معركة عيد الأضحى.. بداية “حرب أهلية” داخل الأخوان

مدة القراءة 6 د

بينما كان العالم الإسلامي يحتفل بعيد الأضحى المبارك، كانت جماعة الإخوان في تركيا تدير انقلاباً كبيراً على جماعة الإخوان في بريطانيا.

تضمّن بيان “انقلاب العيد” قيام إخوان تركيا بفصل مسؤول إخوان بريطانيا من الجماعة بشكل نهائي، وفصل عدد من القيادات معه، وفي مقدَّمهم جمال حشمت وحلمي الجزار.

 

جمال حشمت.. الاعتزال والعزل

قبل ساعات من القرار النهائي للمصريّين بالخروج لإسقاط نظام الإخوان في مصر عام 2013، كنتُ ضيفاً على الإعلامي الأستاذ معتزّ الدمرداش في تلفزيون “الحياة”، وكان الضيف اللاحق هو القيادي الإخواني الدكتور جمال حشمت.

في أثناء الحلقة جاء خطاب الرئيس الأسبق محمد مرسي محبطاً جدّاً، وهو الخطاب الذي خلق حماسةً مضاعفةً لدى الشعب لإسقاطه. بعد نهاية الحلقة والخطاب التقيتُ الدكتور جمال حشمت خارج الاستديو، وكان يرافقه ابن شقيقه في ذلك اللقاء. قلت له: “من دون أن تغضب منّي.. أقول لك: إنّ خطاب الدكتور مرسي أسقط النظام، ولم يبقَ إلا القليل جدّاً”. وكانت إجابة الدكتور حشمت مباغتةً لي تماماً، قال لي: “أنا سأعتزل السياسة تماماً، وهذا الحوار هو آخر عملي بها”. وعقّب ابن شقيقه: “يا أستاذ أحمد.. عمّي متضايق جدّاً من الأداء، وسوف يترك الجماعة والسياسة معاً”.

تتّهم كل جبهة الجبهة الأخرى بالفساد والسرقة، والاستيلاء على أموال الجماعة، والسطوْ على مواقعها ومنصّاتها، والعمالة لمصلحة جبهات أجنبية

مضت سنوات على تلك الواقعة، حتى كان عيد الأضحى 2022، وإذا بي أقرأ بياناً صادراً من جانب الأمين العام لجماعة الإخوان الدكتور محمود حسين يعلن فيه فصل الدكتور جمال حشمت من جماعة الإخوان فصلاً نهائياً، وعليه لم يعُد يمثّل الجماعة أو يعبِّر عنها.

في تلك السنوات كان حشمت أحد قادة الإخوان الهاربين ما بين تركيا وقطر وبريطانيا، وكان أحد الذين استخدموا خطاباً متشدّداً إزاء الثورة المصرية 2013، وإزاء الدولة والجيش وإرادة الشعب التي أسقطت الجماعة.

يبدو لي الأمر دراميّاً بامتياز، فالرجل الذي قال لي إنّه سيعتزل الجماعة عام 2013، قامت الجماعة بعزله عام 2022..!

 

انتخابات مصطفى الفقي

كانت المرّة الأولى التي أسمع فيها باسم الدكتور حشمت عام 2005، حين خاض الانتخابات البرلمانية في مدينة دمنهور أمام الدكتور مصطفى الفقي، وهي الانتخابات التي أثارت ضجّة صحافيّة في أعقاب اتّهام إحدى القاضيات الحكومة بتزوير الانتخابات لمصلحة الدكتور الفقي.

واجه مصطفى الفقي هجوماً واسعاً، وراح الإعلام يصوّر جمال حشمت باعتباره ديمقراطياً كبيراً خسرته الحياة البرلمانية المصرية. لقد صُدمت حين شاهدته في لقاءات تلفزيونية لاحقة من حجم عدم المعرفة السياسية والاقتصادية لديه، واعتماده الأساسي على قوّة الجماعة في الحشد والتلاعب بالناخبين.

وفي عرضِه لسيرته الذاتية، يتباهى الدكتور حشمت بأنَّ أبرز إنجازاته حين أصبح لاحقاً عضواً في البرلمان، تفجيره قضيّة إقامة مسابقات ملكات الجمال في مصر!

