بايدن “راجع”… في تايوان والظواهري والنفط

مدة القراءة 6 د

يبدو أنّ الرئيس الأميركي جو بايدن يقود “عودة قويّة” على طريقة النجوم في الـ”Comeback” بعد سلسلة من حالات الفشل أو التراجع. وشهدت الساعات الـ24 بين الإثنين والثلاثاء قمّة هذه العودة، على أبواب الانتخابات النصفية في تشرين الثاني المقبل.

هي عودةٌ يريدها بايدن له شخصيّاً بعد سلسلة انكسارات في صورته وصورة أميركا، ولحزبه داخليّاً، ولإعادة ضخّ الدّماء في شرايين “الأحاديّة الأميركيّة” على السّاحة الدّوليّة.

لقد شنّ بايدن معركة هذه العودة في تايوان وفي أوكرانيا وفي الخليج من قمّة جدّة وتداعياتها، وفي أفغانستان.

تتّبع واشنطن سياسة “حافّة الهاوية”، في مشهدٍ غير مألوف من الإدارات الأميركيّة السابقة. وربّما يكون اختيار توقيت عرض العضلات الأميركيّة غير بعيدٍ عن موعد الانتخابات النّصفيّة المُقبلة في تشرين الثّاني

البداية من المعركة المُشتعلة منذ 6 أشهر في أوكرانيا. هُناك تخوض روسيا حرباً تُريدُ واشنطن منها 3 أهداف:

أوّلاً: أن تستنزف روسيا وجيشها في مواجهة طويلة الأمد مع أوكرانيا، حيث تقاتلها الولايات المُتّحدة بالوكالة عبر إمدادات السّلاح والذّخائر والخبراء والمعلومات الاستخباريّة للجيش الأوكراني. يُضاف إلى هذا السّعيُ الأميركيُّ إلى عزل روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين عن السّاحة السّياسيّة العالميّة.

ثانياً: أن تعيد أميركا أوروبا إلى بيت الطاعة الأميركي. فقد كان الأوروبيّون قبل الحرب في نقاشٍ مُستفيضٍ في جدوى حلف النّاتو، وكانوا يتداولون فكرة إنشاء جيشٍ أوروبيّ يُخرج القارّة العجوز من كنف الولايات المُتحدة إلى أن اقتحمَ بوتين حدود أوكرانيا أواخر شباط الماضي.

ثالثاً: أن تشكّل الحرب في أوكرانيا فرصة لمصانع السّلاح الأميركيّة. إذ تسعى دولٌ أوروبيّة عديدة إلى تطوير جيوشها وتسليحها. وهذا ما من شأنه تنشيط تجارة السلاح الأميركي في ظلّ الرّكود الاقتصادي والانكماش اللذين تشهدهما الولايات المتحدة بعد أزمة كورونا في سنتَيْ 2020 و2021.

حشر الصّين؟

من أوروبا إلى آسيا حيث النّفوذ الصّينيّ المُتصاعد. هناك كانت أميركا “تخلي الشرق الأوسط” لتستثمر تركيزها وترفع من حدّة نفوذها وتوسّع سيطرتها. لا تخشى الولايات المُتحدة تعاظم قوّة الصّين العسكريّة فقط، بل أكثر ما يُقلقها هو تصاعد نفوذها الاقتصاديّ الذي صارَ مُنافساً شرساً للاقتصاد الأميركيّ على تصدّر لائحة الاقتصادات الأقوى في العالم.

هُناك كانت رئيسة مجلس النّواب الأميركي وأحد أهمّ وجوه الدّولة العميقة نانسي بيلوسي تحطّ رحالها في جزيرة تايوان، المُنفصلة عن الصّين، بمرافقة 8 مقاتلات أميركية واستنفار بحريّ كبير، ردّاً على تهديد الصين بأنّ طائرة بيلوسي لن تصل إلى مقصدها.

تعرفُ بيلوسي جيّداً كيفيّة الاستفزاز. فهي لم تمُانع يوماً أن تستفزّ الرّئيس السّابق دونالد ترامب أمام عدسات الكاميرا. ومن هذا المُنطلق كانت بيلوسي تحطّ بطائرتها على أرض مطار تايبه، غير آبهة بكلّ التهديدات الصّينية، وقالت فور وصولها: “تهديداتكم لا تخيفنا”.

