ماذا يعني أن يخرج الأمين العام لحزب الله علينا ليقول إنّه “طرف في اليمن، ولا يمكن أن أكون وسيطاً”؟
لطالما ردّ الناطقون باسم حزب الله وبيئته على من يتّهمون الحزب بأنّه يعتدي على العرب وتحديداً على المملكة العربية السعودية من خلال الحوثيين، لطالما ردّ بأنّه لا وجود له في اليمن وليس مشاركاً في هذه الحرب.
أما في حواره الأخير على شاشة قناة “الميادين”، فقد اعترف، بالحرف الواحد، بأنّه طرف، وبأنّه يدعم الحوثيين ويساعدهم، ويعتبرهم مظلومين، رافضاً أن يلعب دور الوسيط بينهم وبين العرب، باعتبار أنّ المطلوب “رفع الحصار عنهم قبل وقف إطلاق النار”.
لطالما ردّ الناطقون باسم حزب الله وبيئته على من يتّهمون الحزب بأنّه يعتدي على العرب وتحديداً على المملكة العربية السعودية من خلال الحوثيين، لطالما ردّ بأنّه لا وجود له في اليمن وليس مشاركاً في هذه الحرب
في هذا الإعلان الكثير من الوضوح، وتذكير بأنّ حزب الله أحد أذرع إيران العسكرية في المنطقة. واللافت أنّ السيد حسن نصر الله كرّر خلال المقابلة أكثر من مرّة قوله إنّ “حزب الله قوّة إقليمية”، ليتبعها بقوله، أكثر من مرّة، وبالصيغة نفسها: “كما يقولون”، ويكمل: “أفضّل استعمال تعبير: قوّة ذات تأثير إقليمي”.
هكذا خرج نصر الله على اللبنانيين ليؤكّد لهم أنّه مستمرّ في تغذية ملفّ خلافهم مع العرب، الذي هو سبب أساسي من أسباب انفضاض العرب ورفضهم مدّ يد العون والمساعدة للبنان. وأنّه مستمرّ في العداوة مع السعودية. وأنّه لن يدّخر جهداً في نصرة الحوثيين خلال حربهم على السعودية والإمارات والكويت والبحرين وغيرها من دول الخليج.
ماذا في الداخل؟
في الداخل يعرف نصر الله كيف يقدّم نفسه باعتباره صانع معادلات، أو صانع انتصارات، وإن لم يكن صنع الانتصار يتطابق في المضمون مع الشكل أو الإعلان. في لعبة محاكاة الجماهير، هو الأكثر خبرةً وتمكّناً في صناعة الأسطورة. كان آخر الدلائل على ذلك إعلانه أن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأميركية تريدان الوصول إلى حلّ لملف ترسيم الحدود، بل المماطلة وإضاعة الوقت. ثم ذهابه إلى الإيحاء بأنّه اجترح معادلة مضادّة قائمة على التلويح بالتصعيد العسكري والذهاب إلى خيار الحرب في حال عدم الوصول إلى اتفاق. في ذلك قدّم نصر الله نفسه باعتباره صانع الاتفاق، ووفق شروطه، والمتمكّن من منع الإسرائيليين والأميركيين من اعتماد سياسة التسويف.
في قراءة مضادّة لآليّة الطرح الذي يتقدّم به نصر الله، يمكن تقديم وجهة نظر مقابلة ترتكز على أنّ الرجل كان لديه كلّ المعطيات اللازمة حول الاتجاه الأوروبي والأميركي والإسرائيلي للاهتمام بملف النفط والغاز وإنجازه بين لبنان وإسرائيل، وليقينيّته بذلك لجأ إلى التصعيد باختيار التوقيت المناسب ليقول في النهاية إنّه هو الذي نجح في فرض الاتفاق وحافظ على حقوق لبنان. من دون ذلك فإنّ خيار الحرب مطروح على الطاولة.
