نستحضر الآن كلمة الرئيس نبيه بري الشهيرة: “لا تقول فول ليصير بالمكيول”. وهو قول شعبي مأثور يستعمله رئيس المجلس النيابي في مجالسه الخاصة تعقيباً على جلسة التفاوض الرئاسية الثلاثية مع المبعوث الأميركي للتفاوض على الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل آموس هوكستين.
قال اللبنانيون ما لديهم، ويُختصر بثلاث نقاط:
– النقطة الأولى الإصرار على الخطّ 23 كاملاً زائداً حقل قانا.
– النقطة الثانية هي عدم التنازل عن أيّ مساحة من البلوكات اللبنانية، وعدم التجاوب مع أيّ فكرة تتعلّق بتبادل الحقول أو المساحات.
– النقطة الثالثة عدم الموافقة على التنقيب المشترك من قبل أيّ شركة دولية، وعدم دفع مبالغ ماليّة للإسرائيليين لقاء تنازلهم عن حقل قانا.
في لبنان انقسام في الآراء والتقديرات، فالبعض يمعن في التفاؤل إلى حدود بعيدة، على قاعدة أنّ الإسرائيليين سيوافقون كما وافق الأميركيون، وبالتالي سيكون إنجاز الترسيم سهلاً. بينما لا تُبدي في المقابل وجهة نظر أخرى تفاؤلها المطلق
بناءً على هذا الموقف الموحّد تقدّمت الإيجابيات اللبنانية على السلبيّات، بحسب مصادر متابعة، والإيجابيّات مردّها إلى أنّ هوكستين سمع موقفاً موحّداً من المسؤولين اللبنانيين، وانتزع موافقة أميركية وإسرائيلية ضمناً بالتنازل عن حقل قانا. وهنا لا بدّ للجهاد الأكبر، بحسب برّي، أن يستمرّ، ويجب انتظار الردّ الإسرائيلي على المقترح اللبناني. وكان لبنان قد طلب جواباً خطّيّاً من الإسرائيليين، فاقترح هوكستين أنّه سيبحث مع المسؤولين في تل أبيب هذا المقترح على أن يعمل هو على إعداد النصّ المكتوب ليُطلع عليه الطرفين لإبداء الموافقة قبل عودته إلى لبنان وإبلاغ اللبنانيين بالأمر، فيتمّ تحديد مواعيد لجلسة أو أكثر في الناقورة، لإنهاء كلّ الترتيبات والتوقيع على المحضر. وفي حال حصل ذلك، يتمّ التوقيع على مرسوم من الجانب اللبناني بتعديل المرسوم 6433 وتضمين التعديل المساحة الجديدة التي حصّلها لبنان.
من بين الإيجابيّات التي يرتكز عليها اللبنانيون أيضاً، أنّ هوكستين غيّر مسار رحلته، فبدلاً من أن تكون وجهته أوروبا، تحوّلت سريعاً إلى تل أبيب، وهنا تقول مصادر متابعة إنّ دخوله الأراضي المحتلّة من معبر الناقورة هو إشارة إلى جدّية المفاوضات والسعي إلى الوصول إلى اتفاق، على أن يعود بالمقترح الخطّي النهائي في مهلة أقصاها أسبوعان، فيتمّ التداول بالصيغة ووضع اللمسات الأخيرة عليها، ثمّ يتحدّد موعد العودة إلى الناقورة في حدود الأول من أيلول.
نصر لحزب الله؟
بناء عليه، سيكون انتظار عودة هوكستين سيّد الموقف، والأهمّ انتظار الردّ الإسرائيلي، الذي تنقسم حوله التقديرات:
– البعض يقدّر أنّ الإسرائيليين سيتعاطون ببراغماتية، وقد يوافقون على هذا العرض نظراً إلى نيّتهم الإسراع في الاستخراج وتوفير مقوّمات الأمن والاستقرار ليتمكّنوا من التصدير بغضّ النظر عن كلّ المزايدات والمواقف التصعيدية الشعبوية.
– أمّا التقدير الثاني فهو عدم موافقة الإسرائيليين على هذا الأمر لأسباب كثيرة:
أولاً: لعدم جعل حزب الله المتحكّم الأساسي بالملاحة في البحر المتوسط.
ثانياً: كي لا يكون الغاز الإسرائيلي ومساره إلى أوروبا تحت سيف حزب الله.
ثالثاً: لعدم منح الحزب أيّ انتصار سياسي أو معنوي أو أمنيّ بأن تظهر إسرائيل وكأنّها قدّمت التنازلات المطلوبة نتيجة مواقفه وتصعيده وتهديداته.
ارتباط الملف بأزمة الطاقة العالمية من دون إغفال آفاق الصراع الروسي الغربي على النفط. لذلك هناك مَن يراهن على أن يكون الترسيم خطوة على طريق إبداء حسن النوايا بين إيران وأميركا
إسرائيل تريد ممرّاُ لأنبوبها
بحسب المعطيات المتوافرة حتى الآن، لم يغيّر الإسرائيليون شروطهم ومواقفهم، ويريدون منح لبنان أقلّ من 860 كلم، وذلك لسببين:
الأوّل: عدم تقديم تنازل كامل للبنان.
الثاني: يريدون استخدام تلك المساحة التي يطالبون بها من البلوك رقم 8 لتمرير أنبوب الغاز باتجاه قبرص ومنها إلى أوروبا، علماً أنّ المرحلة الأولى من التصدير ستكون عن طريق مصر.
في لبنان انقسام في الآراء والتقديرات أيضاً، فالبعض يمعن في التفاؤل إلى حدود بعيدة، على قاعدة أنّ الإسرائيليين سيوافقون كما وافق الأميركيون، وبالتالي سيكون إنجاز الترسيم سهلاً وبأسرع ممّا هو متوقّع. بينما لا تُبدي في المقابل وجهة نظر أخرى تفاؤلها المطلق، وتقول: “نحن نواجه إسرائيل التي اعتادت مراراً على وضع الجميع تحت الأمر الواقع. لذا قد لا توافق على المقترح اللبناني، لا بل قد تكون في طور الإعداد لمفاجأة. الملف شائك جدّاً ومتشعّب، والصراع مفتوح، وبالتالي لا يمكن أن تكون نهاية الطريق في عقد الاتفاق أو عدمه”.
إقرأ أيضاً: إسرائيل وافقت على “23 زائد قانا”: نريد حصّة من البلوك 8
ختاماً ثمّة معادلتان لا يمكن إغفالهما:
أوّلاً: ارتباط ملف الترسيم بالملف النووي الإيراني، ولا بدّ أن يكون أيّ تقدُّم فيه مرتبطاً بإحراز تقدُّم بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية.
ثانياً: ارتباط الملف بأزمة الطاقة العالمية من دون إغفال آفاق الصراع الروسي الغربي على النفط. لذلك هناك مَن يراهن على أن يكون الترسيم خطوة على طريق إبداء حسن النوايا بين إيران وأميركا، وهو ما يعني احتمال تمريره قبل إنهاء المسار النووي سلباً أو إيجاباً. أمّا في حال عدم إنجازه، ووصلت المفاوضات النووية إلى طريق مسدود، فإنّ التفاؤل سيتبدّد والاستنفار هو الذي سيتقدّم مع فرض قواعد جديدة للمواجهة ترتكز على تبادل الضربات القابلة للتطوّر إلى مواجهة تفرض الحلّ فيما بعد.