هذه واحدة من معضلات الديمقراطية في بلادنا، فلطالما قابلتُ نوّاباً لديهم شعبية كبيرة وثقافة صغيرة، ذلك أنّ الانتخابات كـ”لعبة” غارقة في الميكانيكية والآليّة، لا تتوافق بالضرورة مع المعرفة والمهارة والإمكانات الحقيقية للأفراد. وقد أدّى صعود دور المال والتنظيم والدعم الخارجي في العملية الديمقراطية إلى تعزيز نفوذ الغوغاء في تقرير المصير السياسي للشعوب.

الإخوان ضدّ الإخوان

ما كان الإخوان يجيدون إدارته في مواجهة القوى السياسية المدنيّة، راحوا يحاولون إجادته في مواجهة بعضهم بعضاً. تبدأ قصّة “التصدّع الكبير” عام 2013. فبعد سقوط حكم الجماعة أصبح الدكتور محمود عزت قائماً بأعمال المرشد العامّ، واستمرّ كذلك حتى إلقاء القبض عليه عام 2020.

في سنوات محمود عزت كانت هناك جبهتان تتشكّلان خارج مصر، واحدة في إسطنبول بقيادة محمود حسين، وثانية في لندن بقيادة إبراهيم منير. لكنّ الجبهتين حافظتا على عدم الصدام في ظلّ وجود قائم بأعمال المرشد. لكن عقب القبض عليه انفجرت الجبهتان، وبدأت حرب مفتوحة بينهما.

تتّهم كل جبهة الجبهة الأخرى بالفساد والسرقة، والاستيلاء على أموال الجماعة، والسطوْ على مواقعها ومنصّاتها، والعمالة لمصلحة جبهات أجنبية، وتتّهم كلّ جبهة الأخرى بعدم الشرعية، وأنّها لا يحقّ لها الحديث باسم الجماعة.

أعلنت جبهة لندن أنّ زعيمها إبراهيم منير هو القائم بأعمال المرشد، وأعلنت جبهة إسطنبول أنّ أحد أشخاصها، وهو “مصطفى طلبة”، هو القائم بأعمال المرشد.

في شهر رمضان 2022 أقامت جبهة إسطنبول حفل إفطار كبيراً باسم الجماعة، فقامت جبهة لندن بإقامة حفل إفطار بالمقابل.

تتّهم جبهة لندن جبهة إسطنبول بالخروج على هدف الجماعة، والعمل كمنظّمة مصالح ماليّة فاسدة. وفي بيان “انقلاب العيد” ردّت جبهة إسطنبول بالآية الكريمة:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى? مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[سورة الحجرات، الآية 6].

 

فشل وساطة خالد مشعل

على الرغم من أنّ زعيم جبهة إسطنبول محمود حسين من مواليد فلسطين وزوجته فلسطينية، وصلاته بحركة حماس قوية جدّاً، إلاّ أنّه رفض وساطة خالد مشعل مسؤول إقليم حماس بالخارج.

وهكذا امتدّ الصراع إلى مشهده الأحدث، وهو قرار فصل كل طرف للطرف الآخر من الجماعة، لتصبح الجبهتان غير شرعيّتين طبقاً لقرار الجبهة الأخرى. ولقد دعا هذا المشهد عدداً من أعضائها للقول إنّ قادة الجبهتين بلا شرعيّة، ولا سمع ولا طاعة لأيٍّ منهما.

إقرأ أيضاً: حين عرض الإخوان على الخميني أن يكون خليفةً للمسلمين؟

مفتي مصر في لندن

وسط تلك الحرب الأهلية داخل الجماعة، قام مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام بزيارة بريطانيا، وهي الزيارة التي صدمت الجماعة في مكانها وزمانها. وعلى الرغم من كلّ محاولات إفشالها، فإنّ زيارة المفتي للندن كانت ناجحة جدّاً، فقد سمع المسلمون في بريطانيا من مدرسة الأزهر ما لم تسمعه من تنظيمات الجماعة.

لقد انكسرت جماعة الإخوان، وها هي تمضي إلى مزيد من الانكسار. كان نابليون بونابرت يقول: “حين يرتكب عدوّك خطأ، حاول ألّا تزعجه”.

 

* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.

له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.

عضو مجلس جامعة طنطا، وعضو مجلس كليّة الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.

 

 

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…