“التحرير” النفطي: الفضل الأكبر للرئيس برّي

مدة القراءة 4 د

يبدو أنّ الترسيم بات “تحصيل حاصل”. وكلّ ما شهدناه في الأسابيع الماضية هو محاولة “تبنّي” ما سيوصف في الأسابيع المقبلة، بأنّه “انتصار”، قد يصل إلى مصاف “التحرير الثاني”، بعد تحرير الجنوب في العام 2000.

فحين تبدأ مليارات الدولارات في الجريان داخل الثقة في شرايين الاقتصاد اللبناني، بعد سنة أو 5 سنوات، وحين يشعر اللبنانيون بالازدهار يعود إلى اقتصادهم ويؤثّر إيجاباً على حياتهم ومعيشتهم ويومياتهم الشخصية، هناك من يعمل منذ الأمس على التحضير ليقول لهم: “أنا الذي أنعمتُ عليكم”.

هذا هو مغزى الصراع الشكلي الدائر منذ أسابيع أو أشهر. فحين اقتربت صفقة ترسيم الحدود من الإنجاز، قرّر أحد المقرّرين، أنّ الملف يجب ألا يكون في يد الرئيس نبيه برّي. فتذكّر رئيس الجمهورية أنّ من صلاحياته التفاوض على المعاهدات الخارجية، واستلم الملفّ.

 

أسبقية الرئيس برّي

رئيس مجلس النواب نبيه برّي، بصفته الرسمية، وبصفته رئيس حركة “أمل” التي قاتلت إسرائيل، وبصفته “الزعيم السياسي” للشيعة في مؤسسات الدولة، كان هو صاحب “الانتصار” في ملفّ المفاوضات.

منذ العام 2011 كان هو المفاوض الذي أوصل إلى “اتفاق الإطار” في تشرين الأوّل 2020. وهو اتفاق صنع “مفاوضات الناقورة” وقرّب وجهات النظر من خلال مفاوضات غير مباشرة، على مستوى عسكري غير سياسي دون تحديد خطوط أو حقول.

أراد الرئيس برّي التذكير بدوره التاريخي في إنجاز الاتفاق، وبأسبقيته على عون وحزب الله واللواء ابراهيم، رغم استبعاده كمفاوض وحيد منذ عامين تقريباً

بعدها، حين بدا أنّ الإخراج النهائي يقترب، “سحب” رئيس الجمهورية ميشال عون الملفّ من يده، وتذكّر بعد 4 سنوات من إقامته في قصر بعبدا، أنّه صاحب الصلاحيات “الرسمية”. وأدخل المدنيَيْن، نجيب مسيحي ووسام شباط، إلى وفد التفاوض في الناقورة.

ثم حين اقتربت اللحظة أكثر، “سحب” حزب الله الملفّ من يد الرئيس عون وقرّر أن يشرف بنفسه على الإخراج النهائي لهذا الإنجاز التاريخي بالنسبة إلى لبنان، دولةً وشعباً ومستقبلاً.

 

الحزب يريد “التاريخ”

بدأ حزب الله يقترب ويبتعد من الملفّ. كان أوّل تصريحات الأمين العام للحزب أنّه وحزبه يقفان “خلف الدولة”. لكن حين اقتربت الخواتيم، وصار الترسيم مسألة وقت، وبلغ التفاوض مداه، قفز الحزب إلى “أمام” الدولة، وأرسل مسيّراته فوق سفينة الاستخراج التي جلست على الخطّ 29، في حقل كاريش. وبدأ نصر الله في الاستثمار بالملفّ.

الحزب خبير في البروباغندا، وسبّاق في القدرة على تعميم الشعارات والفوز بسبق “التأريخ”. ولديه شعارات جاهزة ليكتب تاريخ النفط باعتباره صنيعة “السلاح” و”المقاومة”. وسيسارع ليقول إنّ سلاحه “حمى نفط لبنان وغازه” تمهيداً للقول إنّ هذا السلاح حرّر “مزارع شبعا البحرية” وصنع “الانتصار النفطي”.

أيضاً في الأسابيع الأخيرة برز دور أكبر للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. سافر إلى واشنطن في مهمة لم تعلن تفاصيلها الكاملة. ثم بعدما التقى رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بالوسيط الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكستين على هامش قمّة جدّة، سافر في طائرة الكاظمي الخاصّة ليلتقيه ويعود في اليوم نفسه إلى لبنان.

وأمس الأوّل التقى هوكستين ابراهيم فور وصوله، ثم التقاه مرّة ثانية مساءً في السراي على مائدة نجيب ميقاتي، ثم التقاه أمس صباحاً في اللقاء الرئاسي في بعبدا.

 

هجمة مرتدّة من برّي

انتبه الرئيس برّي إلى ما يجري. دعا الإعلاميين مساء السبت إلى عين التينة، وقال أمامهم إنّ لبنان سيعود إلى “اتفاق الإطار” وإلى “مفاوضات الناقورة”: “نروح على الناقورة أحسن ما نروح على مطرح تاني”. وتابع: “رئيس الجمهورية يفاوض والوفد يكون عسكرياً”.

أراد الرئيس برّي التذكير بدوره التاريخي في إنجاز الاتفاق، وبأسبقيته على عون وحزب الله واللواء ابراهيم، رغم استبعاده كمفاوض وحيد منذ عامين تقريباً.

غداً حين تبدأ “حكاية الانتصار النفطي”، هناك من لن يتحمّل أن تأخذ حركة أمل مشروعية “التحرير الثاني”، وأن تقول الحكاية لأطفالنا، إنّ “المفاوضات السياسية أنجزت اتفاق الترسيم”، وإنّ “المقاومة السياسية” قادرة على حماية حقوق اللبنانيين. لا بدّ من “مسيّرات” و”فيديو صاروخ أرض-بحر” وقمصان سود في “كزدورة” على الحدود.

إقرأ أيضاً: إسرائيل وافقت على “23 + قانا”: نريد حصّة من البلوك 8

لكنّ الحقيقة أنّ الرئيس برّي قاد “مقاومة سياسية” بلا مسيّرات ولا صواريخ. الرئيس برّي بصفته رئيس مجلس النواب، أحد أعمدة الشرعية المؤسساتية. الرئيس برّي بصفته ممثّل جزء كبير من شيعة لبنان، وجزء أكبر من مشروعية الدولة.

الدولة. الدولة.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…