خليفة الظواهري في طهران

مدة القراءة 8 د

Atlantic Council

في وقت مبكر من صباح الأحد قتلت الولايات المتحدة أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، بطائرة بدون طيار، وسط مدينة كابول، وهو أحد العقول المدبّرة لهجمات 11 أيلول 2001، وزعيم الشبكة الإرهابية منذ مقتل أسامة بن لادن عام 2011. وبهذه المناسبة، قال الرئيس الأميركي جو بايدن، أثناء إعلانه عن العملية يوم الإثنين الماضي في البيت الأبيض: “مهما استغرق البحث عنك من وقت، وبغضّ النظر عن المكان الذي تختبئ فيه، إذا كنتَ تمثّل تهديداً لشعبنا، فستجدك الولايات المتحدة وتُزيلك من الوجود”.

للحصول على إجابات حول ما تعنيه هذه الضربة بالنسبة للقاعدة، وللنهج الأميركي في مكافحة الإرهاب، ومستقبل أفغانستان، لجأنا إلى الخبراء عبر شبكتنا من زملاء المجلس الأطلسي Atlantic Council، وأعضاء مجموعة دراسة مكافحة الإرهابCounterterrorism Study Group.

شعور التبرير لبايدن ولحظة حقيقة بالنسبة لطالبان

يقول ويليام ويشلر William F. Wechsler، وهو مدير مركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط، ونائب مساعد سابق لوزير الدفاع لشؤون العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب: “وفاة أيمن الظواهري هي انتصار أوّلاً وقبل كلّ شيء لآلاف العاملين في العمليات الخاصة الأميركية وأجهزة الاستخبارات الذين تُوّج عملهم الهادئ والثابت على مدى العقدين الماضيين بهذه العملية. ويبدو أنّ الضربة نُفّذت بطريقة تقضي على الهدف دون إلحاق أيّ أضرار جانبية. وهذا عامل كان حاسماً بالنسبة للرئيس بايدن، ومثالاً على الخبرة التكتيكية التي لا تضاهيها خبرة أيّ دولة أخرى اليوم.

وعلى الرغم من أنّ الظواهري لم يكن قائداً عمليّاتياً مثل بن لادن، لكنه قدّم إرشادات استراتيجية لشبكة تنظيمات القاعدة المنتشرة على نطاق واسع، وحثّها باستمرار على مهاجمة أميركا، وكان أحد الأشخاص القلائل الباقين الذين يمكن أن يكونوا بمنزلة “الغِراء” لتماسك الشبكة معاً. والآن بعد وفاته، علينا أن نتوقّع أن تمرّ القاعدة بمرحلة اضطرابات داخلية تخدم الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة المتمثّل في تفكيك التنظيم.

شير وجود الظواهري في أفغانستان ما بعد الانسحاب إلى أنّ طالبان، كما يُخشى، تمنح مرّة أخرى ملاذاً آمناً لقادة القاعدة، وهي جماعة لم تنفصل عنها قطّ

يعدّ هذا إنجازاً ملحوظاً بشكل خاص للرئيس بايدن، الذي قرّر سحب القوات الأميركية المتبقّية العام الماضي، وترك أفغانستان لطالبان، معتمداً فقط على عمليّات مكافحة الإرهاب المسمّاة “عبر الأفق over the horizon” ضدّ القاعدة. جرى انتقاد هذا القرار من قبل العديد من خبراء مكافحة الإرهاب في ذلك الوقت، بمن فيهم أنا. ولكن مع ظهور أخبار قتل الظواهري، فإنّ بايدن وفريقه، بقيادة ليز شيروود راندال Liz Sherwood-Randall في البيت الأبيض، سينامون وسط شعور عميق بالثبات، وسيحتفلون بالنصر عن جدارة.

