وسط حديث عن وساطات ورسائل يجري تبادلها بين جهات إقليمية مقرّبة جدّاً من طهران ومعنيّة كثيراً بالساحة العراقية، عبر طرف من “الإطار” لم تنقطع جسور التواصل بينه وبين الصدر، لصياغة تفاهمات بعيداً عن الأنظار تمهّد الطريق أمام تسوية سياسية يقبل بها جميع الأطراف.

إقرأ أيضاً: العراق: الصدر “يهدأ”.. بانتظار الانتخابات المبكرة

في ظلّ هذا الانقسام العمودي السياسي بين “الإطار” والتيار، تراقب طهران بقلق ما يدور على الساحة العراقية، خاصة ما يتعلّق بالأصوات التي يقف وراءها الصدر وبدأ يصل صداها إلى طهران والتي تعلن العداء للدور والنفوذ والهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، وتدفع حلفاءها إلى عدم الذهاب إلى الصدام في الشارع، والعمل على استيعاب الثورة الصدريّة وتفريغها من مضمونها بالتسويف وعامل الوقت، بانتظار أن يدفع استمرار الانسداد وغياب الحلول جميع الأطراف إلى التنازل والجلوس إلى طاولة الحوار بحثاً عن مخارج تسوويّة تعيد إنتاج أحجام كلّ القوى داخل البيت الشيعي. حتى لو كان ذلك من خلال الذهاب إلى انتخابات مبكرة، بعد انتخاب رئيس جديد للوزراء يقود العملية الانتقالية تحت سقف الأطر الدستورية والقانونية.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…