تراجع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر خطوة إلى الوراء، بعد أسبوعين من التصعيد انتهيا إلى احتلال أنصاره البرلمان العراقي ورفع صور خصمه زعيم “الإطار التنسيقي” رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على حبل المشنقة، وضرب صورته بأحذية الصدريين.
تراجع ليس فقط عن لغة التصعيد، بل أيضاً عن مطلبه الذي بدا أنّه بثّ الخوف في صدور المكوّنات العراقية الأخرى، من حلفاء الصدر قبل خصومه. إذ أجمعت الآراء على رفض دعوته إلى “تغيير جذري في الدستور والنظام السياسي والانتخابات” من برلماني وزاري إلى رئاسي.
أبرز المعترضين على دعوته كان حليفه الأقرب، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني. عبّر عن هذا الموقف الكردي وزير الخارجية والمالية الأسبق هوشيار زيباري، الذي اعتبر الدستور “عقداً اجتماعياً وسياسياً” توافقت عليه القوى العراقية بعد سقوط النظام السابق، وأنّ أيّ بحث فيه “بحاجة إلى حوارات طويلة ومعمّقة بين جميع الأطراف والقوى الوطنية.
قوى “الإطار التنسيقي” حاولت أن تستعيد المبادرة فتنفّست الصعداء بتحوّلات الصدر، وقامت بمناورة هجومية
لمس الصدر أيضاً رفضاً واضحاً لمطلبه من داخل المكوّن الشيعي في “الإطار التنسيقي” وخارجه، وحياداً واضحاً أقرب إلى القلق داخل المكوّن السنّي، الذي يرى أنّ التعديل وإعادة توزيع الصلاحيات بين رئاستَيْ الجمهورية والحكومة سينعكسان سلباً على صلاحيات رئاسة البرلمان (السنيّة) التي ستفقد جزءاً من قدرتها على المراقبة التي تجعلها شريكاً فعليّاً وعمليّاً في القرار.
دفع هذا الموقف الصدر إلى الانتقال من دائرة التحرّك لإحداث انقلاب في بنية النظام والعملية السياسية، إلى دائرة المطالب المرحلية، التي يمكن تحقيقها أو الوصول إليها بأقلّ الأثمان، وتسمح له بالحفاظ على تحالفاته مع قوى أساسية ومؤثّرة داخل المكوّنين الكردي والسنّي.
الانتخابات المبكرة
ذهب الصدر، في محاولته لمعالجة عدم تجاوب المكوّنات السياسية مع طرحه “الجذري”، في تغريدته – الخطاب الأخير، للدعوة إلى حلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة تعيد إنتاج أوزان القوى السياسية داخل البرلمان، على أمل أن تمكّنه من الحصول على أكثرية حاسمة لا تدخله في صراع على تسمية رئيس الوزراء كما حصل في الأشهر الأخيرة منذ فوزه بالكتلة النيابية الأكبر. لعلّ الانتخابات الجديدة تطلق يديه في التحكّم والإمساك بمفاصل الحكومة والدولة وإخراج أو استبعاد خصومه من المكوّن الشيعي، حلفاء إيران المجتمعين تحت عنوان “الإطار التنسيقي”، وتطلق يديه في ملاحقتهم ومحاكمتهم بالتهم التي وجّهها إليهم بالفساد والهدر وتضييع حقوق العراقيين والتفريط بمبدأ السيادة نتيجة ولاءاتهم الخارجية، وتحديداً إيران.
أمّا التحوّل الآخر الذي قدّمه الصدر في التغريدة – الخطاب، فهو القبول بالدعوات إلى الحوار التي أطلقتها كلّ الأطراف الداخلية والدولية والإقليمية، وهو تحوّل جاء بعد أقلّ من 24 ساعة على خطاب رفض خلاله مبدأ الجلوس إلى طاولة حوار مع قوى “التبعيّة” باعتبار أن “لا فائدة ترجى منه معهم”، وحتى مع الذين “هدّدوا بقتله في التسريبات”، في إشارة إلى خصمه نوري المالكي. إلا أنّ الليونة الصدرية في الموقف من الحوار، تأتي بالتزامن مع احتفاظه بورقة تعطيل عمل مجلس النواب والإبقاء على اعتصام مناصريه داخل المنطقة الخضراء ومحيط البرلمان.
قد تكون مؤشّرات التهدئة، التي عادت للظهور في خطاب الصدر ومواقفه، نتيجة ما لمسه من تماسك داخل صفوف قوى “الإطار التنسيقي”، واحتفاظها بموقفها، حتى في مسألة الترحيب بدعوته إلى الحوار الذي اشترطت أن يكون ضمن الأطر والسياقات الدستورية والقانونية. وهذا ما دفعه إلى استرضاء قوات “الحشد الشعبي” ومحاولة التمييز بينها وبين الأحزاب والفصائل التابعة لقوى وأطراف خارجية بعدما وصفها في أدبيّاته السياسية بأداة في يد “التبعيّة”، وذلك بهدف استمالة هذه القوات إلى جانبه، بحيث يفقد “الإطار” العمق الشعبي والقوّة الضاربة التي يمتلكها، ويجرِّده من أهمّ أوراق القوّة والتأثير.
“الإطار” يناور بالسوداني
قوى “الإطار التنسيقي” حاولت أن تستعيد المبادرة فتنفّست الصعداء بتحوّلات الصدر، وقامت بمناورة هجومية، بإعلانها أنّ استكمال الاستحقاقات الدستورية هو المدخل للوصول إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وفي هذا اشتراط تشكيل حكومة جديدة غير حكومة مصطفى الكاظمي تدير الانتخابات، ورفض للتمديد للكاظمي. والمقصود مرشّح “الإطار” محمد شياع السوداني. باعتبار أنّ الحكومة الجديدة هل القادرة دستورياً على دعوة البرلمان إلى حلّ نفسه وتحديد موعد إجراء هذه الانتخابات.
وأرسل “الإطار” للصدر زعيم تحالف “الفتح” هادي العامري ليكون صلة الوصل والتحاور معه، في محاولةً لإبقاء الباب مفتوحاً، خصوصاً أنّ الرجلين تربطهما علاقة شخصية، والصدر سبق أن سعى لاستمالة العامري إلى جانبه وإبعاده عن “الإطار” خلال الأشهر الماضية.
إقرأ أيضاً: بيروت – بغداد: دولة.. أو حسينيّة؟
دخلت أيضاً على خطّ الحوار المبعوثة الأممية في العراق جنين بلاسخارت، فالتقت قادة “الإطار” وزارت الصدر في مقرّ إقامته في الكوفة، وتحدثت عن “نتائج إيجابية”.