مع ذلك، لا ينبغي لقادة طالبان أن يناموا بهدوء، فقد أوضح مسؤولون كبار في إدارة بايدن أنّ كبار القادة في شبكة حقّاني، وهي جماعة إرهابية مصنّفة لدى الولايات المتحدة، وعنصر أساسي في حركة طالبان، دعموا انتقال الظواهري إلى كابول، وساعدوا على إبعاد عائلته بعد الضربة. ولا يبدو واضحاً في الوقت الحالي ما إذا كان قادة طالبان الآخرون متورّطين كذلك بشكل وثيق في توفير الملاذ لزعيم القاعدة في عاصمتهم. إذا كانوا كذلك، فإنّ الالتزامات التي وقّعوا عليها في الدوحة، كانت بلا معنى. أمّا إذا لم يفعلوا ذلك، فعليهم اتّخاذ إجراءات ضدّ حقّاني. في كلتا الحالتين، أصبح لدى طالبان الآن الكثير ليثبتوه للعالم الخارجي. إنّ أفضل مكان للبدء هو تسليم مارك فريريتش Mark Frerichs، الرهينة الأميركي البريء الذي اختطفته عائلة حقّاني منذ أكثر من عامين”.

للبناء على نجاح الضربة وتوسيع شبكات التجسّس في أفغانستان

بحسب كريستوفر كوستا Christopher P. Costa، وهو المدير التنفيذي لمتحف التجسّس الدولي، وأستاذ مشارك في كلية الخدمة الخارجية بجامعة جورجتاون، وكان مساعداً خاصّاً للرئيس ترامب، ومديراً أوّل لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي الأميركي من 2017 إلى 2018، فإنّ “مشروع مكافحة الإرهاب لإدارة بايدن أحرز نجاحاً كبيراً، لكنّ الخطوات التالية يجب أن تُبنى على هذا النجاح. على الولايات المتحدة إعادة الاستثمار في طرائق جديدة لتطوير الاستخبار البشري من أجل مواجهة الجهاديين الصاعدين في أفغانستان، على الرغم من وفاة الظواهري.

في هذا المجال، تجدر الإشارة إلى أنّ إدارة ترامب أعلنت عن استراتيجيّتها في أفغانستان في آب 2017، وفيها إطار استراتيجي لحماية الأرض الأميركية عبر مهاجمة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة في ملاذاتهم الآمنة، بهدف استباق الهجمات الإرهابية المحتملة. وهناك معاقل مناهضة لطالبان في أفغانستان حيث يتمركز المجاهدون المعروفون باسم جبهة المقاومة الوطنية (NRF). ويجب على الولايات المتحدة أن ترمي بثقلها دعماً لهؤلاء لأنّ حركة طالبان لا يمكن الوثوق بها”.

يؤكّد وجود الظواهري منذ فترة طويلة في أفغانستان، الحاجة إلى الحفاظ على تغطية استخباراتية قوية لتلك الدولة المنهارة، والبيئات المماثلة. ويجب أن نكون حذرين بشأن المبالغة في تقدير القدرات لعملية “عبر الأفق”

ثلاثة مخاوف حرجة تتعلّق بمكافحة الإرهاب

يقول ناثان سايلز Nathan Sales، وهو باحث غير مقيم في مبادرة سكوكروفت الأمنيّة للشرق الأوسط وبرامج الشرق الأوسط، وسفير أميركي متجوّل سابق ومنسّق مكافحة الإرهاب إنّ “قتل أيمن الظواهري يمثّل ضربة كبيرة للقاعدة التي أمضت العام الماضي تعمل على إعادة بناء قدراتها في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي الفوضوي. ربّما لم يكن الظواهري قائداً ذا شخصية كاريزمية مثل سلفه أسامة بن لادن أو أبي بكر البغدادي زعيم داعش. وبما أنّه قد لقي المصير نفسه الآن، فسيؤدّي ذلك إلى إضعاف معنويّات القاعدة، ممّا يدلّ على أنّه لا يوجد إرهابيّ بعيد عن متناول الولايات المتحدة.

وفي حين أنّ هذا هو يوم الاحتفال، فإنّ موت الظواهري يثير عدداً من الأسئلة الحاسمة حول مستقبل الحملة الأميركية لمكافحة الإرهاب.

أوّلاً، يشير وجود الظواهري في أفغانستان ما بعد الانسحاب إلى أنّ طالبان، كما يُخشى، تمنح مرّة أخرى ملاذاً آمناً لقادة القاعدة، وهي جماعة لم تنفصل عنها قطّ. كان الظواهري يعيش في منزل آمن في قلب كابول، وهذا لا يتمّ إلا بموافقة طالبان.

