زرتُ فيينا قبل أسبوعين للمشاركة في مؤتمر دولي، فالتقيتُ بصديق دبلوماسيّ قديم يعمل في العاصمة النمساوية. عرفت منه أنّ إيران توصّلت مع أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا إلى اتفاق حول ملفّها النووي شمل كلّ القضايا المختلَف عليها، وأنّ المنظمة الدولية للحدّ من انتشار السلاح النووي وضعت برنامجاً احتفاليّاً لذلك، وأوصت بشراء كميّة من الأزهار لتزيين القاعة المخصّصة للتوقيع، لكنّ شمس صباح ذلك اليوم لم تشرق. فجأة توقّف كلّ شيء. وعادت المفاوضات إلى نقطة الصفر.
ونقطة الصفر هي النقطة التي يفترق عندها الموقف الإيراني من الذي يطالب برفع العقوبات الأميركية، عن الموقف الأميركي الذي يرفض استثناء الحرس الثوري الإيراني من هذا الرفع.
كان يمكن للقبول الأميركي أن يفجّر أزمة غير مسبوقة في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. وكان يمكن للقبول الإيراني أن يُفسَّر على أنّه إقرار غير مباشر بلاشرعية ممارسات الحرس الثوري وبتجاوزه للقوانين وللأعراف الدولية. لذلك رفضت إيران مبدأ استثناء الحرس الثوري من رفع العقوبات، بعدما أصرّت عليه الولايات المتحدة. وكانت النتيجة أن وظّفت إسرائيل ذلك فأظهرت أنّه انتصار سياسي لها، وربّما تكون إسرائيل ذهبت إلى أبعد من ذلك فاعتبرت هذا الموقف الأميركي بمنزلة ضوء أخضر لها للمضيّ قدماً في أعمالها ضدّ العلماء الإيرانيين وضدّ منشآت إيران النووية. وهي عمليات تتكرّر أحياناً عن بُعد، وأحياناً بواسطة عملاء في الداخل.
ذبلت زهور فيينا، واشتدّت حدّة الأشواك الإسرائيلية التي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية والعلماء الإيرانيين
ذبول زهور فيينّا
كان هناك عرس دولي – إيراني جديد على وشك الاحتفال. وفجأة توقّف كلّ شيء، وذبلت أزهار الاحتفال.
تعني العودةُ إلى نقطة الصفر في محادثات فيينا الرجوعَ إلى الخلاف حول تحديد حقّ إيران في نسبة وفي كميّة تخصيب اليورانيوم. فنسبة التخصيب وكميّته تتلازمان. تريد الولايات المتحدة أن يبقى التخصيب دون قدرة إيران على صناعة قنبلة نووية، وتريد إيران أن يبقى حقّ التخصيب مفتوحاً أمامها من دون سقف مع إعلانها المتكرّر أنّها ليست بصدد إنتاج قنبلة نووية. لكنّ التجربة الباكستانية، وقبلها التجربة الهندية، علّمتا المجتمع الدولي أنّه ما إن تدخل دولة ما مجال الصناعة النووية، فإنّها لن تتوقّف إلا بعد إنتاج القنبلة. وإيران ليست استثناء. فهي عمليّاً قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة. أمّا ما تردّده من أنّ إنتاج القنبلة ليس هدفاً، فلا يعني أنّه ليس ممكناً. هذه الإمكانية هي مصدر القلق الدولي. ثمّ لم يعد الإعلان يُقنع أحداً، وخاصة إسرائيل التي تريد أن تحتكر في الشرق الأوسط ملكيّة القنابل النووية التي لديها منها 60 قنبلة، وأن ينتج مفاعل ديمونا وحده السلاح النووي.
هكذا ذبلت زهور فيينا، واشتدّت حدّة الأشواك الإسرائيلية التي تستهدف المنشآت النووية الإيرانية والعلماء الإيرانيين. وقد ذهب رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت إلى حدّ إعلان اسم البرنامج الأمنيّ الإسرائيلي الذي يستهدف إيران، وأنّه يقوم على “مبدأ الأخطبوط”، الذي يقول بامتداد أذرع الأخطبوط الإسرائيلي إلى كلّ موقع وإلى كلّ شخص إيراني له علاقة بالمشروع النووي. وأيّاً تكن نسبة نجاح إسرائيل في تنفيذ هذا المبدأ، فقد أعلنت إيران أنّها لن تقف مكتوفة الأيدي. ومن هنا ارتفعت صرخة إسرائيل المحذّرة من استهداف رعاياها في الخارج، وخاصة في تركيا.
إقرأ أيضاً: التهديد بالسلاح النوويّ
أمّا الجهة التي تحكم في هذا الأمر فهي لجنة المفاوضات في فيينا التي عملت لسنوات طويلة من دون التوصّل إلى تسوية. لكنّ الزهور لا تستطيع الانتظار، فهي أزهار غير نووية، ولذلك هي غير مؤهّلة للانتظار. لذلك تذبل بسرعة حتى لو كانت من حدائق فيينا!!