بعد عامين على تفجير مرفأ بيروت، بدأت تتوضّح ملابسات كثيرة عن كيفيّة إدارة التحقيق بعيداً عن الخيوط الأساسية، حول من أتى بالنتيرات ومن حمى إنزالها، ومن حافظ عليها كلّ هذه السنوات.
في هذه السلسلة وثائق تنشر للمرّة الأولى، حول تزوير في مراسلات قضائية، وحول إخفاء الشرطة العسكرية أدلّة عن اشتباه اليونفيل بالباخرة، وطمأنة الجيش إلى أنّها لا تحمل موادّ مسبوهة ؟
في الحلقة الثالثة أسئلة عن لغز قتل المصوّر المعتمَد من قبل الجيش، جو بجّاني، وسبب “سحب كلّ الداتا” من منزله، قبل بدء التحقيقات. الجيش مجدّداً في الواجهة.
يوجد ما يزيد على ثلاثين وثيقة كفيلة بتحديد المسؤوليات في ملفّ تفجير مرفأ بيروت، أهمّها تقارير الأمم المتحدة والشرطة العسكرية وبحريّة بيروت بين العامين 2013 و2020، وسيكون الربط بينها منطقياً في حال وقوع الجرم، خاصة حين تحاول جهة طمس المعطيات وتكون هي ذاتها المكلّفة بالتحقيق. والمقصود هنا الشرطة العسكرية، بحسب وليام نون، شقيق أحد ضحايا التفجير، والناطق باسم الأهالي.
يوجد ما يزيد على ثلاثين وثيقة كفيلة بتحديد المسؤوليات في ملفّ تفجير مرفأ بيروت، أهمّها تقارير الأمم المتحدة والشرطة العسكرية وبحريّة بيروت بين العامين 2013 و2020
من خلال اللقاءات التي عقدها الأهالي والوثائق التي تمّ جمعها، يجزم وليام نون لـ”أساس” أنّ “كلّ من شغل موقع مسؤولية في المرفأ كان مسؤولاً ولو بنسب متفاوتة، والنسبة الكبرى ما تزال خارج دائرة التحقيق. كان يمكن للجمارك رفض إفراغ الحمولة مثلاً”.
لا ينفي نون أنّ “الموجودين حالياً في السجن يتحمّلون جزءاً من المسؤولية، لكن بنسبة أقلّ ممّن هم خارج السجن، أو في موقع المسؤولية”.
الخطر في ملف المرفأ أنّ مَن هو داخل السجن يصعب عليه كشف الحقائق كاملة والبوح بكلّ ما يعرفه، خشية انفضاح المزيد الذي قد يُدينه في ملفّات أخرى. وعلى الرغم من كلّ ما قيل ومن الوثائق التي باتت مكشوفة، لم تتّصل أيّ جهة بوليام نون للتحقّق ممّا قاله، ولم يتحرّك القضاء اتّجاهه. هذه هي المرّة الوحيدة التي لم تراجع فيها أيّ جهة وليام نون للاستفسار عمّا قاله. وهو يعتبر أنّ هذا التقصير يؤكّد صحّة الوثائق ويقوّي حجّة الأهالي.
يكشف نون عن التطوّر الحاصل في الدعوى القضائية التي تقدّم بها الأهالي أمام المحكمة العليا في لندن بالتعاون مع الوزير القواتي السابق، كميل أبو سليمان ونقابة المحامين، ضدّ شركة “سافارو”، الوسيط البريطاني الوهمي والمتخفّي عن الأنظار، والمسؤول عن شراء نيترات الموت. إذ تبيّن أنّ خلفها شركتين وهميّتين مسجّلتين، وتمّ التواصل مع الشركة الأساسية والحصول على بياناتها المالية، ويفترض أن يظهر، في السجلّات المالية، مَن دفع ثمن النيترات، وحينها يتمّ كشف الجهة التي تملكها.
يجزم وليام نون لـ”أساس” أنّ “كلّ من شغل موقع مسؤولية في المرفأ كان مسؤولاً ولو بنسب متفاوتة، والنسبة الكبرى ما تزال خارج دائرة التحقيق. كان يمكن للجمارك رفض إفراغ الحمولة مثلاً”
من الروايات المتداولة التي تحتاج إلى وثيقة لإثباتها طلب مديرية التوجيه عام 2017 الحصول على محوّلين كهربائيّين موجودين في العنبر رقم 12. وكان جواب الجمارك أنّه يتعذّر الحصول عليهما بسبب تراكم أكياس نيترات الأمونيوم في العنبر. ومرّت هذه الرواية مرور الكرام ولم تستوقف أحداً.
قصّة بجّاني وعلاقته بالانفجار؟
في الواحد والعشرين من كانون الأول 2020 اغتيل المصوّر جان بجاني على يد مجهولين وهو على مقربة من سيارته وعلى مرأى ومسمع من زوجته وأولاده الذين غادروا البلاد. وقد قطعت الزوجة أيّ صلة لها بلبنان ورفضت التحدّث عن الموضوع.
المفاجأة في قضية مقتل بجاني التي هي موضع استغراب أنّ الأجهزة الأمنيّة صادرت بعد أقلّ من ساعة من اغتياله كلّ “الهارد ديسك” والأفلام المصوّرة خاصّته من داخل منزله حتى قبل أن ينطلق التحقيق بالجريمة.
تنبّهت زوجته لاحقاً إلى أنّ المصادرة لم تحصل بموجب قرار قضائي، الأمر الذي يطرح جملة علامات استفهام، خاصة أنّ المجني عليه يملك ترخيصاً سنوياً لتصوير كلّ نشاطات الجيش ويحقّ له التصوير على الحدود وداخل المرفأ وفي أجوائه وداخل الثكنات. فأين أصبح التحقيق بمقتله؟
لا شيء ولم يعد أحد يتذكّر جريمته.
إقرأ أيضاً: تفجير المرفأ بعد عامين (2): هل زوّرت الشرطة العسكريّة التحقيق؟
هل هي لعبة كبرى بدأت تتكشّف خيوطها تباعاً؟ أم إظهار الحقيقة ممنوعٌ بسبب وجود تقاطع مصالح بين أكثر من جهة وجهاز أمنيّ وقضائي؟
حتّى شركات التأمين لم تستطع الركون إلى حقيقة بعينها من أجل صرف المبالغ المتوجّبة على سبيل التأمين. وكان الأهالي تقدّموا بحجز على المرفأ كنوع من الضغط لتسريع التحقيق لأنّ إدارة المرفأ تتحمّل جزءاً من المسؤولية، لكنّ كلّ الإجراءات لم يجرِ بتّ أيّ منها حتى الساعة.
في الحلقة الرابعة والأخيرة غداً:
ما هي مسؤوليّة قائد الجيش؟