ثانياً، ليس من الواضح ما إذا كان يمكن تكرار نجاح يوم الأحد ضدّ أهداف إرهابية أخرى. كانت هذه أوّل ضربة أميركية بطائرة بدون طيار في أفغانستان منذ ما يقرب من عام. ويبقى أن نرى ما إذا كان لدى الإدارة الحالية القدرة أو النيّة لتفكيك شبكات الإرهاب بشكل منهجي في البلاد التي تهدّد الولايات المتحدة. إلى أن نعرف المزيد، يجب أن نقاوم الرغبة في رؤية هذه الضربة على أنّها تبرير لمكافحة الإرهاب المسمّاة “عبر الأفق”.

ثالثاً، الرجل التالي في عمق هيكلية القاعدة هو سيف العدل الذي كان منذ فترة طويلة ضيفاً على النظام الإيراني. كان لدى طهران والقاعدة قضية مشتركة ضدّ أعدائهم المشتركين في السنوات الأخيرة. سنحتاج إلى مراقبة شكل علاقتهما عن كثب إذا ارتقى سيف العدل، كما هو متوقّع، إلى الموقع الأوّل للقاعدة”.

ما يمكن توقّعه بعد ذلك من تنظيم القاعدة

نورمان رول Norman Roule، وهو مدير استخباري سابق في قسم إيران، التابع لجهاز الأمن القومي الأميركي، يقول: “في العشرين سنة الماضية التي كان فيها الظواهري فارّاً من العدالة، ذبلت القاعدة، فلم تعد قادرة على التأثير العالمي. وتركّز فروعها الآن على الهيمنة الخاصة بدولة معيّنة، أو الهيمنة الإقليمية، كما نرى في إفريقيا أو اليمن.

كما أنّ مقتل الظواهري يثير تساؤلات مهمّة: فهل مقتله نتيجة عقود من البحث عنه؟ هل تعرّض للخيانة من قبل مسؤولي طالبان لقاء مكافأة تُمنح لمثل هذه المعلومات أم مقابل دعم الولايات المتحدة لإعادة الأصول الأفغانية المجمّدة؟ هل أجاز الظواهري عمليات صنعت تموّجات معيّنة سمحت بمعرفة مكانه؟ لقد ذكرت التقارير الأوّلية أنّه قُتل في كابول. فمنذ متى كان هناك؟ ومن كان معه عندما مات؟ ماذا تخبرنا هذه العملية عن قدرات الطائرات الأميركية بدون طيار؟ بعض هذه الإجابات لن تكون معروفة للجمهور.

إقرأ أيضاً: الانتخابات النصفية: ترامب يتفوّق على بايدن

يؤكّد وجود الظواهري منذ فترة طويلة في أفغانستان، الحاجة إلى الحفاظ على تغطية استخباراتية قوية لتلك الدولة المنهارة، والبيئات المماثلة. ويجب أن نكون حذرين بشأن المبالغة في تقدير القدرات لعملية “عبر الأفق”.

في ما يتعلّق بما سيحدث بعد ذلك، قد يقع عبء قيادة القاعدة على سيف العدل، الذي يُقال إنّه رهن الاحتجاز في إيران. إنّ رفض طهران تسليم عناصر القاعدة إلى السلطات الدولية، والسماح للقاعدة بالاحتفاظ بخليّة تسهيل مهمّات داخل إيران، يؤكّدان أنّ طهران لا تزال الراعي الأول للإرهاب في العالم، والمنشّطة له كذلك”.

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

مواضيع ذات صلة

برنامج ترامب منذ 2023: الجمهورية الشعبية الأميركية

“سأحطّم الدولة العميقة، وأزيل الديمقراطيين المارقين… وأعيد السلطة إلى الشعب الأميركي“. هو صوت دونالد ترامب الرئيس 47 للولايات المتحدة الأميركية المنتخب يصدح من مقطع فيديو…

20 ك2: أوّل موعد لوقف إطلاق النّار

في حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هيرتسي هاليفي أنّ إسرائيل تضع خططاً لتوسيع هجومها البرّي في جنوب لبنان، نقلت صحيفة “فايننشيل تايمز” البريطانية عن…

نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع…

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…