 

على الرّغم من أنّ البيت الأبيض حاول التنصّل من “زيارة بيلوسي”، إلّا أنّها لم تكن لتتمّ الزيارة من دون موافقة المؤسّسات الأمنيّة والعسكريّة والسّياسيّة. وكان الغرض منها أن “تحشر” أميركا الصين في الزاوية بين خياريْن أحلاهما مرّ:

الأوّل: أن تتجنّب بكين الرّدّ، وبالتالي تهتزّ صورتها كمنافس للولايات المتحدة، وتهتزّ صورتها كدولة عُظمى، حين تقف عاجزةً عن الرّدّ على أميركا في عقر البحر الصّينيّ.

الثّاني: أن تردّ الصّين بعمل عسكري ضدّ تايوان، وبالتالي تقع في فخّ الاستنزاف والعزلة والعقوبات مثلما حصلَ مع روسيا في أوكرانيا.

يُضاف إلى “حشر الصّين” إرادة واشنطن أن تنعش تجارة السلاح الأميركي في آسيا، خصوصاً مع اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وفيتنام وباقي حلفائها هناك، وهي الغاية نفسها المرتجاة في أوروبا، أي إنعاش عجلة الاقتصاد الأميركي الذي يعدّ السلاح أحد أعمدته الرئيسية.

خفض أسعار النفط

ما بين إعادة ضخّ الدماء في شرايين نفوذها في أوروبا وشرق آسيا، كان بايدن يعيد إصلاح سياسته في الشرق الأوسط، ويعيد علاقة بلاده الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً مع المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات.

أثناء زيارة بيلوسي لتايوان، كانت وزارة الخارجيّة الأميركيّة تُعلن موافقتها على توريد بطّاريّات وصواريخ باتريوت إلى السّعوديّة والإمارات بمليارات الدّولارات. وأعلنَت قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركيّ يوم الثّلاثاء عن مناورات مشتركة مع السّعوديّة لـ”مواجهة التهديدات الإقليمية”.

تأتي هذه الخطوات تنفيذاً لوعود بايدن للقادة العرب بعد قمّة جدّة التي جمعت الرّئيس الأميركيّ بقادة 9 دولٍ عربيّة في مُقدّمها السّعوديّة والإمارات ومصر. يدخل هذا أيضاً ضمن عودة أميركا إلى المنطقة، وبقوّة، بعدما كانت قد بدأت الانسحاب التّدريجيّ منها منذ عهد الرّئيس الأسبق باراك أوباما. وقد بدأت أسعار النفط تنخفض في الساعات الماضية، وهو ما قد يخدم بايدن في انتخاباته النصفية.

أفغانستان: نحنُ هُنا

من الخليج العربيّ والشّرق الأوسط نذهب إلى أفغانستان. هُناك ترسخ في الأذهان صورة الانسحاب الكارثيّ للجيش الأميركيّ مع بداية عهد جو بايدن مطلع سنة 2021.

تزامناً مع زيارة بيلوسي لتايوان، كانت وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة CIA تقطِّع أوصال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في أفغانستان ومعها آسيا الوسطى بصاروخ شديد الذكاء والتركيز قتله “على شرفته” من دون أن يصيب أفراد عائلته بأذى، وذلك في مشهد جديد ضمن محاولة أميركا استعادة هيبتها بعد مشاهد الانسحاب الفوضويّ من كابول، على وقع عودة “طالبان” إلى الحكم وإلى السيطرة على البلاد، وكأنّ الإدارة الأميركيّة كانت تقول لخصومها: “دعكم من مشاهد الانسحاب، نحن هُنا ولم نرحل”.

إقرأ أيضاً: أميركا لا تريد الحرب… العرب وإيران يربحون؟

تتّبع واشنطن سياسة “حافّة الهاوية”، في مشهدٍ غير مألوف من الإدارات الأميركيّة السابقة. وربّما يكون اختيار توقيت عرض العضلات الأميركيّة غير بعيدٍ عن موعد الانتخابات النّصفيّة المُقبلة في تشرين الثّاني، إذ إنّ صورة الولايات المُتحدة بما هي القوّة الكبرى في العالم موجودةٌ في اهتمامات كلّ النّاخبين الأميركيين من دون استثناء… وللصّناديق تتمّة.

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…