أراد نصر الله أن يتوجّه إلى اللبنانيين بوصفه محارباً وحامياً وصاحب قوّة وغيور على مصالح البلد وثرواته وحقوقه وحقوله، فيما يريد مخاطبة الإسرائيليين بوصفه القادر على تهديد الكيان وفي الوقت نفسه القادر على إنجاز التسوية بدون مصافحة
هي الحرب التي لا يريدها أحد، لا في إسرائيل ولا في لبنان، وأيّ مسبّبات لاشتعالها ستكون ذات أبعاد خارجية، كما كان الحال بالنسبة إلى التهديد الذي أطلقه نصر الله بقلب الطاولة في كلّ المنطقة، ومنع تصدير النفط والغاز من البحر الأبيض المتوسط قبل الوصول إلى حلّ مع لبنان. كان هذا الموقف مستبقاً لقمّة جدّة التي جرى الحديث عن أنّها تعدّ لتشكيل تحالف عسكري وأمني عربي لمواجهة إيران. فكانت تهديدات نصر الله تستهدفها. من دون إغفال القلق الإيراني الذي جرى التعبير عنه لمسؤولين دوليين من الإقدام على تشكيل حلف كهذا.
بعد انقضاء القمّة، تبدّدت تلك الهواجس الإيرانية بالارتكاز على مواقف أعلنها مسؤولون خليجيون ترفض تشكيل هذا الناتو العربي. لكنّ نصر الله بقي مصرّاً على صناعة أسطورة الانتصار في الترسيم، وبالارتكاز على المعادلة التي وضعها: “إمّا السماح للبنان بالبدء بالتنقيب، أو الحرب”. وعليه أصبح الجميع بانتظار ما سيحمله المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكستين إلى لبنان، وإمكان موافقة إسرائيل على المقترح اللبناني بالحصول على الخطّ 23 كاملاً، بالإضافة إلى حقل قانا. والأهمّ هو الحصول على ضمانات بالتنقيب وصولاً إلى الاستخراج. وهنا ستكون الحاجة إلى السلاح قائمة لحماية عمليات التنقيب والاستخراج والتصدير لاحقاً.
حيرة عسكرية إسرائيلية
يقوم متن خطاب نصر الله على حيرة. كيف سيكون قادراً بخطاب واحد على التوجّه إلى الإسرائيليين بلغة؟ واللبنانيين بلغة أخرى؟
أراد نصر الله أن يتوجّه إلى اللبنانيين بوصفه محارباً وحامياً وصاحب قوّة وغيور على مصالح البلد وثرواته وحقوقه وحقوله، فيما يريد مخاطبة الإسرائيليين بوصفه القادر على تهديد الكيان وفي الوقت نفسه القادر على إنجاز التسوية بدون مصافحة. وهذا ما يتسبّب بحيرة عسكرية عميقة لدى المسؤولين الإسرائيليين.
إقرأ أيضاً: سماحة السيّد: نختلف معكَ على المستقبل… لا الماضي
يبحث نصر الله أيضاً عن كيفيّة إبرام تسوية لكن بدون السماح للّبنانيين بنسيان شعاراته برفض الحدود، وانتظار زوال الكيان واستحالة الاعتراف به. أهمّ ما في خلفيّة تفكيره هو كيفيّة تجديد شرعية سلاحه، واستمرار تفوّقه في الداخل اللبناني خلال مرحلة ما بعد الترسيم، من دون أن يكون هذا السلاح في نظر الكثير من اللبنانيين سلاحاً يستعمل في حرب أهلية، وبحيث لا يتعارض في الوقت نفسه مع اتفاقية هدنة أو ترسيم، أو القرار 1701، وهي معضلة استراتيجية يريد وحده أن يتمكّن من اتخاذ القرار بشأنها، مقابل أن يستمرّ اللبنانيون في التسليم بقراره تحت وطأة رهاب الحرب.
طرح نصرالله عنصر تهديد للعرب وبذلك يقول، كما تقول إيران لكلّ العرب، إنّ أمامهم إمّا الاعتراف بنفوذها وتقدّمها أو أنّ مجتمعاتهم وأمنهم القومي والاستثماري والاقتصادي سيكون عرضة للتهديد أو الاستهداف.